أول جزائري يصل إلى أميركا

في أراشيف التاريخ الأميركي، يتردد اسمه بوصفه شخصية استثنائية. فهو، قبل كل شيء، أول جزائري يصل إلى أميركا.

اجتاز المحيطات؛ وقع في الأسر، ونجح في الهروب من العبودية. وفي نهاية المطاف، اعتلى مكانة مرموقة عن استحقاق، في أوساط النخبة الفكرية في ولاية فيرجينيا.

عند عودته إلى وطنه، بعد ذلك، كانت تنتظره مفاجأة قاسية.

صوب المجهول

سليم الجزائري، عثر عليه صياد يُدعى صامويل جيفينز في خريف عام 1756، وسط غابات مقاطعة أوغستا، على  الحدود الغربية لولاية فرجينيا. 

كان جيفينز يترقب غزالا ساهما على بعد أمتار من فوهة بندقيته، وسمع حفيفا بين أغصان شجرة قريبة. توقع في البداية ظهور حيوان بري من خلف جذعها، وأدار البندقية متأهبا لإطلاق النار. لكن في اللحظة الأخيرة، أدرك أن الماثل أمامه ليس سوى إنسان؛ بل رجل منهك متلفع بخرق ممزقة.

كان المشهد صادما بالنسبة لجيفينز؛ إذ بدا الجزائري متقرح الجلد، نحيلا، وقد غطت أسمال قدميه طبقات من الوحل. 

كان يرطن بلغة غير مفهومة؛ خليط نبرات غريبة على السمع.

أول الأمر، تملكت جيفينز الريبة، إن لم نقل الخوف، ثم غمره إحساس بالشفقة. فشارك الرجل الغريب مؤونته من الطعام والشراب.

عندما استعاد الجزائري شيئا من قوته بعد أيام، اصطحبه جيفينز إلى منزل الكابتن جون ديكنسون، القائد والمزارع البارز  في منطقة قرب ميلبورو، غربي فرجينيا.

بعد أشهر من العناية بإشراف ديكنسون، بدأ الجزائري يتعلم بعض الكلمات الإنكليزية، حتى استطاع، أخيرا، أن يشارك مضيفيه قصته المذهلة.

أخبرهم أن اسمه سليم؛ جزائري يتحدر من عائلة مرموقة. كان قد تلقى تعليمه في القسطنطينية (إسطنبول-الإمبراطوربة العثمانية) قبل أن يأسره قراصنة إسبان، في عرض البحر، أثناء عودته إلى إسطنبول من عطلة رفقة عائلته في الجزائر.

باعه الإسبان لتجار رقيق فرنسيين. فنقله هؤلاء، بدورهم، إلى نيو أورلينز، بولاية لويزيانا، المستعمرة الفرنسية الواقعة جنوبي أميركا ذلك الوقت، وفق ما ورد في أرشيف "تاريخ مقاطعة أوغستا-فرجينيا" للكاتب، المحامي لويس بيتون.

"تاريخ مقاطعة أوغستا-فرجينيا" للكاتب، المحامي لويس بيتون

لم يكن الجزائري معتادا على العمل اليدوي القاسي مثل العبيد؛ هو المتعلم، ابن العائلة الثرية؛ فقسى عليه "مُلاّكه".

في إحدى محاولاته للهرب من الفرنسيين، وقع بين أيدي قبيلة من السكان الأصليين، هم "الهنود الشاونيين". فأخذوه معهم باتجاه الشمال، عبر نهر المسيسيبي، إلى أوهايو.

عاش سليم في كنف قبيلة الشاونيين ثلاث سنوات قبل أن ينجح في الهرب من مخيمهم، مسترشدا بإشارات امرأة إنكليزية، أسيرة، هي الأخرى، في المخيم ذاته. سار أسابيع على الأقدام عبر غابات كثيفة ومناطق وعرة في جبال الأبالاش. 

من دون غذاء، كان يقتات على النباتات البرية، فنحل جسمه ونفد ما لديه من طاقة، ولم يعد يقوى على السير. وفي أقصى درجات الإنهاك، احتمى بجذع شجرة، هناك حيث وجده الصياد جيفينز، وكاد أن يجهز عليه برصاصة من بندقية صيد.

وسط النخبة الأميركية

بعد أن اشتد عود الجزائري، وانتشار قصته بين السكان في ميلبورو، أخذ العقيد جون ديكنسون يقدمه إلى شخصيات بارزة في المجتمع الفيرجيني.

من ميلبورو، انتقل إلى مقاطعة ستاوتون، حيث بدأ الاحتكاك بالأوساط الفكرية والدينية، والتقى بأشخاص مهمين مثل القس جون كريغ، الذي سيلعب لاحقا دورا محوريا في تحول الجزائري إلى المسيحية.

ومع تزايد الاهتمام به، سفّروه إلى مدينة ويليامزبرغ، عاصمة فرجينيا الاستعمارية، آنذاك.

انخرط الجزائري في الأوساط المثقفة، والتقى بالأستاذ يمس هوروكس، رئيس كلية ويليام وماري.

كوّن علاقة مميزة بأحد أبرز أساتذة الكلية، البروفيسور ويليام سمول، المتخصص في الفلسفة والرياضيات.

كان سمول مهتما باللغات القديمة: اليونانية واللاتينية والعبرية. 

وكان الجزائري يجيدها.

أُعجب سمول بقدرة الجزائري على تحليل النصوص، فجعله أحد مريديه المقربين، وازدادت مكانته علوا في أوساط المثقفين في فرجينيا.

وكان الجزائري أيضا مثار اهتمام شخصيات بارزة أخرى مثل جون بيج، حاكم فرجينيا المستقبلي، وحتى توماس جيفرسون الذي سيكون الرئيس الأميركي الثالث، ذلك الشاب المفتون بالثقافة الشرقية، وروبرت كارتر، أحد النبلاء وكبار الاقطاعيين في المستعمرة.

وبحسب مصادر تاريخية، التقى سليم الجزائري بجيفرسون عندما كان جيفرسون في الرابعة عشرة من العمر.

ويُرجح أنهما التقيا مجددا في ويليامزبرغ عام 1762 عندما كان جيفرسون طالبا في كلية ويليام وماري، ومن الممكن أن يكون هذا اللقاء أحد الأسباب التي دفعت جيفرسون للاهتمام بالثقافة الإسلامية واقتناء نسخة مترجمة من القرآن في عام 1765.

الرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون

التحول العقائدي

لم يكن تحول سليم الجزائري المسلم إلى المسيحية تجربة سلهة، بل كان نتيجة رحلة طويلة من المحن والصراعات الروحية. 

كان الجزائي، وفقا لما رواه لويس بيون في وثيقته، قد رأى في حلم حشدا ضخما من الناس يرتدون زيا موحدا، مصطفين في ساحة كبيرة، بينما كان هناك رجل عجوز يقدم لهم المشورة. 

في ذلك الحلم، أدرك الجزائري أن من يستمع لنصائح هذا الرجل يمكنه عبور الساحة بأمان.

وفي اليقظة، عندما رأى القس جون كريغ، مؤسس كنيسة أوغوستا ستون المشيخية، أدرك على الفور أنه هو الرجل الذي رآه في حلمه. فاقترب منه وطلب أن يرافق القس إلى منزله، معتبرا أن ذلك "علامة من الله".

وافق القس على التماس الجزائري، الذي بدأ دراسة الإنجيل، مستفيدا من معرفته باللغات القديمة. إذ كان قادرا على قراءة العهد الجديد باليونانية، ما أثار إعجاب كريغ والمجتمع الديني من حوله. وبعد فترة من التعلم، قرر التخلي عن الإسلام وأعلن إيمانه الجديد.

عُمد الجزائري رسميا في كنيسة أوغوستا ستون، لكن السجل الذي كان من المفترض أن يوثق هذا الحدث لم يعد موجودا.

ترك تحوله العقائدي أثرا عميقا في المجتمع المحلي، إذ اعتُبر مثالا فريدا على التحول الديني في ذلك العصر.

العودة إلى الجزائر

بعد اعتناقه المسيحية، قرر العودة إلى الجزائر. حاول القس كريغ إقناعه بالعدول عن القرار. حذره من عواقب محتملة قد يسببها إيمانه الجديد. 

تَركُ الإسلام إلى دين آخر يُعد من "الردة"، وحكم الردة التوبة أو القتل.

رغم ذلك، أصر الجزائري على العودة إلى أهله وأحبائه.

في يوليو 1768، كتب جون بلير، رئيس مجلس فرجينيا الاستعماري، رسالة رسمية إلى اللورد هيلزبره، وزير الدولة البريطاني لشؤون المستعمرات.

لم تكن الرسالة عادية، إذ حملت في طياتها سطورا تتعلق بمصير رجل "خاض رحلة مذهلة عبر القارات"، وأصبح معروفا بـ"سليم الجزائري" بين نخب فرجينيا آنذاك.

كانت الرسالة توصية رسمية بمنح الجزائري ما يحتاج من دعم ليتمكن من العودة إلى وطنه، الجزائر. 

تضمنت الرسالة تأكيدا من بلير على أن سليم الجزائري رجل ذو معرفة واسعة، يجيد اللغات الكلاسيكية، ويحظى باحترام الشخصيات الرفيعة في فيرجينيا، مثل جون بيج وروبرت كارتر، اللذين دعما قضيته. 

أوضح بلير أن المجلس الاستعماري قرر تغطية تكاليف سفره بدعم مالي، في خطوة تعكس التقدير الذي حظي به الجزائري في مجتمعه الجديد، حتى على المستوى الرسمي.

في الجزائر، قابلته عائلته ومجتمعه بالرفض. اعتبروا تحوله إلى المسيحية خيانة لدينه وثقافته. والده ذو النفوذ رفض استقباله. حرمه من الميراث، وأمره بمغادرة المنزل فورا.

لاحقا، كتب القس بنجامين رايس عن تلك اللحظات المؤلمة، قائلا:

"لقد نبذته أسرته تماما، وطُرد بلا مال، بلا أصدقاء، وبلا أي وسيلة لكسب العيش. اضطر إلى مغادرة وطنه..." مرة جديدة.

الشاهد على ميلاد أميركا

اضطر على الرحيل من الجزائر. وفي لندن، حيث قضى بعض الوقت، لم يجد القبول الذي كان يأمله، فقرر العودة إلى المكان الوحيد الذي شعر فيه بالأمان: فرجينيا.

عند وصوله إلى ويليامزبرغ، لم بيد بذلك النشاط الذي جذب انتباه الأوساط الفكرية، بل بدا متعبا، ومحطما نفسيا وذهنيا.

قضى سليم بقية حياته في فرجينيا، مكرما ومحط تقدير.

اصطحبه جون بيج عندما سافر إلى فيلادلفيا، لحضور جلسات الكونغرس القاري الأول عام 1789. 

وأراد بيج أن يخلد ذكرى هذا الرجل الفريد، فطلب من الرسام الشهير تشارلز ويلسون بيل أن يرسم بورتريه لسليم الجزائري.

بملامح متأملة، ونظرات عميقة كأنها تداري أسرار رحلته الطويلة بين العبودية والحرية، بين الشرق والغرب، بين الرفض والقبول، تجسدت شخصية الجزائري بألوان زيتية.

بقيت اللوحة، سنوات، معلقة في قصر روزويل، في بهو منزل عائلة بيج في مقاطعة غلوستر، بفرجينيا. لكنها، مثل قطع فنية وتاريخية كثيرة، اختفت خلال الحرب الأهلية الأميركية. 

ربما أكلتها نيران الحرب أو ربما لا يزال الجزائري جالسا داخل إطار اللوحة، يتأمل التاريخ في قبو مهجور أو علية منسية، بانتظار أن تقع عيناه على من يعيد اكتشاف لوحته.

كان في الخامسة والخمسين عندما رسمه بيل.

ليس هناك صورة للجزائري، باستثناء رسم ـ هو إعادة تصور للوحة الأصلية ـ ظهر في كتاب Old Churches, Ministers and Families of Virginia، بحسب ما أكدته روبيرتا، حفيدة السيد جون بيج، في توضيح لصورة الجزائري المرسومة.

أيضاح روبيرتا حفيدة السيد بيج

دون كيخوته يستسلم لطواحين الهواء

مع مرور الأعوام، أصبح سليم أكثر انعزالا، يقضي جل وقته بين المزارع والغابات. كأنه كان يبحث عن شيء ما لا يعرف كنهه. 

في إحدى محطات تجواله، استقر في طاحونة هواء في بلدة يوركتاون قرب ويليامزبرغ.

كان يعتكف في الطاحونة لأيام منقطعا عن العالم الخارجي.

رسم لطاحونة هواء في فيرجينيا القرن التاسع عشر. المصدر: يوركتاون ويندميل بروجيكت.

رآه بعض الناس يتحدث إلى نفسه أحيانا؛ وأحيانا بكلمات غير مفهومة. وقضى، في نهاية المطاف، في مستشفى للأمراض العقلية في ويليامزبرغ.

هل قضت عليه تجربة العودة إلى الجزائر؟

تخلي الأهل، وقسوة الوالد؟

تختلف الروايات حول تفاصيل موت سليم الجزائري. 

تقول مصادر إنه توفي في المستشفى حوالي عام 1805. وتشير أخرى إلى أنه مات في منزل خاص تحت رعاية بعض معارفه الأميركيين.

لكن لا وجود لوثائق رسمية، حتى الآن، عن مكان قبره.

أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة
أسعار البيض شهدت ارتفاعا حادا في الولايات المتحدة

في يوم أحد، استقل عمار البدران سيارته. إلى جواره زوجته، فيما أجلس أطفاله الثلاثة في المقعد الخلفي.

إنه الموعد الأسبوعي لشراء طلبات المنزل.

تعيش الأسرة في مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا، جنوب شرقي الولايات المتحدة.

البيض عنصر أساسي في كثير من أطباق العائلة عراقية الأصل.

يستهلك الخمسة نحو 24 بيضة أسبوعيا.

قبل أشهر، كان عمار يشتري دزينتي البيض من متاجر كوسكو مقابل 7 دولارات.

أسعار أغلب المنتجات في ذلك المتجر عادة مخفضة.

لكنك تحتاج لاشتراك سنوي بقيمة 65 دولارا، كي يسمح لك بدخول المتجر.

أخذت أسعار البيض في الارتفاع تدريجيا دون سبب مُعلن.

ظن عمار أن السبب هو موسم الإجازات: من نوفمبر إلى أوائل يناير.

وجد نفسه يدفع 3 دولارات إضافية على نفس عدد البيضات.

سألتُه: هل توقفت عن شراء البيض أو ربما تقليل الاستهلاك؟

أجاب: "ما نقدر، بسبب الأطفال".

اللقطة الأولى

أمرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بسحب ما يزيد عن ربع مليون بيضة من متاجر كوسكو في خمس ولايات بينها جورجيا، لاحتمالية تلوثها ببكتيريا السالمونيلا.

حتى الآن، لم ترفع(FDA) قرارها.

قرر عمار البحث عن بديل، رغم أن القرار يخص نوع محدد من البيض: Organic Pasture Raised.

هذا البيض يأتي من دجاج تربى في المزارع المفتوحة، ولم يتعرض لمبيدات أو هرمونات صناعية وفق المعايير المنظِمة.

وقع الاختيار على متجر كروجر، "12 بيضة بـ 9 دولارات"، يقول عمار.

ثمة مشكلة إضافية. لا يسمح المتجر للمستهلك بشراء أكثر من دزينة بيض في اليوم الواحد.

في المتجر عُقلت لافتة كُتب عليها: "بسبب نقص البيض على مستوى البلاد، قررنا تقييد البيع إلى 12 بيضة (كرتونة) للشخص الواحد، يوميا".

عَرِف عمار أن الأزمة تعود إلى تفشي إنفلونزا الطيور.

باتت العائلة تذهب جماعة للمتجر لشراء البيض. يشتري عمار طبقا، وتشتري زوجته الآخر، ثم يفترقان لدى الدفع حيث يحاسب كل منهما على حدة.

البيضة الروسية

صباح يوم ثلاثاء في ولاية كاليفورنيا، كانت ماكنزي فوموينا روبيش في المطبخ تعد الفطور لعائلتها، فبناتها يحببن البيض مقليا.

قبل يوم قادت ماكنزي السيارة إلى مدينة أوشن سايد على بعد 20 دقيقة، لتتلقى هدية غالية.

ادخرت لها أمها عددا من البيضات وضعتها دجاجات عشر تربيها في حديقة منزلها الخلفية.

شعرت ماكنزي بامتنان شديد. في كاليفورنيا، بات طبق من 24 بيضة يُكلفها 30 دولارا.

"قبل إنفلونزا الطيور كان بإمكاني شراء 150 بيضة مقابل 41 دولارا"، أخبرتني.

بدأت ماكنزي تكسر البيضات في طبق قبل أن تلقي بها إلى المقلاة.

بين البيضات واحدة غريبة الشكل، "طويلة على غير العادة".

كسرتها. "ماذا؟"، صاحت!.

وجدت ماكنزي بيضة ثانية أصغر ترقد داخل البيضة الغريبة.

كأنها دمى ماتريوشكا الروسية، التي تحاكي الأمومة: الدمية الأم تحمل بداخلها دمية أصغر (الطفل).

هرعت إلى الهاتف، التقطت فيديو.

على حسابها على إنستغرام نشرته تحت عنوان: "هكذا يبدو الفوز باليانصيب هذه الأيام".

عام 2023 جربت ماكنزي شعور الفرحة غير المتوقعة.

آنذاك فازت بلقب برنامج المسابقات التلفزيوني "The Great American Baking Show" للخبازين الهواة.

عَلّمت ماكنزي نفسها الخَبز وأتقنته تحت وطأة وباء كورونا.

الآن، مع تفشي إنفلونزا الطيور بدأت تجرب بدائل البيض في وصفاتها.

اكتشفت أن بإمكانها استبدال البيض بصلصة التفاح في كعكات بعينها: رغيف الموز(Banana bread)

"ربع كوب من صلصة التفاح يعادل بيضة واحدة"، تقول ماكنزي.

كلاكيت تاني مرة

عام 2006 عمّ هلع في مصر بسبب إنفلونزا الطيور.

حينها كنت أقطن قرية بمحافظة القليوبية، شمالي البلاد.

ما من بيت في القرية إلا وكان يربي نوعا من الطيور: الدجاج، الحمام، البط، الأوز.

أسطح المنازل في مصر عادة ما تُستخدم ساحات لتربية الطيور في أقفاص.

حملات التوعية بالعدوى أغرقت التلفاز.

تحدثتْ أغلب البرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار عن الإجراءات الحكومية لمكافحتها.

شاعت في القرية أنباء عن غرامات ستفرضها الحكومة على من لا يذبح دجاجاته.

أتذكر جيدا أن أغلب أقاربي ذبحوا ما لديهم من طيور حتى فاضت ثلاجاتهم.

الآن بعد 19 عاما، أعيش الدراما ذاتها، لكن ببصمة هوليودية.

أعيش في شقة صغيرة في قلب العاصمة واشنطن. أقرب متجر إلى بيتي اسمه "Trader Joe’s"، أو بالمصرية: "دكانة عم جو".

اشترى بيض المراعي أو كما يسمى بالإنجليزية "Pasture-raised"، بعد بحث وتفحيص وتمحيص تبين أنه الأعلى قيمة غذائية.
حين وصلت هنا قبل 3 سنوات كان سعر الدزينة من هذا النوع يقترب من 3 دولارات. الآن لا يقل السعر عن 6 دولارات! وليتني أجده.

أذهب يوميا إلى المتجر، لأجد الأرفف فارغة.

اتصلت بهم قبل أيام.

- هل لديكم بيض اليوم؟ لا أريد أن آتي وأعود فارغة اليدين.

أجاب رجل على الهاتف: آسف، سيدتي، لقد نفد ما لدينا من البيض اليوم.

- متى يتوفر البيض إذا؟

- تعال غدا بمجرد أن نفتح عند التاسعة صباحا بالضبط.

المشهد المحذوف

يقود الناشط الأميركي الشهير جين باور حملة لتوعية الناس بإنفلونزا الطيور وأسباب تفشيها.

يلفت الأنظار إلى مشهد منسيّ وربما حُذف سهوا.

في إحدى منشوراته على إنستغرام، كتب: "أكثر من 99 في المئة من حيوانات المزرعة في الولايات المتحدة تتم تربيتها في مزارع صناعية تشكل أرضًا خصبة لمرض إنفلونزا الطيور وغيره من مسببات الأمراض".

"تتكدس آلاف الحيوانات، وفي بعض الحالات ملايين الحيوانات، في حظائر مليئة بنفاياتها، ودون نوافذ، ما يعرض الحيوانات والعمال لخطر الإصابة بالأمراض".

لجين (62 عاما) صوت مسموع في الأوساط الأميركية المعنية بصحة وسلامة الغذاء.

لعب دورا بارزا في معركة قضائية استمرت ثماني سنوات، انتهت بسن قانون كاليفورنيا لعام 2012، الذي يحظر إنتاج وبيع كبد البط والأوز: "فوا غراه" (foie gras).

وقتها لفت جين الانتباه إلى مشهد "تزغيط" البط والأوز (أي تسمينها)، للحصول على كبد أكبر عشرة أضعاف من الحجم الطبيعي.

لإنتاج (فوا غراه)، يقوم العمال بإدخال أنابيب في حلق البط أو الإوز وإطعامها قسراً كميات كبيرة من الحبوب.

العملية تسبب آلاما وضغوطات كبيرة للطائر. تؤدي لإصابته بمشاكل صحية محتملة، بينها أمراض في الكبد ذاته.

اتصلتُ به متسائلة عن سبب عودة إنفلونزا الطيور من جديد.

أخبرني: "عندما تزدحم المزرعة بآلاف الطيور، فإنها تنتج الكثير من الفضلات، وكلما زاد روث الحيوان ارتفعت احتمالية انتشار الجراثيم".

"قطاع تربية الطيور والحيوانات في الولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على المضادات الحيوية"، يضيف.

"لكن الفيروسات تتطور، تصبح أكثر ضراوة وأكثر قدرة على التغلب على الأدوية واللقاحات التي صممت للسيطرة عليها".

وبهذا فإن "الحيوانات كما البشر، يجب أن تعيش في بيئة صحية، حيث يتوفر هواء نقي ومياه نظيفة، لا محيط غارق بالميكروبات".

سألتُه عن بيض المراعي، وما يروج بأن الدجاج يُربّى في الهواء الطلق.

رد: "أنا لا أثق بالملصقات الدعائية.. الطريقة الوحيدة لمعرفة كيفية معاملة الحيوانات وظروف معيشتها هي زيارة المزرعة".

يشجع الناشط في مجال حقوق الحيوان الناس على زيارة المزارع القريبة منهم.

"الدور الذي يمكن أن نلعبه كمستهلكين، هو أن نصوت بأموالنا: بدعم الشركات التي لا تؤذي الحيوانات، ولا تخلق خطر الإصابة بالأمراض، ولا تضر بالبيئة، ولا تنتج طعامًا ضارًا بصحتنا".

نهاية فبراير هذا العام، أعلنت وزيرة الزراعة الأميركية، بروك رولينز، استراتيجية بقيمة مليار دولار للحد من إنفلونزا الطيور، وحماية قطاع الدواجن، وخفض أسعار البيض.

بيان للوزارة أوضح أن "تطوير لقاحات وعلاجات جديدة، فضلا عن تعزيز المراقبة البيولوجية"، من أبرز ما ستركز عليه الإستراتيجية المعلنة.