الرجل الذي "أحيا" أم كلثوم، فغنت له أمام الأهرامات: "أمل حياتي".
أثبت أن صاحب أغنية "أنا هويت وانتهيت،" الذي توفي قبل أكثر من قرن، لم ينته بعد.
وضعنا في آلة الزمن، فتجولنا معه في أرجاء مصر المستقبل، على بعد 500 عام من عالمنا.
يقول محمد شكري إن أعماله البصرية، وهي قطع من نفسه، تعتمد على تظافر التكنلوجيا والإبداع، الذكاء الاصطناعي والقدرة البشرية على إعادة بناء الواقع من دون الخضوع لمحدداته الزمنية.
"فيديوهاتي أشبه بصورة سيلفي لما يدور في ذهني،" يقول المهندس المعماري المصري لموقع "الحرة".
بخبرة عقدين في فنون "العمارة والهندسة،" بدأ اهتمام شكري بتكنولجيا الذكاء الاصطناعي من باب الهواية أول الأمر، ومع تطور معرفته، واكتساب AI قدرات جديدة، أصبح شكري وحاسوبه الشخصي "ماكينة إنتاج" كاملة.
هو المؤلف والمنتج والمخرج والموسيقي لأعماله.
كيف تحول من الهواية إلى الشغف بالذكاء الاصطناعي، سألنا شكري، فكان الحوار التالي:
متى بدأت؟
في فبراير 2021، جذبتني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وكانت من الجيل الأول حينها.
أنظمة الذكاء الاصطناعي والأتمتة لطالما كانت موجودة في أوقات سابقة، ولكنها كانت حكرا على التقنيين والخبراء في ذلك المجال. وكان يحتاج كثيرا من المعرفة بالبرمجة ولغاتها المعقدة، إلى جانب الحاجة لأجهزة متقدمة ربما لم تكن متوفرة إلا في مراكز أبحاث.
ولكن مع مطلع 2021، بدأت الأنظمة مفتوحة المصدر بالظهور، وصار بالإمكان تشغليها عبر حواسيب منزلية.
ومنذ بداية استخدامي لها، صار عندي شغف كبير بتعلمها، وترجمة ما يدور في عقلي باستخدامها. في البداية كانت قدرتها تقتصر على توليد الصور البسيطة، لكن بعد ذلك تطورت وصارت لها قدرات هائلة.
والتطور في هذا التكنولوجيا يفوق التصور. ففي عام 2021 كنا نتحدث عن الجيل الأول، والآن في 2025 نتحدث عن الجيل السادس.
هذا التطور يعود إلى أن هذه الأنظمة في مسارها التطوري تلتهم المعلومات والبيانات، وتتعلم منها ما يزيد قدراتها.
من "أم كلثوم" إلى "الأهرامات".. ما هي الرسائل التي تريد إيصالها؟
في كل منتج رقمي أصدره قيمة مضافة، تعكس جوانب من ممارستي الخاصة للذكاء الاصطناعي، والتي تتميز بعاملين.
الأول يرتبط بالبحث الذي أجريه لإنتاج هذا الفيديو، أكان على مستوى المعلومات التي اعتمد عليها، أو حتى في البحث عن النماذج الأفضل لخدمة ظهور المنتج.
والثاني له علاقة بالتطبيق، وفي كيفية توضيف الخبرة المكتسبة وإثراء المعرفة في إنتاج الفيديو النهائي، أكان في إعادة ترميم الصورة ذات الجودة المنخفضة، أو تحسين البصمة الصوتية وتنقيتها.
وعلى سبيل المثال، في فيديو الذي جعل فيه أم كلثوم تغني "أمل حياتي"، استخدمت 11 نموذجا للذكاء الاصطناعي.
هذه النماذج أتاحت الدمج بين الصورة والتحريك الديناميكي وضبط التناسق، ومزامنة الشفاه مع الكلام.
هناك حديث عن استخدام الذكاء الاصطناعي في ترميم الآثار المصرية؟
صحيح. خلال الأشهر الثلاثة الماضية تطورت أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يتيح لها إعادة ترميم الآثار المدمرة أو حتى التعرف على الآثار بشكلها الأصلي. إذ بات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال تمتلك قدرات المسوحات ثلاثية الأبعاد، مع مراعاة التدرجات والمستويات الخاصة بالتضاريس للتماثيل والآثار.
وهذا يوفر أيضا إمكانية توثيق الإرث التاريخي، بإدخال البيانات والمعلومات المتوفرة، والتي تكون أحيانا غير متاحة للأنظمة عبر الإنترنت، أكانت صورة أو صوتا أو فيديو قديما. وهذا يثري "المعرفة العالمية للذكاء الاصطناعي".
وهناك ما يرتبط بـ "إعادة الإحياء"، المتعلقة بقدرة الذكاء الاصطناعي على "تحليل السلوك"، لما هو سابق ليقدم لنا شكل الحياة في حقبة سابقة من التاريخ، أو ما بني على التوقع لشكل الحياة في المستقبل.
وهذه القدرات لا تأتي من العدم، إنما ترتبط بمدخلات البيانات التي يُغذى بها الذكاء الاصطناعي. إذ يمكنك أن تطلب منه أن يبتكر حياة كاملة اعتمادا على المعلومات التي يمتلكها، أو يمكن أن تحدد له البيانات التي يجب أن يعتمد عليها ليقدم النتيجة التي تريدها.
ما أهم التقنيات المستخدمة في صناعة الأفلام والصور بالذكاء الاصطناعي؟
هناك حاليا 180 نموذجا للذكاء الاصطناعي، ولكل نموذج قدرات مختلفة.
وللتعامل مع أي منها، عليك كمستخدم أن تعرف ما هي حدود إمكانياته.
التحديات التي تواجهك في العمل؟
أكبر تحد هو عدم وجود خطوات مرجعية سابقة أو لوحة إرشادات أو حتى منهجيات توضح كيفية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، فأنت بحاجة إلى إجراء التجارب حتى تصل إلى النتيجة التي تريدها.
وهناك تبدأ رحلتك كمستخدم في وضع "مخطط إنسيابي" أو تسلسل للإجراءات، من أجل اختيار النماذج الأكثر ملائمة وإمكانية.
أحيانا، أحتاج لاستخدام من 8 إلى 12 نظاما مختلفا لإنتاج فيديو، وفي بعض الآحيان نظام أو نموذج ذكاء اصطناعي واحد يكون كافيا.
وتطلب مني العمل على بعض المشاريع تطوير مهارات بسيطة في لغات البرمجة مثل بايثون، من أجل تعزيز المدخلات التي أريد إضافتها للنموذج الذي كنت استخدمه، حتى يقدم نتائج أفضل.
ومن بين الفيديوهات التي أنتجتها، على سبيل المثال، لسيد درويش بعد 101 عام على وفاته.
استخدمت في فيديو سيد درويش 11 نموذجا، بناء على الصور والمقاطع والموسيقى السابقة لإنتاج مقطع مصور ببصمة صوتية مطابقة.
هل هناك أنظمة ذكاء اصطناعي توليدي عربية؟
ربما لا. ولكن العديد من الدول في المنطقة بدأت في تجهيز البنية التحتية لاستقبال واستيعاب مثل هذه الأنظمة، خاصة في ما يتعلق بالتجهيز للطاقة التي تحتاجها.
وهذه الجهود، قد لا تكون مماثلة لتلك التي تبذلها في الولايات المتحدة أو الصين، بتخصيص كثير من الموارد على التطوير في هذا المجال.
على سبيل المثال، هناك شركات أميركية كبرى تعاقدت مع مفاعلات طاقة من أجل توفير ما تحتاجه من الكهرباء لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي على مدى سنوات قادمة.
وأعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح في السنوات القليلة القادمة من المعايير التي تحدد قوة الدول، فليس القوة العسكرية فقط التي ستكون فاعلة في الحروب.
وما نحتاجه هو أن تكون هناك إرادة لدى صناع القرار لدعم الاستثمار وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، فالعقول العربية موجودة ولها مساهمات في كبرى الشركات في هذه الصناعة.
وجود بنية تحتية يساعد في أن نكون مطورين وليس فقط مستهلكين لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي هل سيستحوذ على الوظائف أم يحسنها؟
الذكاء الاصطناعي هو أداة يتحكم فيها العقل البشري إلى حد ما، ولكنها في الجوانب تستطيع التفوق على طريقة تفكير البشر.
وهذا يعني أن هناك العديد من المهن التي سيتم استحداثها، وبعضها سيندثر.
وهذا تطور طبيعي، ففي فترة ما كان دور عامل البريد جوهريا في إيصال الرسائل، ولكن تم استبداله بالبريد الإلكتروني "الإيميل"، ولكن تغير مسار العمل لتوصيل الطرود والبضائع.
إذن هل نحن بحاجة لحماية وظيفتنا من هذا التطور الذي قد يقضي عليها؟
علينا أن نكون جاهزين لهذا التطور الحاصل، وهو ما سيشكل الفرق خلال الفترة المقبلة، بين من يستطيع استيعاب هذه التطورات والتماهي معها، أو الانغلاق على نفسه ورفض هذا التطور.
واستيعاب هذه التطورات، يعني القدرة على المنافسة في سوق عمل، مبني على الذكاء الاصطناعي.
برأيك كيف يمكن تجاوز المخاوف من الذكاء الاصطناعي التوليدي خاصة فيما يتعلق بالتزييف العميق؟
هذه المخاوف، لا يمكن مواجهتها بالحجر على تطور الذكاء الاصطناعي، إذ يجب الحفاظ على الإبداع والابتكار، وفي الوقت ذاته على الدول والحكومات مواكبة تشريعاتها مع هذه التطورات.
والحكومات بالتأكيد لن تتوفر لديها الخبرات الكافية لمواكبة هذه التطورات في صناعة تتغير بشكل سريع، ولهذا يجب إنشاء لجان استشارية تقدم المعلومات التي يمكن للدول التعامل معها لتحديث أنظمتها بشكل مستمر.
ومثلما ينشئ الذكاء الاصطناعي منتجات التزييف العميق، هناك أنظمة يمكنها الكشف عنها، وهو ما يتطلب جهدا إضافيا توعيا من الحكومات.
هل هذا يعني أننا لا يجب أن نثق بما نراه على الإنترنت؟
التزييف العميق، ليس وليد اليوم، إذ أنها كانت موجودة منذ عشرات السنوات، ولكنها انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصادر جعلها أكثر انتشارا حاليا خاصة مع الجودة التي ينتج بها.
المخاوف هذه ستبقى ماثلة، ولكن على الدول تشديد التشريعات التي تمنع وتحظر الممارسات المضرة بالغير.
والذكاء الاصطناعي بالنهاية هو أداة، يمكن استخدامها بالخير أو الشر.
وهي أداة تخيف المبرمجين في بعض الآحيان، وهو ما يدفع في انسحاب بعض الشخصيات أو تحذيرهم من أخطار الذكاء الاصطناعي. ولكن هذا قد يكون فيه الكثير من التحامل أو الخوف من التطور الطبيعي للأشياء.
برأيك، هل منتج الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعبر عما تراه هذه التكنولوجيا، أم ما يراه المستخدم؟
إذا كنت مستخدما للذكاء الاصطناعي، يمكنك أن تطلق العنان له، ليخرج لك ما يشاء من نتائج، بعضها لا علاقة له بالواقع، لكن المستخدم الجيد يستطيع أن يجعله يترجم ما في عقله.
وهذا يعني أنه يرتبط بخبرة المستخدم والنموذج الذي يستخدمه، لنستطيع القول إن المستخدم الجيد يستطيع أن يجعل 80 في المئة من المنتج النهائي لما يدور في عقله، و20 في المئة هي توليفة من الذكاء الاصطناعي.
وعلى سبيل المثال في محاكاة أخرى لكوكب الشرق وهي تغني أمام الأهرامات، استخدمت ثمانية نماذج للذكاء الاصطناعي، والتي تم تدريبها على بصمة الصوت، وإنتاج الصور والحركة، بما في ذلك تصميم الملابس المناسبة التي تعكس الموروث الثقافي والاجتماعي المصري.
ولو تركت الأمر للذكاء الاصطناعي ربما لأخرج لي أم كلثوم بملابس شاكيرا أو جنيفير لوبيز. وهذا ما يعني الخبرة في تحديد ما تريده بدقة من النماذج، وأن تضع لها محددات ومعايير تريده الالتزام بها.