"كنت مقتنعة أني تخلصت من الجنين، لكن الحقيقة كانت غير ذلك"، بهذه الكلمات، تبدأ حفصة (27 سنة) رواية قصتها، مسترجعة لحظة ظنت فيها أن الأعشاب التي تناولتها أنهت حملها، قبل أن تكتشف، بعد أسابيع من الألم والمضاعفات، أنها لا تزال حاملاً.
تقول حفصة، لموقع "الحرة"، "لم يكن الإجهاض خياراً متاحاً لي، فالقانون يمنعه وبعض المصحات تطلب مبالغ لا طاقة لي بها، أما الحبوب فكانت باهظة الثمن وتصل إلى 3000 درهم (حوالي 300 دولار) للحبة الواحدة. فلجأت في صمت وخوف إلى طرق بدائية، وكان الثمن صحتي ومستقبلي".
في الحادية والعشرين، كانت حفصة طالبة جامعية وتعمل في متجر للملابس لمساعدة أسرتها.
تعرفت على شاب وتطورت علاقتهما العاطفية إلى حمل غير متوقع، لكنه تخلى عنها فور مواجهته بالحقيقة. غمرها الخوف، فبحثت سراً عن أي وسيلة لإنهاء الحمل قبل افتضاح أمرها.
فشلت محاولتها، فخسرت تعليمها وفقدت التواصل مع أسرتها.
وتعيش اليوم في بيت صغير وتعمل في مطبخ فندق لإعالة طفلها، الذي يعاني من مضاعفات صحية نتيجة الأعشاب التي تناولتها.
تقول حفصة "أعيش في عزلة، مرهقة بين أمومة لم أخترها وحياة فرضت عليّ".
بعد سبع سنوات، تتساءل حفصة بألم وحسرة "ماذا لو كان لي الحق في الاختيار؟ لو كان الإجهاض قانونياً، لكنت أكملت دراستي، بنيت مستقبلي، لكن القانون حكم عليّ بحياة قاسية لم أخترها، وعلى طفلي بقدر لم يكن له يد فيه".
"مأساة حنان"
وتتقاطع قصة حفصة مع حنان (38 سنة) التي ولدت في عائلة محافظة بمراكش، وكانت البنت الوحيدة وسط إخوتها الذكور.
زوّجها والدها وهي في سن السادسة عشرة لرجل يكبرها بخمسة عشرة عاماً، تقول حنان: "لم أكن زوجة فقط بل خادمة لعائلة زوجي بأكملها، صبرت على الشقاء لكنني لم أستطع تحمل الضرب والإهانة يومياً حتى قررت الفرار بأطفالي الثلاثة".
وتتابع حديثها لموقع "الحرة" قائلة إنها طلبت الطلاق وعادت إلى بيت أهلها وعملت لإعالة أطفالها، وبدأت تبحث عن فرصة جديدة للحياة، حيث تعرفت على رجل وعدها بالحب والاستقرار وتقبل أطفالها وأعطاها أملاً في حياة أفضل، لكن كل شيء انهار بعد أن حملت منه.
وتضيف "عندما أخبرته بحملي، اتهمني بالخيانة وتخلى عني تماماً، شعرت بأن حياتي انتهت. لم أستطع مواجهة أهلي وخفت من الفضيحة. حاولت إسقاط الجنين بكل الطرق، شربت الأعشاب، ابتلعت أدوية لا أعرف مصدرها، لكن الحمل استمر، ووجدت نفسي أمام مصير كابوس دائم".
قررت حنان بعدها الهرب من مراكش إلى طنجة بحثاً عن ملجأ يحمي سرها، إذ وجدت جمعية تدعم الأمهات العازبات، حيث أنجبت ابنتها "ملاك".
لكنها اكتشفت لاحقاً أنها تعاني من إعاقة ذهنية ونوبات صرع بسبب المحاولات العشوائية لإنهاء الحمل.
وتعيش حنان ممزقة بين رعاية طفلتها المعاقة وإعالة أبنائها الثلاثة الذين تركتهم في رعاية والديها دون علمهم بأختهم الصغرى.
تتنقل بين أعمال مؤقتة بالكاد تكفيها، وتشعر بالذنب، لكنها ترى أن المجتمع والقوانين مسؤولان عن معاناتها.
"إجهاض سري"
وتروي سلوى (35 سنة)، في تصريح لموقع "الحرة"، أنها اضطرت إلى إجراء إجهاض سري بعد أن تخلى عنها الرجل الذي حملت منه.
وأضافت أنها كانت مطلقة وتعيش مع أسرتها، ما جعل خيار الاحتفاظ بالجنين مستحيلاً خوفاً من الفضيحة.
وأوضحت سلوى أن الرجل وعدها بتحمل المسؤولية ثم تراجع، قبل أن يقنعها باللجوء إلى سيدة في الدار البيضاء تجري عمليات إجهاض غير قانونية مقابل 2500 درهم (250 دولاراً تقريباً).
ورغم مخاوفها الصحية، شعرت بأنها لا تملك خياراً آخر، فخضعت لعملية مؤلمة، ثم عادت إلى المنزل بانتظار سقوط الجنين.
وأضافت أنها بعد الإجهاض تعرضت لنزيف حاد استمر لساعات وشعرت أنها تموت، مما اضطرها للذهاب خلسة إلى إحدى المصحات الخاصة، حيث طلب منها شيك ضمانة بقيمة 8000 درهم (حوالي 800 دولار) قبل تلقي العلاج.
حاولت الاتصال بالرجل المسؤول عن حملها لكنه تجاهلها، وحصلت على المبلغ من جهة أخرى رفضت ذكر اسمها، فأوقفوا نزيهاً وأخفت عن عائلتها السبب الحقيقي لدخولها المصحة.
وأكدت سلوى أنها لاحقاً عادت إلى المرأة التي أجرت لها الإجهاض وطالبتها باسترجاع المال، محذرة إياها من أن ما تفعله قد يؤدي إلى وفاة إحداهن يوماً ما.
وشددت على أن تجريم الإجهاض يدفع النساء إلى طرق خطيرة تهدد حياتهن بدلاً من توفير بدائل آمنة.
"عواقب خطيرة"
وفي تعليقها على شهادات حفصة وحنان وسلوى، ترى مسؤولة الترافع في "جمعية 100٪ أمهات"، فاطمة الزهرة اشطيبات، أن الأمهات العازبات في المغرب يواجهن أوضاعاً صعبة عند حدوث حمل غير مرغوب فيه، حيث يتعرضن للطرد من أسرهن والرفض المجتمعي والتجريم القانوني.
وقالت، في تصريح لموقع "الحرة"، إن "هذه العوامل تدفع العديد منهن إلى الإجهاض السري، رغم العواقب الصحية الخطيرة التي قد تصل إلى الموت أو الإعاقة الدائمة".
وأكدت أن العديد من الفتيات يجدن أنفسهن وحيدات، مما يدفع بعضهن إلى الانتحار أو اللجوء إلى أساليب خطرة لإنهاء الحمل نتيجة لتجاهل القانون لحالتهن.
وتبرز اشطيبات أن الإجهاض السري يؤدي إلى تداعيات صحية كارثية، مثل النزيف الحاد والتعفنات وتشوهات خلقية عند الأجنة عندما لا يكتمل الإجهاض.
وتلفت إلى أن تجريم الإجهاض لا يمنع وقوعه، بل يدفع النساء إلى ممارسته بطرق غير آمنة تهدد حياتهن.
ولحماية النساء وضمان سلامتهن، تدعو المتحدثة نفسها إلى أن يكون الإجهاض متاحاً بشكل آمن وقانوني، تحت إشراف طبي متخصص، بعيداً عن السرية والمخاطر. مطالبة بمراجعة القانون لضمان حقوق الأمهات العازبات الصحية والجسدية.
"قضية صحية"
ومن جانبه، يعتبر رئيس "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري"، شفيق الشرايبي، أن تجريم الإجهاض يدفع النساء إلى اللجوء إلى أساليب غير آمنة، مثل تناول الأعشاب أو استخدام أدوات حادة، مما يؤدي إلى نزيف حاد أو التهابات قاتلة.
وقال الشرايبي، لموقع "الحرة"، إن كلفة الإجهاض الطبي ارتفعت بشكل كبير بسبب تشديد العقوبات، مما دفع النساء إلى البحث عن بدائل أرخص، كالأدوية مجهولة المصدر المباعة عبر الإنترنت، والتي قد تكون خطيرة وغير فعالة، أو اللجوء إلى وسائل أخرى تؤدي في بعض الحالات إلى الإعاقة أو التسمم.
ويستدرك الشرايبي أنه "رغم تشديد العقوبات فإنه لا يزال هناك ما بين 600 و700 حالة إجهاض سري يومياً في المغرب، مما يعني أن القانون لم يوقف الظاهرة بل جعلها أكثر خطورة على صحة النساء".
وأشار إلى أن تجريم الإجهاض لا يمنع الحمل غير المرغوب فيه، بل يؤدي في بعض الحالات إلى التخلي عن الرضع أو حتى قتلهم.
وشدد المصدر ذاته على أن الإجهاض قضية صحية وليست دينية، داعياً إلى تنظيمه بشكل قانوني في المستشفيات والمصحات لضمان سلامة النساء.
واستند الشرايبي إلى تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة، الذي يشمل الجوانب البدنية والعقلية والاجتماعية، مؤكداً أن "الحق في الإجهاض يجب أن يكون مكفولاً لحماية حياة النساء".