أم كليوم
تطويع الذكاء الاصطناعي في إحياء التراث المصري . أرشيفية - تعبيرية

الرجل الذي "أحيا" أم كلثوم، فغنت له أمام الأهرامات: "أمل حياتي".

أثبت أن صاحب أغنية "أنا هويت وانتهيت،" الذي توفي قبل أكثر من قرن، لم ينته بعد.

وضعنا في آلة الزمن، فتجولنا معه في أرجاء مصر المستقبل، على بعد 500 عام من عالمنا.

يقول محمد شكري إن أعماله البصرية، وهي قطع من نفسه، تعتمد على تظافر التكنلوجيا والإبداع، الذكاء الاصطناعي والقدرة البشرية على إعادة بناء الواقع من دون الخضوع لمحدداته الزمنية.

"فيديوهاتي أشبه بصورة سيلفي لما يدور في ذهني،" يقول المهندس المعماري المصري لموقع "الحرة".

بخبرة عقدين في فنون "العمارة والهندسة،" بدأ اهتمام شكري بتكنولجيا الذكاء الاصطناعي من باب الهواية أول الأمر، ومع تطور معرفته، واكتساب AI قدرات جديدة، أصبح شكري وحاسوبه الشخصي "ماكينة إنتاج" كاملة.

هو المؤلف والمنتج والمخرج والموسيقي لأعماله.

كيف تحول من الهواية إلى الشغف بالذكاء الاصطناعي، سألنا شكري، فكان الحوار التالي:

متى بدأت؟

في فبراير 2021، جذبتني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وكانت من الجيل الأول حينها.

أنظمة الذكاء الاصطناعي والأتمتة لطالما كانت موجودة في أوقات سابقة، ولكنها كانت حكرا على التقنيين والخبراء في ذلك المجال. وكان يحتاج كثيرا من المعرفة بالبرمجة ولغاتها المعقدة، إلى جانب الحاجة لأجهزة متقدمة ربما لم تكن متوفرة إلا في مراكز أبحاث.

ولكن مع مطلع 2021، بدأت الأنظمة مفتوحة المصدر بالظهور، وصار بالإمكان تشغليها عبر حواسيب منزلية.

ومنذ بداية استخدامي لها، صار عندي شغف كبير بتعلمها، وترجمة ما يدور في عقلي باستخدامها. في البداية كانت قدرتها تقتصر على توليد الصور البسيطة، لكن بعد ذلك تطورت وصارت لها قدرات هائلة.

والتطور في هذا التكنولوجيا يفوق التصور. ففي عام 2021 كنا نتحدث عن الجيل الأول، والآن في 2025 نتحدث عن الجيل السادس.

هذا التطور يعود إلى أن هذه الأنظمة في مسارها التطوري تلتهم المعلومات والبيانات، وتتعلم منها ما يزيد قدراتها.

من "أم كلثوم" إلى "الأهرامات".. ما هي الرسائل التي تريد إيصالها؟

في كل منتج رقمي أصدره قيمة مضافة، تعكس جوانب من ممارستي الخاصة للذكاء الاصطناعي، والتي تتميز بعاملين.

الأول يرتبط بالبحث الذي أجريه لإنتاج هذا الفيديو، أكان على مستوى المعلومات التي اعتمد عليها، أو حتى في البحث عن النماذج الأفضل لخدمة ظهور المنتج.

والثاني له علاقة بالتطبيق، وفي كيفية توضيف الخبرة المكتسبة وإثراء المعرفة في إنتاج الفيديو النهائي، أكان في إعادة ترميم الصورة ذات الجودة المنخفضة، أو تحسين البصمة الصوتية وتنقيتها.

وعلى سبيل المثال، في فيديو الذي جعل فيه أم كلثوم تغني "أمل حياتي"، استخدمت 11 نموذجا للذكاء الاصطناعي.

هذه النماذج أتاحت الدمج بين الصورة والتحريك الديناميكي وضبط التناسق، ومزامنة الشفاه مع الكلام.

هناك حديث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في ترميم الآثار المصرية؟

صحيح. خلال الأشهر الثلاثة الماضية تطورت أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يتيح لها إعادة ترميم الآثار المدمرة أو حتى التعرف على الآثار بشكلها الأصلي. إذ بات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال تمتلك قدرات المسوحات ثلاثية الأبعاد، مع مراعاة التدرجات والمستويات الخاصة بالتضاريس للتماثيل والآثار.

وهذا يوفر أيضا إمكانية توثيق الإرث التاريخي، بإدخال البيانات والمعلومات المتوفرة، والتي تكون أحيانا غير متاحة للأنظمة عبر الإنترنت، أكانت صورة أو صوتا أو فيديو قديما. وهذا يثري "المعرفة العالمية للذكاء الاصطناعي".

وهناك ما يرتبط بـ "إعادة الإحياء"، المتعلقة بقدرة الذكاء الاصطناعي على "تحليل السلوك"، لما هو سابق ليقدم لنا شكل الحياة في حقبة سابقة من التاريخ، أو ما بني على التوقع لشكل الحياة في المستقبل.

وهذه القدرات لا تأتي من العدم، إنما ترتبط بمدخلات البيانات التي يُغذى بها الذكاء الاصطناعي. إذ يمكنك أن تطلب منه أن يبتكر حياة كاملة اعتمادا على المعلومات التي يمتلكها، أو يمكن أن تحدد له البيانات التي يجب أن يعتمد عليها ليقدم النتيجة التي تريدها.

ما أهم التقنيات المستخدمة في صناعة الأفلام والصور بالذكاء الاصطناعي؟

هناك حاليا 180 نموذجا للذكاء الاصطناعي، ولكل نموذج قدرات مختلفة.

وللتعامل مع أي منها، عليك كمستخدم أن تعرف ما هي حدود إمكانياته.

التحديات التي تواجهك في  العمل؟

أكبر تحد هو عدم وجود خطوات مرجعية سابقة أو لوحة إرشادات أو حتى منهجيات توضح كيفية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، فأنت بحاجة إلى إجراء التجارب حتى تصل إلى النتيجة التي تريدها.

وهناك تبدأ رحلتك كمستخدم في وضع "مخطط إنسيابي" أو تسلسل للإجراءات، من أجل اختيار النماذج الأكثر ملائمة وإمكانية.

أحيانا، أحتاج لاستخدام من 8 إلى 12 نظاما مختلفا لإنتاج فيديو، وفي بعض الآحيان نظام أو نموذج ذكاء اصطناعي واحد يكون كافيا.

وتطلب مني العمل على بعض المشاريع تطوير مهارات بسيطة في لغات البرمجة مثل بايثون، من أجل تعزيز المدخلات التي أريد إضافتها للنموذج الذي كنت استخدمه، حتى يقدم نتائج أفضل.

ومن بين الفيديوهات التي أنتجتها، على سبيل المثال، لسيد درويش بعد 101 عام على وفاته.

استخدمت في فيديو سيد درويش 11 نموذجا، بناء على الصور والمقاطع والموسيقى السابقة لإنتاج مقطع مصور ببصمة صوتية مطابقة.

هل هناك أنظمة ذكاء اصطناعي توليدي عربية؟

ربما لا. ولكن العديد من الدول في المنطقة بدأت في تجهيز البنية التحتية لاستقبال واستيعاب مثل هذه الأنظمة، خاصة في ما يتعلق بالتجهيز للطاقة التي تحتاجها.

وهذه الجهود، قد لا تكون مماثلة لتلك التي تبذلها في الولايات المتحدة أو الصين، بتخصيص كثير من الموارد على التطوير في هذا المجال.

على سبيل المثال، هناك شركات أميركية كبرى تعاقدت مع مفاعلات طاقة من أجل توفير ما تحتاجه من الكهرباء لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي على  مدى سنوات قادمة.

وأعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح في السنوات القليلة القادمة من المعايير التي تحدد قوة الدول، فليس القوة العسكرية فقط التي ستكون فاعلة في الحروب.

وما نحتاجه هو أن تكون هناك إرادة لدى صناع القرار لدعم الاستثمار وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، فالعقول العربية موجودة ولها مساهمات في كبرى الشركات في هذه الصناعة.

وجود بنية تحتية يساعد في أن نكون مطورين وليس فقط مستهلكين لأنظمة الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي هل سيستحوذ على الوظائف أم يحسنها؟

الذكاء الاصطناعي هو أداة يتحكم فيها العقل البشري إلى حد ما، ولكنها في الجوانب تستطيع التفوق على طريقة تفكير البشر.

وهذا يعني أن هناك العديد من المهن التي سيتم استحداثها، وبعضها سيندثر.

وهذا تطور طبيعي، ففي فترة ما كان دور عامل البريد جوهريا في إيصال الرسائل، ولكن تم استبداله بالبريد الإلكتروني "الإيميل"، ولكن تغير مسار العمل لتوصيل الطرود والبضائع.

إذن هل نحن بحاجة لحماية وظيفتنا من هذا التطور الذي قد يقضي عليها؟

علينا أن نكون جاهزين لهذا التطور الحاصل، وهو ما سيشكل الفرق خلال الفترة المقبلة، بين من يستطيع استيعاب هذه التطورات والتماهي معها، أو الانغلاق على نفسه ورفض هذا التطور.

واستيعاب هذه التطورات، يعني القدرة على المنافسة في سوق عمل، مبني على الذكاء الاصطناعي.

برأيك كيف يمكن تجاوز المخاوف من الذكاء الاصطناعي التوليدي خاصة فيما يتعلق بالتزييف العميق؟

هذه المخاوف، لا يمكن مواجهتها بالحجر على تطور الذكاء الاصطناعي، إذ يجب الحفاظ على الإبداع والابتكار، وفي الوقت ذاته على الدول والحكومات مواكبة تشريعاتها مع هذه التطورات.

والحكومات بالتأكيد لن تتوفر لديها الخبرات الكافية لمواكبة هذه التطورات في صناعة تتغير بشكل سريع، ولهذا يجب إنشاء لجان استشارية تقدم المعلومات التي يمكن للدول التعامل معها لتحديث أنظمتها بشكل مستمر.

ومثلما ينشئ الذكاء الاصطناعي منتجات التزييف العميق، هناك أنظمة يمكنها الكشف عنها، وهو ما يتطلب جهدا إضافيا توعيا من الحكومات.

هل هذا يعني أننا لا يجب أن نثق بما نراه على الإنترنت؟

التزييف العميق، ليس وليد اليوم، إذ أنها كانت موجودة منذ عشرات السنوات، ولكنها انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصادر جعلها أكثر انتشارا حاليا خاصة مع الجودة التي ينتج بها.

المخاوف هذه ستبقى ماثلة، ولكن على الدول تشديد التشريعات التي تمنع وتحظر الممارسات المضرة بالغير.

والذكاء الاصطناعي بالنهاية هو أداة، يمكن استخدامها بالخير أو الشر.

وهي أداة تخيف المبرمجين في بعض الآحيان، وهو ما يدفع في انسحاب بعض الشخصيات أو تحذيرهم من أخطار الذكاء الاصطناعي. ولكن هذا قد يكون فيه الكثير من التحامل أو الخوف من التطور الطبيعي للأشياء.

برأيك، هل منتج الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعبر عما تراه هذه التكنولوجيا، أم ما يراه المستخدم؟

إذا كنت مستخدما للذكاء الاصطناعي، يمكنك أن تطلق العنان له، ليخرج لك ما يشاء من نتائج، بعضها لا علاقة له بالواقع، لكن المستخدم الجيد يستطيع أن يجعله يترجم ما في عقله.

وهذا يعني أنه يرتبط بخبرة المستخدم والنموذج الذي يستخدمه، لنستطيع القول إن المستخدم الجيد يستطيع أن يجعل 80 في المئة من المنتج النهائي لما يدور في عقله، و20 في المئة هي توليفة من الذكاء الاصطناعي.

وعلى سبيل المثال في محاكاة أخرى لكوكب الشرق وهي تغني أمام الأهرامات، استخدمت ثمانية نماذج للذكاء الاصطناعي، والتي تم تدريبها على بصمة الصوت، وإنتاج الصور والحركة، بما في ذلك تصميم الملابس المناسبة التي تعكس الموروث الثقافي والاجتماعي المصري.

ولو تركت الأمر للذكاء الاصطناعي ربما لأخرج لي أم كلثوم بملابس شاكيرا أو جنيفير لوبيز. وهذا ما يعني الخبرة في تحديد ما تريده بدقة من النماذج، وأن تضع لها محددات ومعايير تريده الالتزام بها.

وجوه وقضايا

الجانب المظلم من حقيقة الذكاء الاصطناعي

الحرة / خاص - واشنطن
21 مارس 2025

لتقنيات الذكاء الاصطناعي أثر إيجابي على كثير من مجالات حياتنا اليومية، لكن ما قد يخفى عن كثيرين هو تأثيراتها الضارة على الحياة بشكل عام: الحياة على هذا الكوكب.

استهلاك شركة مايكروسوفت من الكهرباء في عام 2023، على سبيل المثال، تجاوز 24 تيراواط، أي أكثر من استهلاك بلد مثل الأردن، أو حتى السعودية.

ويزيد الاستخدام المفرط للطاقة غير النظيفة لإنتاج الكهرباء من تداعيات الانبعاثات الضارة على البيئة. 

إلى جانب الكهرباء، يستخدم قطاع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من المياه لتبريد الأجهزة المعالجة للخوارزميات المعقدة.

الجبهة الأمامية

مراكز البيانات هي الجبهة الأمامية في الصراع نحو تصدر مجال الذكاء الاصطناعي.

هذه المراكز ليست حديثة العهد، فقد أُسس أول مركز معني بالبيانات في جامعة بنسلفانيا الأميركية عام 1945 لدعم ما عُرف حينها كأول كمبيوتر رقمي متعدد الأغراض، "ENIAC" اختصارا.  

هذه المراكز هي العمود الفقري للحوسبة الحديثة المعنية بتخزين كميات ضخمة من البيانات ومعالجتها.

تلك البيانات تكفل استمرار تشغيل كافة المواقع العاملة عبر شبكة الإنترنت، ما يسهل عمل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب.

لكن ظهور الذكاء الاصطناعي، التوليدي منه تحديدا، مثل خدمات "تشات جي.بي.تي" و"جيميناي" مثلا، غيّر "دراماتيكيا" في عمل مراكز البيانات، وفقا لمقال نشره معهد ماساتشوستس للتقنية "أم آي تي". 

واليوم، تتكون تلك المراكز من بنايات صناعية كبيرة، في داخلها مجموعة من الأجهزة الإلكترونية الضخمة.

داخل تلك البنايات هناك أجهزة تخزين البيانات الرقمية وخوادم الاتصالات والحوسبة السحابية، التي تمكن من تخزين ومعالجة البيانات.

بين عامي 2022 و 2023 ارتفعت متطلبات مراكز البيانات من الطاقة، في أميركا الشمالية، من 2,688 ميغاواط إلى 5,341 ميغاواط، وفق تقديرات علماء.

جزء من هذا الارتفاع مرتبط بالاحتياجات التي فرضها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفق "أم آي تي".

عالميا، بلغ استهلاك مراكز البيانات من الطاقة، في عام 2022، 460 تيراواط.

وتحتل مراكز البيانات المرتبة 11 بين الأكثر استهلاكا للكهرباء سنويا حول العالم، وهي مرتبة وسط بين فرنسا (463 تيراواط) والسعودية (371 تيراواط)، وفقا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وبحلول 2026، تشير "أم آي تي"، إلى أن استهلاك مراكز البيانات للكهرباء قد يصل إلى 1,050 تيراواط، ما قد يرفعها إلى المرتبة الخامسة، بين اليابان وروسيا.

الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده ليس العامل الوحيد، يوضح المعهد التقني، لكنه "دافع أساسي" باتجاه زيادة الطلب على الطاقة والمياه. 

تستخدم تلك المراكز كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية، وتكون لديها مصادر طاقة بديلة عند انقطاع التزويد أو في حالات الطوارئ، ما يمكّنها من الاستمرار في العمل.

لكن توفير الطاقة الكافية لتشغيل تلك المراكز أصبح تحديا في ظل ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة.

الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قدّم خطة لتطوير الطاقة النووية في الولايات المتحدة تحظى بدعم لافت من جمهوريين وديمقراطيين على حد السواء، وقد تشكل الحل الأكثر رفقا بالبيئة.

البروفسور آناند راو من جامعة كارنيغي ميلون أوضح لموقع "الحرة" أنه بالإضافة إلى الاستخدام المكثف للطاقة الكهربائية، ظهرت معضلة جديدة أمام تلك المراكز.

الأجهزة الإلكترونية الضخمة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ترتفع حرارتها إلى درجات عالية جدا، ما يؤثر على قدرتها، وقد يؤدي حتى إلى تلفها.

قد يبدو ذلك غريبا لأول وهلة، ولكن على عكس حاسوبك الصغير الذي يستعمل مروحة أو اثنتين لتبريد رقاقاته الإلكترونية، تستخدم أجهزة مراكز البيانات الماء للتبريد.

تدخل آلاف الغالونات من الماء إلى مبادل حراري يشغل شبكة ضخمة ومتشعبة من الأنابيب والمبردات تمتد إلى كافة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، دون أن يلامس الماء، طبعا، أيا من الدارات الكهربائية.

ومثلما هو الحال بالنسبة للكهرباء، يضع استهلاك تلك الكميات الكبيرة من الماء ضغطا كبيرا على الموارد المحلية للمنطقة حيث تكون مركز البيانات.

بات من الواضح أن استدامة عمل تلك المراكز أصبحت مرتبطة بتأمين موارد كبيرة من الكهرباء والماء.

لكنّ هناك حلولا أخرى، بحسب البروفيسور راو، مثل استخدام النيتروجين للتبريد عوضا عن الماء.

رغم أن النيتروجين متوفر بكميات كبيرة، إذ يمثل نحو 78 في المئة من الهواء في الغلاف الجوي للأرض، فإن استخدامه للتبريد مكلف كثيرا، ما يجعل الماء خيارا اقتصاديا أفضل.

حلول مبتكرة تعيقها "الهلوسة"

عوضا عن بذل جهد كبير في محاولة تبريد الأجهزة الإلكترونية، لماذا لا يتم استخدام أجهزة تطلق حرارة أقل، ما يعني بالضرورة أنها تستهلك كمية أقل من الطاقة؟

قد يخيل إليك أن هذه فكرة مثالية بعيدة عن الواقع، ولكن، مرة أخرى، يتحول الخيال إلى حقيقة.

تجري منذ مدة أبحاث تهدف لتطوير ما اصطلح على تسميته بحواسيب الكوانتوم التي تُعرف أيضاً باسم الحواسيب الكمومية.

اعتماد هذا النوع من الحواسيب على "فيزياء الكم" جعلها قادرة على القيام بعدد ضخم من الحسابات في وقت قصير ما جعلها تستخدم كمية طاقة أقل.

البيانات المعروفة بالإنكليزية بكلمة "بايت" وتعتمد نظام الرياضيات الثنائي المكون من رقمين هما 0 و1، وهو النظام المستخدم في الحواسيب.

لكن حواسيب الكم تعتمد على "الكيوبتات"، التي بإمكانها أن أن تكون في حالتي 0 و1 في نفس الوقت، وهو ما يعرف باسم التراكب الكمومي.

مكنت تلك الخاصية الفريدة هذه الحواسيب من إظهار قدرة كبيرة على فك المعادلات المعقدة وتقديم أجوبة متطورة على أسئلة مركبة، عبر معالجة العديد من المعادلات والمسائل في نفس الوقت.

وبالطبع، استخدمت حواسيب الكم في تطوير النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي، لكن الأجوبة التي قدمتها كانت "غير مستقرة".

وتعبير "غير مستقرة" يعبر عنها أحياناً بـ "الهلوسة"، حسب ما أوضح لموقع "الحرة"، كل من سام رزنيك، الباحث في معهد الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأميركية، والبروفيسور راو.

هذه "الهلوسة" البرمجية تتمثل في تقديم نموذج الذكاء الاصطناعي إجابات خاطئة وغير منطقية أو مخالفة للواقع أو عبثية لا معنى لها.

مجتمع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي يسعى لتحسين قدرات حواسيب الكم، للاستفادة من قدراتها الفريدة خصوصا من ناحية الوصول إلى نفس النتائج لكن بجهد أقل ووقت أقصر.

سباق العمالقة

ويتوالى سباق السيطرة على هذه التكنولوجيا التي فتحت أبواب الأرباح المالية الضخمة والسيطرة السياسية وحتى العسكرية، وسط مخاوف من تهديدها حرية التفكير والتعبير.

خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي نموا صاروخيا وحققت أرقاما فلكية.

ارتفع عدد مستخدمي "تشات جي.بي.تي" نهاية فبراير بنسبة 33 في المئة مقارنة بنفس العدد في ديسمبر الماضي ليصل إلى 400 مليون مستخدم أسبوعيا.

ومن أهم مستخدمي "تشات جي.بي.تي" نجد بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري وشركات كبرى مثل "تي موبايل" و"مودرنا" و"أوبر".

أما نموذج "ديب سيك" الصيني، فارتفع عدد مستخدميه 12 مرة خلال شهر يناير الماضي، ليصل الآن إلى معدل 700 ألف مستخدم أسبوعيا.

والتحقت شركة "أكس.أيه.آي" بالركب، ومنذ طرحها نموذج "غروك 3" ارتفع عدد مستخدميه من 4.3 مليون إلى 31.5 مليون مستخدم يوميا، وذلك خلال 3 أسابيع فقط.

وزعمت الشركة المنتجة لنموذج "ديب سيك" الصيني أنه يقدم خدمة أقل كلفة ومماثلة لنظيره الأميركي "تشات جي.بي.تي" من شركة "أوبن أيه آي".

سرعان ما خرج نموذج أميركي آخر بعد أقل من شهر، يسمى "غروك 3"، ليقدم قدرات أكبر.

شركة "أكس أيه آي"، التي أسسها إيلون ماسك عام 2023، تقول إن نموذج "غروك 3" هو الأفضل حتى الآن.

ظهور "ديب سيك" شكل صدمة ليس للباحثين المختصين بل للأسواق العالمية وحتى السياسة الدولية.

"ديب سيك" اعتمد تقنية تسمى استخلاص النماذج، يقول رزنيك في حديثه لموقع "الحرة".

تعتمد هذه التقنية على طرح آلاف من الأسئلة على نموذج "تشات جي.بي.تي"، لفهم طريقة تحليله للمعلومات.

أي لفهم طريقة تفكيره، والتعلم منها عبر التدرب على ذلك النموذج.

وبناء على ذلك قام الباحثون الصينيون ببناء نموذج "ديب سيك"، باستخدام الأجوبة المقدمة من "تشات جي.بي.تي".

ومع ارتفاع عدد مستخدمي الذكاء الاصطناعي تتزايد الحاجة إلى مزيد من مراكز البيانات، ما يعني، في المحصلة، استهلاكا أكبر للكهرباء والمياه، وما يصحب ذلك من تآكل لإمكانيات استمرار الحياة على كوكب الأرض.

مفاجآت بالجملة

الباحثان اللذان تحدثنا إليهما يخالفان الاعتقاد السائد بأن الصينيين لا يملكون  قدرات حاسوبية كبيرة نظرا لتأخرهم في مجال الرقائق الإلكترونية.

فمنظومة "ديب سيك" أصبحت تستخدم عددا كبيرا من الرقائق المصنعة من طرف شركة هواوي الصينية.

يكشف رزنيك لنا سرا آخر من خبايا الصراع الخفي للسيطرة على شعلة القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي.

نموذج "ديب سيك" يعتمد على قدرات حاسوبية كبيرة، لكن السر يكمن في طبيعة الرقاقات الإلكترونية.

هناك نوعان رئيسيان من الرقاقات الإلكترونية المعتمدة في نماذج الذكاء الاصطناعي.

الرقائق المتقدمة مثل تلك المنتجة من شركة "إنفيديا"، ومقرها ولاية كاليفورنيا الأميركية، تعرف باسم رقائق "جي.بي.يو"، وتستخدم للعمليات المعقدة مثل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

كلمة "جي.بي.يو" هي الاختصار الإنكليزي لمصطلح "graphic processing unit" أو (GPU) اختصارا، وتعني "وحدات معالجة الصور".

مكنت قدرات تلك الرقائق شركة "إنفيديا" من الوصول إلى قيمة سوقية تعادل نحو 3 ترليون دولار.

رقائق "جي.بي.يو" لم تكن في الأصل معدة للاستخدام في مجال الذكاء الاصطناعي.

"إنفيديا" عملت منذ تأسيسها عام 1993، في مجال الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو، وأرادت الحصول على صور ذات نوعية جيدة، تضفي طابعا أكثر واقعية على ألعاب الفيديو.

في ذلك الوقت كانت شركات التكنولوجيا مثل "إنتل" الأميركية تعمل على إنتاج رقائق حواسيب تعرف باسم "سي بي يو"، وهو الاختصار الإنكليزي لكلمة "سنترال بروسيسنغ يونت"، أو "وحدات المعالجة المركزية".

الرقائق الإلكترونية لوحدات المعالجة المركزية هي الأساس للحواسيب لذلك فهي أكثر انتشارا، لكن طريقة عملها تجعلها أقل تقدما في مجال الحسابات المعقدة.

من خلال التجارب الأولى للنماذج الحديثة للذكاء الاصطناعي، تبين أن وحدات معالجة الصور المنتجة من شركة "إنفيديا"، هي الأفضل بسبب قدرتها على إجراء العمليات الحسابية المعقدة، مع حجم معالجة أكبر.

تحولت "إنفيديا" من شركة تعمل في مجال ألعاب الفيديو إلى المزود الرئيسي للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي.

منذ أعوام تشهد الولايات المتحدة والصين نزاعا بشأن الرقاقات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي

المفارقة أن التحول المفاجئ كان سبباً في قوة الصدمة الناجمة عن نجاح نموذج "ديب سيك".

القدرة على تقديم نموذج يستخدم قدرات حاسوبية أقل تقدماً وضع مستقبل شركة "إنفيديا" في مرمى الشك وأثر على التداولات في الأسواق.

وأصبحت رقاقات "إنفيديا" طلبا أساسيا لدى كبرى شركات التقنية مثل "أمازون" و"غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" وغيرها.

لكن الاهتمام بذلك الحدث تجاوز عالم المال والأعمال.

الحرة / خاص - واشنطن