وجوه وقضايا

رحلة سودانيات إلى ليبيا.. معاناة بين حربين!

عبد النبي مصدق- واشنطن
26 فبراير 2025

حتى منتصف أبريل 2023، كانت حياة مناهل السنوسي هادئة، لا شيء يعكر صفوها.

عائلة صغيرة ومنزل ووظيفة وجيران ودودون وآمان تشعر به في مدينة الفاشر السودانية.

يبدأ روتينها اليومي بإعداد فطور الصباح وتوديع ابنها إلى المدرسة، قبل الالتحاق بعملها كممرضة في إحدى مستشفيات المدينة.

كان كل شيء على ما يُرام في حياة مناهل السودانية، إلى أن اندلعت الحرب وأطلقت أولى الرصاصات بين أبناء بلدها.
في لحظة انقلبت الأمور، سقط قتلى من الجانبين، عمت الفوضى، وانتشرت أعمال النهب والتخريب.

تحوّل الهدوء والسكينة إلى قلق وذعر، وخيّم شبح الحرب.

بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب، في أبريل 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، انفلتت الأمور وخرج كل شيء عن السيطرة.
داهمت عصابات أحياء مدينة الفاشر، انتشرت أعمال العنف والسرقة، وانعدم الأمن.

وصلت أذرع الإجرام إلى منزل مناهل الهادئ، طالت كل ثمين، نهبته بالكامل. تحولت حياة الممرضة السودانية منذ ذلك الحين إلى جحيم.

تقول مناهل إن أهل مدينتها يحافظون على عادة قديمة، تقيهم نوائب الدهر، إذ يطمرون بعض مدخراتهم تحت الأرض، بعيدا عن الأعين.

سارع زوج مناهل إلى "كنزه"، أخرجه وطالب عائلته بمغادرة البلد فورا، فـ"لا موعد معروف لانتهاء الحرب"، قال لزوجته.
لم تتردد مناهل كثيرا، جمعت بعض المؤونة، اصطحبت طفلها، وغادرت على متن أول مركبة نحو ليبيا المجاورة.

حسب إحصائيات أممية، تسببت الحرب بالسودان في فرار أكثر من 12 مليون شخص، في أزمة صنفتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنها "واحدة من أكبر حالات الطوارئ المتعلقة بالنزوح في العالم".

في ليبيا وحدها، تشير الإحصائيات ذاتها إلى وصول أزيد من 240 ألف لاجئ سوداني منذ بداية الصراع.

هذه التفاصيل ليست نهاية المأساة التي تعيشها مناهل، بل هي مجرد فصل صغير في رحلة طويلة من تحديات فرضتها حرب لم تشارك فيها السيدة السودانية وابنها.

 

رحلة محفوفة بالمخاطر

وسط صحارى موحشة لا يتراءى منها سوى كثبان رملية لا نهاية لها، تكافح سيارة قديمة على متنها 17 راكبا، بينهم مناهل وابنها وآخرون للوصول إلى حدود ليبيا.
"السيارة صُممت لحمل 9 أشخاص ليس أكثر"، تقول وهي تسرد لـ"الحرة" أطوار رحلتها القاسية نحو وجهتها الجديدة.

مع الحمولة الزائدة، حصل ما كان في الحسبان، توقفت السيارة عن العمل وبات لزاما على ركابها المبيت في الخلاء.

فراشهم الأرض ولحافهم السماء، قضت مناهل ورفاقها ليلة طويلة في العراء بانتظار أن يستجيب محرك السيارة القديمة لمحاولات الإصلاح.

انطلقت الرحلة نحو ليبيا يوم 25 فبراير 2024، وجمع ركاب السيارة المتهالكة قواهم للصمود في وجه الجوع والبرد والخوف والعطش.

"خشيت الهلاك في تلك المنطقة"، تقول مناهل، قبل أن ينجح سائق السيارة ومشاركون بالرحلة في إصلاح العطب.
تواصلت رحلة "الألف ميل"، تخللتها بارقة أمل، فصادفت في طريقها سيارة عائدة لتوها من ليبيا أمدهم ركابها بما يسد الرمق ويضمن الوصول إلى مدينة الكفرة جنوب البلد المغاربي.

أخيرا وصلت مناهل إلى الكفرة، "صُدمت من الأعداد المهولة للسودانيين الفاريين من الحرب"، تقول في شهادتها، لـ"الحرة".
 

لا شيء على ما يرام

حطت مناهل رحالها بليبيا، توجهت إلى مزرعة لا تعرف لمن تعود ملكيتها، حاولت التقاط أنفاسها بعد رحلة موحشة.
غادرت مناهل دون انتظار نحو العاصمة الليبية طرابلس علّها تُحظى هناك برعاية المنظمات الأممية المعنية باللاجئين.
كانت تبحث عن فرص أفضل لابنها الصغير. تبيّن لها سريعاً أن الحياة مليئة بالمفاجآت، كأن ما واجهته من أهوال لم يكن كافيا.
ففي يوم ربيعي مشمس، وبينما كانت اللاجئة السودانية مارة بأحد شوارع العاصمة الليبية التي وصلتها حديثا، لمحت طفلا سودانيا يقطع الطريق وفي اتجاهه سيارة تسير بسرعة كبيرة.

لم تفكر كثيرا، قفزت في محاولة لإنقاذ الطفل، حصل ما أرادت لكن السيارة اصطدمت بها بشدة.

استفاقت مناهل في المستشفى على جلبة الممرضين والأطباء، عرفت لاحقا أنها تعرضت لكسور خطيرة.
"ألم لا يطاق، لم أحس بقدماي، تضررت أسناني، وعاين الأطباء كدمات بأجزاء متفرقة من جسدي"، تسرد للحرة تفاصيل ما واجهته.

فر صاحب السيارة، ولم تحصل على تعويضات عن الحادث. قضت نحو أسبوعين في المؤسسة الاستشفائية ثم طُلب منها المغادرة.

بدينارات معدودات، كان عليها التنقل أسبوعيا إلى المستشفى لتغيير الضمادات، قبل الخروج في محاولة تأمين قوت ولدها، في بلد لم تطأه قدمها من قبل.
هناك مقولة متداولة تذكر أن "الضحية الأولى للحرب هي البراءة".

وبالفعل، اصطدم ابن مناهل كغيره من معظم أبناء اللاجئين السودانيين في ليبيا، بحقيقة مفادها أن التعليم لهذه الفئة غير متاح.
"ابنى لا يدرس الآن فرسوم الدخول إلى المؤسسات التعليم مرتفعة للغاية هنا، وأنا أواجه متاعب صحية ولا قدرة لي على العمل"، تتحسر مناهل.

كحالة آلاف من السودانيين في ليبيا، بات حلم مناهل هو قبول ابنها في أي مؤسسة تعليمية، ريثما تضع الحرب في السودان أوزارها وتعود إلى ديارها.
 

مأساة متكررة

قصة مناهل ليست فريدة، فالنبش في حكايا اللاجئات السودانيات الفارات من الحرب إلى ليبيا يكشف الكثير من المآسي والأحلام الضائعة وسط أزيز الرصاص.
أساور شابة سودانية، لولا الحرب، لكانت الآن دكتورة في الصيدلة بشهادة من جامعة الخرطوم.

فور اندلاع الحرب، عادت أساور أدراجها من العاصمة السودانية إلى مسقط رأسها نيالى.
قُصفت أحياء في هذه المدينة الهادئة، مات أقارب وجيران، فاتخذت أساور قرارا بالمغادرة رفقة أشقائها وشقيقاتها ووالدتها نحو ليبيا.

بطريقة توحي بالعجلة، عبّأ صاحب الشاحنة أناسا وحيوانات وأغذية وأمتعة في صندوق مركبته القديمة وقصد مدينة "ملّيط" قرب الحدود مع ليبيا.
استغرقت الرحلة نحو 10 أيام، ذاق فيها المشاركون في الرحلة ويقدر عددهم بنحو 7 أُسر، شتى أنواع العذاب، من عطش ومرض وجوع.

تستذكر أساور تفاصيل الرحلة قائلة: "استفقنا في بعض الصباحات فوجدنا أنفسنا مغمورين تماما برمال الصحراء المتحركة بفعل الرياح الشديدة".

استقر أفراد عائلة أساور لدى عائلة سودانية استضافتهم لأسابيع قبل التحول إلى مدينة بنغازي، حيث اشتغلوا بضعة أيام للحصول على بعض من المال.
انتقلت العائلة السودانية لاحقاً إلى العاصمة طرابلس حيث تواصلت مع مفوضية اللاجئين قبل حزم حقائب السفر مجددا نحو مدينة مصراتة هذه المرة.

مع تدهور الأوضاع المالية للعائلة السودانية الوافدة على ليبيا، قررت أساور التي كانت إلى وقت قريب مشروع صيدلانية أن تتحول إلى عاملة في مجال تغيير زيوت السيارات.
"أنا أول إمرأة تقتحم مجال تغيير زيوت السيارات في مدينة صبراتة وربما في ليبيا"، تقول أساور، مشيرة إلى أن "أسئلة وشكوك كثيرة حامت حول أدائها خلال الأيام الأولى من الورشة".

تقول "إلى حد الآن، لازلت أواجه نظرات الاستغراب من قبل عدد من الليبيين، لكنني أعتقد أني فتحت طريقا للنساء لم يُطرق من قبل".

مع مرور الأيام، تمكنت أساور من إتقان تفاصيل عملها الجديد ونجحت في إعالة أسرتها.
اليوم، تحلم أساور بإنهاء درساتها في مجال الصيدلة في بلد أجنبي ككندا أو الولايات المتحدة الأميركية، لكن ذلك يتطلب "إسراع مفوضية اللاجئين لإجراءاتها"، تؤكد لموقع الحرة.

على عكس مناهل، تستبعد أساور إمكانية العودة إلى السودان، حتى في حالة انتهاء الحرب.
"لم نعد نملك شيئاً، بيتنا هُدم والمشاريع التنموية توقفت، فكرة العودة قبل إنهاء دراستي العليا أمر صعب"، تضيف السيدة السودانية.

جهود محلية وأممية

رغم محاولات السلطات والمجتمع المدني في ليبيا تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية للاجئين السوادنيين الفارين من ويلات الحروب، يرى مراقبون أن الاحتياجات المتزايدة لهذه الفئة تفوق قدرات هذه الدولة التي تمزقها أصلا النزاعات الداخلية.
في هذا السياق، يقول رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة إنه "مع تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين الليبيين، تعمقت أزمة اللاجئين السودانيين، خصوصا مع تباطؤ التدخلات الإنسانية الدولية".

يشدد حمزة في تصريح لموقع "الحرة" على "وجود جهود واسعة تبذلها السلطات الليبية والمنظمات الإنسانية والإغاثية، لكن ذلك لا يلبي احتياجات الإيواء والإغاثة والتعليم والصحة والغذاء".

وفي ظل نقص الاهتمام الدولي بإغاثة مئات الآلاف من اللاجئين المقيمين في ليبيا، يحذر حمزة من "موجات هجرة غير نظامية واسعة عبر قوارب الموت نحو أوروبا".

وبداية الأسبوع الفائت، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بيان إنه رغم الجهود الإنسانية المستمرة، لا زال اللاجئون وطالبو اللجوء السودانيون في ليبيا يواجهون مخاطر جسيمة متعلقة بالحماية ولديهم احتياجات إنسانية عاجلة تشمل المأوى الطارئ والمياه النظيفة والنظافة العامة والرعاية الصحية والغذاء.

ويهدف المجتمع الإنساني وفق البيان ذاته إلى جمع 106.6 مليون دولار لدعم مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين والمجتمعات المضيفة.
 

عبد النبي مصدق

أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة
أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة

في يوم أحد، استقل عمار البدران سيارته. إلى جواره زوجته، فيما أجلس أطفاله الثلاثة في المقعد الخلفي.

إنه الموعد الأسبوعي لشراء طلبات المنزل.

تعيش الأسرة في مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، جنوب شرقي الولايات المتحدة.

البيض عنصر أساسي في كثير من أطباق العائلة عراقية الأصل.

يستهلك الخمسة نحو 24 بيضة أسبوعيا.

قبل أشهر، كان عمار يشتري دزينتي البيض من متاجر كوسكو مقابل 7 دولارات.

أسعار أغلب المنتجات في ذلك المتجر عادة مخفضة.

لكنك تحتاج لاشتراك سنوي بقيمة 65 دولارا، كي يسمح لك بدخول المتجر.

أخذت أسعار البيض في الارتفاع تدريجيا دون سبب مُعلن.

ظن عمار أن السبب هو موسم الإجازات: من نوفمبر إلى أوائل يناير.

وجد نفسه يدفع 3 دولارات إضافية على نفس عدد البيضات.

سألتُه: هل توقفت عن شراء البيض أو ربما تقليل الاستهلاك؟

أجاب: "ما نقدر، بسبب الأطفال".

اللقطة الأولى

أمرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بسحب ما يزيد عن ربع مليون بيضة من متاجر كوسكو في خمس ولايات بينها جورجيا، لاحتمالية تلوثها ببكتيريا السالمونيلا.

حتى الآن، لم ترفع(FDA) قرارها.

قرر عمار البحث عن بديل، رغم أن القرار يخص نوع محدد من البيض: Organic Pasture Raised.

هذا البيض يأتي من دجاج تربى في المزارع المفتوحة، ولم يتعرض لمبيدات أو هرمونات صناعية وفق المعايير المنظِمة.

وقع الاختيار على متجر كروجر، "12 بيضة بـ 9 دولارات"، يقول عمار.

ثمة مشكلة إضافية. لا يسمح المتجر للمستهلك بشراء أكثر من دزينة بيض في اليوم الواحد.

في المتجر عُقلت لافتة كُتب عليها: "بسبب نقص البيض على مستوى البلاد، قررنا تقييد البيع إلى 12 بيضة (كرتونة) للشخص الواحد، يوميا".

عَرِف عمار أن الأزمة تعود إلى تفشي إنفلونزا الطيور.

باتت العائلة تذهب جماعة للمتجر لشراء البيض. يشتري عمار طبقا، وتشتري زوجته الآخر، ثم يفترقان لدى الدفع حيث يحاسب كل منهما على حدة.

البيضة الروسية

صباح يوم ثلاثاء في ولاية كاليفورنيا، كانت ماكنزي فوموينا روبيش في المطبخ تعد الفطور لعائلتها، فبناتها يحببن البيض مقليا.

قبل يوم قادت ماكنزي السيارة إلى مدينة أوشن سايد على بعد 20 دقيقة، لتتلقى هدية غالية.

ادخرت لها أمها عددا من البيضات وضعتها دجاجات عشر تربيها في حديقة منزلها الخلفية.

شعرت ماكنزي بامتنان شديد. في كاليفورنيا، بات طبق من 24 بيضة يُكلفها 30 دولارا.

"قبل إنفلونزا الطيور كان بإمكاني شراء 150 بيضة مقابل 41 دولارا"، أخبرتني.

بدأت ماكنزي تكسر البيضات في طبق قبل أن تلقي بها إلى المقلاة.

بين البيضات واحدة غريبة الشكل، "طويلة على غير العادة".

كسرتها. "ماذا؟"، صاحت!.

وجدت ماكنزي بيضة ثانية أصغر ترقد داخل البيضة الغريبة.

كأنها دمى ماتريوشكا الروسية، التي تحاكي الأمومة: الدمية الأم تحمل بداخلها دمية أصغر (الطفل).

هرعت إلى الهاتف، التقطت فيديو.

على حسابها على إنستغرام نشرته تحت عنوان: "هكذا يبدو الفوز باليانصيب هذه الأيام".

عام 2023 جربت ماكنزي شعور الفرحة غير المتوقعة.

آنذاك فازت بلقب برنامج المسابقات التلفزيوني "The Great American Baking Show" للخبازين الهواة.

عَلّمت ماكنزي نفسها الخَبز وأتقنته تحت وطأة وباء كورونا.

الآن، مع تفشي إنفلونزا الطيور بدأت تجرب بدائل البيض في وصفاتها.

اكتشفت أن بإمكانها استبدال البيض بصلصة التفاح في كعكات بعينها: رغيف الموز(Banana bread)

"ربع كوب من صلصة التفاح يعادل بيضة واحدة"، تقول ماكنزي.

كلاكيت تاني مرة

عام 2006 عمّ هلع في مصر بسبب إنفلونزا الطيور.

حينها كنت أقطن قرية بمحافظة القليوبية، شمالي البلاد.

ما من بيت في القرية إلا وكان يربي نوعا من الطيور: الدجاج، الحمام، البط، الأوز.

أسطح المنازل في مصر عادة ما تُستخدم ساحات لتربية الطيور في أقفاص.

حملات التوعية بالعدوى أغرقت التلفاز.

تحدثتْ أغلب البرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار عن الإجراءات الحكومية لمكافحتها.

شاعت في القرية أنباء عن غرامات ستفرضها الحكومة على من لا يذبح دجاجاته.

أتذكر جيدا أن أغلب أقاربي ذبحوا ما لديهم من طيور حتى فاضت ثلاجاتهم.

الآن بعد 19 عاما، أعيش الدراما ذاتها، لكن ببصمة هوليودية.

أعيش في شقة صغيرة في قلب العاصمة واشنطن. أقرب متجر إلى بيتي اسمه "Trader Joe’s"، أو بالمصرية: "دكانة عم جو".

اشترى بيض المراعي أو كما يسمى بالإنجليزية "Pasture-raised"، بعد بحث وتفحيص وتمحيص تبين أنه الأعلى قيمة غذائية.
حين وصلت هنا قبل 3 سنوات كان سعر الدزينة من هذا النوع يقترب من 3 دولارات. الآن لا يقل السعر عن 6 دولارات! وليتني أجده.

أذهب يوميا إلى المتجر، لأجد الأرفف فارغة.

اتصلت بهم قبل أيام.

- هل لديكم بيض اليوم؟ لا أريد أن آتي وأعود فارغة اليدين.

أجاب رجل على الهاتف: آسف، سيدتي، لقد نفد ما لدينا من البيض اليوم.

- متى يتوفر البيض إذا؟

- تعال غدا بمجرد أن نفتح عند التاسعة صباحا بالضبط.

المشهد المحذوف

يقود الناشط الأميركي الشهير جين باور حملة لتوعية الناس بإنفلونزا الطيور وأسباب تفشيها.

يلفت الأنظار إلى مشهد منسيّ وربما حُذف سهوا.

في إحدى منشوراته على إنستغرام، كتب: "أكثر من 99 في المئة من حيوانات المزرعة في الولايات المتحدة تتم تربيتها في مزارع صناعية تشكل أرضًا خصبة لمرض إنفلونزا الطيور وغيره من مسببات الأمراض".

"تتكدس آلاف الحيوانات، وفي بعض الحالات ملايين الحيوانات، في حظائر مليئة بنفاياتها، ودون نوافذ، ما يعرض الحيوانات والعمال لخطر الإصابة بالأمراض".

لجين (62 عاما) صوت مسموع في الأوساط الأميركية المعنية بصحة وسلامة الغذاء.

لعب دورا بارزا في معركة قضائية استمرت ثماني سنوات، انتهت بسن قانون كاليفورنيا لعام 2012، الذي يحظر إنتاج وبيع كبد البط والأوز: "فوا غراه" (foie gras).

وقتها لفت جين الانتباه إلى مشهد "تزغيط" البط والأوز (أي تسمينها)، للحصول على كبد أكبر عشرة أضعاف من الحجم الطبيعي.

لإنتاج (فوا غراه)، يقوم العمال بإدخال أنابيب في حلق البط أو الإوز وإطعامها قسراً كميات كبيرة من الحبوب.

العملية تسبب آلاما وضغوطات كبيرة للطائر. تؤدي لإصابته بمشاكل صحية محتملة، بينها أمراض في الكبد ذاته.

اتصلتُ به متسائلة عن سبب عودة إنفلونزا الطيور من جديد.

أخبرني: "عندما تزدحم المزرعة بآلاف الطيور، فإنها تنتج الكثير من الفضلات، وكلما زاد روث الحيوان ارتفعت احتمالية انتشار الجراثيم".

"قطاع تربية الطيور والحيوانات في الولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على المضادات الحيوية"، يضيف.

"لكن الفيروسات تتطور، تصبح أكثر ضراوة وأكثر قدرة على التغلب على الأدوية واللقاحات التي صممت للسيطرة عليها".

وبهذا فإن "الحيوانات كما البشر، يجب أن تعيش في بيئة صحية، حيث يتوفر هواء نقي ومياه نظيفة، لا محيط غارق بالميكروبات".

سألتُه عن بيض المراعي، وما يروج بأن الدجاج يُربّى في الهواء الطلق.

رد: "أنا لا أثق بالملصقات الدعائية.. الطريقة الوحيدة لمعرفة كيفية معاملة الحيوانات وظروف معيشتها هي زيارة المزرعة".

يشجع الناشط في مجال حقوق الحيوان الناس على زيارة المزارع القريبة منهم.

"الدور الذي يمكن أن نلعبه كمستهلكين، هو أن نصوت بأموالنا: بدعم الشركات التي لا تؤذي الحيوانات، ولا تخلق خطر الإصابة بالأمراض، ولا تضر بالبيئة، ولا تنتج طعامًا ضارًا بصحتنا".

نهاية فبراير هذا العام، أعلنت وزيرة الزراعة الأميركية، بروك رولينز، استراتيجية بقيمة مليار دولار للحد من إنفلونزا الطيور، وحماية قطاع الدواجن، وخفض أسعار البيض.

بيان للوزارة أوضح أن "تطوير لقاحات وعلاجات جديدة، فضلا عن تعزيز المراقبة البيولوجية"، من أبرز ما ستركز عليه الإستراتيجية المعلنة.