عاد "مصطفى" إلى منزله بعد يوم عمل شاق يجني فيه 4000 جنيه مصري (80 دولارا) شهريا.
يفكر بمستقبل عائلته المكونة من ستة أفراد، وإن كان سيتغير بسبب قرار رفع الحد الأدنى من الأجور.
ليلة 13 فبراير 2025 (العاشر من رمضان) بدت كغيرها من أمسيات محافظة الشرقية في مصر، لكنها لن تمر بسلام.
"مصطفى" (اسم مستعار)، كان برفقة تسعة آخرين، أُلقي القبض عليهم من منازلهم بعد حوالي أسبوع من إضراب عمال شركة "الأمير للسيراميك" للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
ومنذ ثلاث سنوات تحاول الحكومة "تعويض" العمال عن ارتفاع الأسعار الناجم عن زيادة معدل التضخم السنوي من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور.
لكن حتى الآن لا تزال العديد من الشركات، التي لا يوجد حصر دقيق بأعدادها، ترفض تنفيذ القرار الحكومي السابق، وتلجأ إلى الجهات الأمنية لإنهاء أي احتجاج عمالي.
في 9 فبراير 2025، أعلن المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى 7000 جنيه (140 دولار) شهريا، بداية من مارس في العام ذاته، وفق وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رانيا المشاط.
القانون يستهدف العاملين في القطاع الخاص، الذين يُقدّر عددهم بنحو 24 مليون شخص، وفق المشاط، التي أشارت، في فبراير الماضي، إلى أن 80 في المئة من قوة العمل في الدولة تابعة للقطاع الخاص.
ليست كل الاحتجاجات والإضرابات العمالية في مصر مرتبطة بقرار فبراير وحده، إذ خرجت خلال الأشهر الماضية للمطالبة بتطبيق القرار الحكومي السابق، الصادر في مارس 2024.
ذلك القرار دعا إلى زيادة الأجور إلى 6000 آلاف جنيه (120 دولار).
وقوبلت تلك المطالب بتدخل أمني ضد العمال المحتجين، وصلت إلى الاعتقال والحبس، بحسب تقارير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنظمة "لجنة العدالة" المعنية بحقوق الإنسان في العالم.
ويُعرَّف الحد الأدنى للأجور بأنه أقل مبلغ يمكن أن يدفعه أصحاب العمل إلى العمال بشكل قانوني، بينما يمثل الدخل الأدنى الكافي المبلغ المطلوب لضمان حياة كريمة.
أزمة أخرى يواجهها عمال مصر حاليا وهي موافقة مجلس النواب، في 26 فبراير 2025، على مشروع قانون العمل الجديد من حيث المبدأ، معلناً البدء في مناقشة مواده.
الاتحاد العام لنقابات عمال مصر أعلن في بيان رسمي رفضه تعديلات لجنة القوى العاملة بمجلس النواب على مواد قانون العمل، وذكر أن التعديلات "تتضمن مواد تنتقص من حقوق العمال ومكتسباتهم التاريخية، وتضر بالحريات النقابية" و"حق التنظيم".
كما أكد على أهمية الحوار الاجتماعي للحفاظ على مكتسبات العمال.
ويعد حق الإضراب عن العمل من أبرز ما يثير جدلاً وانتقادات في مصر حول مشروع القانون الجديد، لوجود مواد "تفرض قيوداً" عليه، حسب معارضيه.
أما الحكومة ترى أنه "يحقق التوازن، ويخلق بيئة عمل لائقة تُراعي المعايير الدولية"، كما يشير وزير العمل، محمد جبران.
مطالب مشروعة تقابلها قبضة الأمن
"لأكثر من تسعة أعوام، كرستُ حياتي لهذا المصنع الذي عملت فيه بتفانٍ، رغم أجري الضعيف وتدني التأمينات الصحية والاجتماعية، وبدلا من أن تتم ترقيتي وتكريمي، يتم القبض علي أمام أسرتي"، يقول "مصطفى" في حديثه لموقع "الحرة".
لكن محنة "مصطفى"، 45 عاما، لم تنته عند هذا الحد، إذ فوجئ بعد قرار النيابة إخلاء سبيله في 16 فبراير الماضي، بإصابة والدته بأزمة قلبية إثر القبض عليه ودخولها العناية المركزة.
بداية تلك المحنة كانت مع قرار نحو 3500 عامل بمصانع "الأمير للسيراميك" الإضراب عن العمل، في 7 فبراير الماضي، للمطالبة بزيادة الرواتب إلى الحد الأدنى للأجور، بحسب موقع "لجنة العدالة".
"تقدم العمال بشكوى إلى مكتب العمل ضد الشركة، تضمنت مطالبهم، عقب ذلك انتقلت لجنة من القوى العاملة إلى مقر الشركة، وتوصلت المفاوضات مع الإدارة إلى "صرف 850 جنيهًا للعمال جميعًا"، على أن يتم رفع أجور العمال المتدنية لتصل إلى 5000 جنيه، وسط مطالبات من العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور وهو 7000 جنيه، يقول "مصطفى".
ومع استمرار الإضراب، ألقت قوات الأمن القبض على 10 عمال، كان "مصطفى" من ضمنهم، في 13 فبراير الجاري، بعد بلاغ تقدم به محامي الشركة وحمل رقم "644 إداري"، شمل اتهامات بـ"التحريض على الإضراب، والتخريب، وتعطيل حركة الإنتاج".
وبحسب أحد العاملين بالشركة، فإن "إدارة الشركة ساومتهم على الإفراج عن العمال المقبوض عليهم، مقابل إنهاء الإضراب، وتطبيق توصيات لجنة القوى العاملة بشأن زيادة الرواتب"، وفقا لموقع منظمة "لجنة العدالة".
وأزمة عمال "الأمير للسيراميك" ليست الأولى من نوعها، إذ شهدت مصر خلال الأشهر الماضية وقائع متكررة بسبب امتناع الشركات عن تطبيق الحد الأدنى للأجور، ما دفع العمال للاحتجاج السلمي بالاعتصامات والإضرابات التي قوبلت بالرد الأمني.
وفي 26 يناير الماضي، قبضت الأجهزة الأمنية على 26 عاملا، بسبب إضراب الآلاف من عمال شركة "تي أند سي" للملابس الجاهزة، للمطالبة بزيادة العلاوة السنوية إلى 50 في المئة لمواجهة غلاء المعيشة وتطبيق الحد الأدنى للأجور، بحسب موقع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى غرار ما حدث في "الأمير للسيراميك"، أنهى عمال شركة "تي أند سي" إضرابهم، في 28 يناير 2025، بعد إقرار الشركة علاوة بلغت 17 في المئة.
وهو نفس اليوم الذي جرى فيه إخلاء سبيل العمال، وإيقافهم عن العمل لمدة 15 يومًا، ليتفاجأوا بعد ذلك بقرار فصلهم نهائيا، بحسب موقع "مدى مصر".
وفي أغسطس 2024، ألقي القبض على تسعة عمال من شركة "وبريات سمنود" بسبب إضرابهم عن العمل لعدم تنفيذ القرار الرئاسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ ستة آلاف جنيه، منذ مايو 2024، بحسب موقع "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
كما أعلن عمال شركة "غزل المحلة" إضرابا، في 22 فبراير 2024، اعتراضا على استثناء عمال شركات قطاع الأعمال العام من قرار زيادة الحد الأدنى للأجور.
ورصد موقع "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" استدعاء قطاع الأمن الوطني بمحافظة الغربية لحوالي 36 من العاملات والعمال المشاركين بالإضراب واحتجازهم لعدة أيام قبل إطلاق سراحهم بعد التنبيه عليهم بعدم دخول مقر الشركة أثناء الإضراب.
ووجهت لاثنين من عمال شركة "غزل المحلة" تهمتا "الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون"، و"نشر أخبار وبيانات كاذبة تكدر الأمن والسلم العام"، بحسب مواقع صحفية وموقع "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".
ولم تستجب شركات "الأمير للسيراميك" و"غزل محلة" و"وبريات سمنود" لطلبات "الحرة" للتعليق عبر البريد الإلكتروني.
"التدخل الأمني في الخلافات العمالية لصالح أصحاب الأعمال والشركات على حساب العمال يعد أزمة كبيرة وخرقا واضحا لحقوق العمال في مصر"، يقول المحامي المتخصص في القضايا العمالية، أيمن محمود بكر، لموقع "الحرة".
ففي الفترة الأخيرة، "تطور دور ضباط الأمن من مجرد إلقاء القبض على العمال لترهيبهم لإنهاء إضراباتهم واعتصاماتهم، إلى دور المفاوض باسم الشركة لإجبار هؤلاء العمال للتنازل عن حقوقهم"، يضيف.
المحامي الحقوقي انتقد ما وصفه بـ "التعامل الأمني العنيف مع العمال"، خاصة في ظل "ضعف" النقابات العمالية الي تدافع عنهم، بالإضافة إلى توجيه تهم جنائية كبرى بحقهم.
"حضرتُ بالفعل جلسات لموكلين تم توجيه تهم لهم بالإرهاب، والتي قد تصل عقوبتها لأكثر من 15 سنة"، يضيف.
ماذا يقول القانون؟
يعد الإضراب عن العمل حقاً كفلته المادة 15 من الدستور المصري: "الإضراب السلمي حق ينظمه القانون".
"نظرا لعدم توفير القانون الأدوات اللازمة للتعامل مع المشكلات العمالية، اندفع أصحاب الأعمال للتهديد بعصا الأمن، بعد إشراك الأمن الوطني في إنهاء الإضرابات العمالية كبديل للآليات الفاعلة لتسوية المنازعات العمالية، إلى جانب التحايل على القانون الحالي أو الاختلاف في تفسير بعض نصوصه المتضاربة أحيانًا"، يقول بكر.
كما أن النصوص القانونية في مشروع قانون العمل الجديد الذي وضعته الحكومة تجعل من الصعب اللجوء إليه، حسب بكر.
فالمشروع "يصب في صالح أصحاب الشركات على حساب العمال من خلال استمرار حظر الإضراب، وهو ما يتيح للقوى الأمنية القبض على القيادات العمّالية المضربة ويسمح للشركات بفصلهم".
ويحدد بكر "الثغرة القانونية" في مشروع القانون ضد الإضرابات،
إذ يشترط مشروع القانون الجديد أن يتم إبلاغ الجهات المختصة قبل الإضراب بـ10 أيام.
كما يوصي بألا يلجأ العمال للإضراب إلا بعد استنفاد كل الطرق الأخرى، وكذلك أن يحدث فقط داخل المؤسسة، والتي سيغلقها صاحب العمل وقتها في وجه العمال، يوضح بكر.
وهنالك عنصر غائب عن مشروع القانون، وهو نص الإبلاغ عن الإضراب قبل تنظيمه، رغم أنه موجود في القانون الحالي رقم 12 لسنة 2003، وفق المحامي.
لكن المشروع يزيد في التفاصيل الأخرى الخاصة بالتنظيم، وفق بكر، مثل إلزام العمال بإعلان زمن إنهاء الإضراب.
"هذا نص شديد الغرابة"، ينوّه المحامي، "لأنه من الطبيعي أن ينهي العمال الإضراب بمجرد الاستجابة لمطالبهم، وهذا مرتبط بموقف الإدارة".
أما المواد الخاصة بالإضراب في مشروع القانون الجديد يمكن اعتبار أنها تُجرِّم الإضراب بشكل غير مباشر، عن طريق حظره في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية".
وتلك تشمل، وفق قرار رئيس مجلس الوزراء للعام 2003: منشآت الأمن القومي، والإنتاج الحربي، والمستشفيات، والمراكز الطبية، والصيدليات، والمخابز، ووسائل النقل البري والبحري والجوي، ومنشآت المياه والكهرباء والغاز والصرف الصحي والاتصالات والموانئ والمطارات والمؤسسات التعليمية.
"تقريبًا مش باقي غير القهاوي"، يقول بكر.
كلمات "مطاطية" توقف عندها بكر في التعديلات المقترحة مثل "حظر الإضراب في الظروف الاستثنائية"، على حد تعبيره.
وترفض منظمة "دار الخدمات النقابية"، المعنية بشؤون العمال في مصر، نصوص مشروع القانون الخاصة بالإضراب.
ولم تستجب وزارتا الداخلية والقوى العاملة في مصر إلى طلبات "الحرة" للتعليق عبر البريد الإلكتروني.
"نموت أحسن!"
(4500 جنيه، إضافة لـ600 جنيه حافز، و600 أخرى بدل وجبة)، كان إجمالي الأجر الشهري لـ "محمد"، في شركة "تي أند سي".
الشركة أقرّت بعدها علاوة 17 في المئة بعد إضراب العمال، في يناير الماضي، للمطالبة بتنفيذ الحد الأدنى للأجور.
الآن يتجاوز أجر "محمد" (اسم مستعار) الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة، في مايو الماضي، (6000 آلاف جنيه).
وفي انتظار تحقيق وعود بزيادته ليتجاوز أيضا حاجز الحد الأدنى للأجور المفترض تطبيقه في مارس المقبل، والبالغ (7000 آلاف جنيه).
ومع ذلك يشعر محمد، الأب لطفلتين، أن مستواه المادي في تراجع مستمر وقد لا يكفي قوت يومه في أحيان كثيرة بسبب موجة الغلاء التي تشهدها البلاد.
"المرتب مش بيكفي لنصف الشهر، ومش عارف لولا مساعدة زوجتي لي، كنا هنعيش إزاي؟"، يقول لموقع "الحرة".
"الزيادات التي تقرها الشركة والحكومة لا تتناسب مع مستويات ارتفاع الأسعار في جميع السلع والخدمات، فنحن نبدو وكأننا نسير إلى الخلف"، يضيف العامل الأربعيني شاكيا صعوبات الحياة خاصة في وجود أطفال.
"قبل بضعة سنوات لم يكن عندي مشكلة مع أسعار الطعام، ولا حتى فواتير الكهرباء والغاز، رغم أن مرتبي (راتبي) كان أقل مما هو عليه الآن بالنصف تقريبا، لكن مع الزيادات الأخيرة، يزداد وضعي سوءا، ولم أعد أتحمل التكاليف اليومية بمفردي، لذلك قررت زوجتي مساعدتي".
"محمد" يطالب بزيادات حقيقية مرتبطة بأرض الواقع.
"نريد أجراً صافياً بقيمة 10 آلاف جنيه، وليس بالحصول على 7 آلاف جنيه مع حسومات تخفض الأجر إلى 5 آلاف جنيه".
ولم ترد شركة "تي أند سي" على طلب الحرة التعليق عبر البريد الإلكتروني.
يشعر "مصطفى"، العامل بـ"الأمير للسيراميك"، بالوجع ذاته.
"بعد الاستقطاعات، يصل صافي أجري إلى 4000 جنيه (80 دولار)، والمفروض أن يكفي هذا المبلغ أسرة مكونة من 6 أفراد! إحنا كدا نموت أحسن!".
سابع زيادة خلال 3 سنوات
وبجانب رفع الحد الأدنى للأجور، قرر المجلس القومي للأجور في مصر، في 9 فبراير الماضي، رفع قيمة العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص.
هذه العلاوة أُقرّت بحد أدنى، 3 في المئة من أجر الاشتراك التأميني، وبما لا يقل عن 250 جنيها (5 دولارات) شهريا.
المجلس، الذي ترأسته وزيرة التخطيط، رانيا المشاط، وضع أيضا حدا أدنى للأجر للعمل المؤقت (جزء من الوقت)، بحيث لا يقل عن 28 جنيها (0.56 دولار) صافيا في الساعة، بحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" التابع للحكومة.
يأتي الإجراء يأتي في إطار الاستجابة للمستجدات الاقتصادية الراهنة، بما يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر، بحسب المشاط.
وقالت الوزيرة إن ذلك يتسق مع المعايير الدولية، فمنظمة العمل الدولية تؤكد على ضرورة مراجعة الحد الأدنى للأجور على أساس دوري، لحماية القوة الشرائية للأسر، واستيعاب التغيرات الاقتصادية التدريجية.
وتعتبر هذه هي الزيادة السابعة في الأجور خلال ثلاث سنوات.
الحد الأدنى للأجور بمصر تدرّج منذ إقراره في يناير 2022 من 2400 جنيه وصولا إلى 6000 في مارس 2024.
وهي زيادة تجاوزت 50 في المئة، أي ما يعادل حينها 194 دولارا، مقابل الزيادة الأخيرة البالغة 7000 آلاف جنيه في فبراير الجاري، (140 دولارا) حاليا، بحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" التابع للحكومة.
ورغم الزيادات السابقة في الحد الأدنى للأجور، يقول خبراء الاقتصاد إن القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور تراجعت بمرور الوقت بسبب زيادة التضخم وانخفاض الجنيه أمام الدولار بأكثر من نصف قيمته.
التضخم السنوي بلغ 23.95 في المئة في أوائل عام 2025، بعد أن انخفض من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المئة في سبتمبر 2023، ما أدى إلى ارتفاع النفقات الأساسية، مثل: الغذاء والسكن والنقل.
أما مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، الذي يتتبع تغيرات الأسعار مع مرور الوقت لعدد محدد من السلع، ارتفع من 105.6 في يناير 2020 إلى 243.5 في يناير 2025.
في المقابل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك من 2011 إلى 2016 فقط من 111 إلى 175.5.
تقرير "للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعنوان "موازنة فائدة الديون.. التقشف لنا والأرباح للدائنين" يعكس الأمر ذاته.
فرغم ارتفاع قيمة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في المشروع الجديد لموازنة 2024-2025 بنسبة 20في المئة على أساس سنوي، إلا أن القيمة الحقيقية للدعم انخفضت بنسبة 11 في المئة بسبب تأثيرات التضخم، وفق التقرير.
"هذه تعتبر الزيادة السابعة في الأجور خلال ثلاث سنوات، لكنها لن تعالج بشكل كافٍ تدهور مستويات المعيشة كما يأمل بعض المسؤولين. ولا تتناسب زيادة الحد الأدنى للأجور ، رغم أهميتها، مع التضخم"، يقول الخبير الاقتصادي، كريم سعد الدين، لموقع "الحرة".
ففي فبراير 2024، تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه مصري شهريًا، وكان سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي حينها حوالي 30.85 جنيه مصري للدولار، ما جعل الحد الأدنى يعادل تقريبًا 194 دولارًا أميركيًا، يوضح.
"وبحلول فبراير 2025، ومع تحديد الحد الأدنى الجديد للأجور بـ7000 جنيه مصري، بلغ سعر الصرف الرسمي للدولار حوالي 50.54 جنيه مصري للدولار، ما يجعل الحد الأدنى الجديد يعادل تقريبًا 138.5 دولارًا أميركيًا".
بالتالي فالزيادة إلى 7000 جنيه من 6000 جنيه "هي انخفاض بحوالي 44.5 دولار، ونظرا إلى أن سعر الدولار الآن 50 جنيه، فالخسارة بالجنيه 2527".
ولذلك يرى الخبير الاقتصادي أنه "رغم الزيادات العديدة خلال السنوات الماضية، يترك الحد الأدنى الجديد للأجور المستفيدين منه في حالة أسوأ مما كانوا عليه قبل عقد من الزمن".
ويطالب الحكومة بضرورة وضع حد أدنى للأجور تعوض به مستوى التضخم وانخفاض قيمة العملة والانهيار الاقتصادي، لاحتواء أزمات العمال قبل أن تنفجر.
حدد مرجع "أنكر" الأجر المناسب للمناطق الحضرية في مصر عند 12,448 جنيها مصريًّا شهريًّا في عام 2024.
ويظل الحد الأدنى الجديد للأجور، الذي يبلغ 7000 جنيه، بعيدا عن هذا المؤشر، ما يجعل أصحاب الأجور يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ويعكس تقرير "عمال في دوامة الأزمة" الصادر عن "دار الخدمات النقابية والعمالية" نفس النقطة.
أجور العاملين في القطاع العام تراجعت إلى 3.4 في المئة من الناتج المحلي في موازنة 2023-2024، بعد أن شكّلت 4.6 في المئة في موازنة 2021-2022.
"وتعتبر رواتب العاملين في القطاع العام أفضل من نظرائهم في القطاع الخاص"، يضيف.
وتطرق الخبير الاقتصادي، سعد الدين، إلى معضلة تهرب الشركات من تطبيق الحد الأدنى للأجور.
"قرار تطبيق الحد الأدنى للأجور صدر بالثغرات ذاتها التي كانت موجودة في العام الماضي، وأبرزها استثناء القرار للمنشآت التي يعمل فيها 10 عمال فأقل".
ويعمل في هذه المنشآت 62.9 من إجمالي العاملين بالقطاع الخاص، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
"القرار السابق، الذي طُبّق في مايو الماضي، سمح لأصحاب العمل بتقديم طلبات للحصول على استثناءات تفيد تعثرها، كما أتاح لهم اعتبار كل عناصر الأجر بما فيها من عمولات ومنح وبدلات ونصيب العاملين من الأرباح والمزايا العينية ضمن الحد الأدنى للأجر"، يضيف الخبير.
كما انتقد سعد الدين "تحميل العمّال حصة صاحب العمل من التأمين، ما يجعل المبلغ المُطبّق من الأجر بعد الخصم من 4400 إلى 4500 جنيه".
ووفقا لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019، فإن العامل وصاحب العمل، يلتزمان بحصة من أجر العامل للاشتراك التأميني (التأمينات الاجتماعية).
وتبلغ الحصة التي يلتزم بها المؤمن عليه بواقع 9 في المئة من أجره شهريا، فيما تبلغ الحصة التي يلتزم بها صاحب العمل 12 في المئة من أجر المُؤمّن عليهم من العاملين لديه شهريا.
"أزمة متفاقمة" يعاني منها القطاع الخاص في مصر بسبب تراجع الوضع الاقتصادي المرتبط بزيادة التضخم وانخفاض العملة، وفق ما ذكره عضو الغرفة التجارية بالقاهرة، محمد كريم يحيى، في حديثه لموقع "الحرة".
وذلك مقابل زيادة الحد الأدنى للأجور التي يقرها المجلس بشكل متكرر خلال السنوات القليلة الماضية، يوضح.
ويوضح أن القطاع الخاص يختلف كليا عن الجهاز الإداري للدولة الذي ينجح في تطبيق الزيادة سنويا من خلال الميزانية العامة للدولة.
العديد من الشركات الخاصة تواجه في السنوات الأخيرة تعثرات مادية وتراجعا في الأرباح، ما يُعيقها عن تطبيق الحد الأدنى للأجور بشكل فوري، يقول يحيى.
أما الحكومة لم تكن تضغط في الماضي لتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور وكانت تقدم استثناءات لظروف اقتصادية، على حد تعبيره.
ويضيف أن الحكومة قررت إلغاء الإعفاءات والاستثناءات السابقة لأيّ قطاع خاص من تطبيق زيادات الأجور.
وتحدث عن المحاولات الحالية لسد الفجوة بين القطاع الخاص وزيادة الأجور التي تقرها الحكومة، من خلال "إعطاء مهلة للشركات غير القادرة، أو مساعدة بعضها على تطبيق القرار، أو تلقي وعودا بتطبيق الحد الأدنى بشكل تدريجي".
"خلال الأعوام الماضية، زاد الحد الأدنى للأجور بنسبة كبيرة تفوق قدرات بعض الشركات، كما أن الزيادة الأخيرة شملت رفع الحد الأدنى لقيمة العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص إلى 250 جنيها شهريا (نحو 5 دولارات)، ولأول مرة يضع المجلس حد أدنى للأجر للعمل المؤقت، بحيث لا يقل عن 28 جنيها مصريا (حوالي نصف دولار) في الساعة" يوضح.
ويرى أنه من الضروري التنسيق "بهدوء وحكمة" بين قرارات الحكومة وما يمكن للقطاع الخاص أن يستوعبه.
فالعاملون في القطاع الخاص يمثلون حاليا قوة اجتماعية لا يستهان بها، إذ يصل عددهم إلى 24 مليون فرد مقابل 5 ملايين فقط في القطاع الحكومي، يوضح.
وهذا يثير مخاوف دوائر صناعة القرار من ترك هذه الفئات تعاني من ظروف معيشية صعبة دون أن تتدخل الحكومة بحزم ضد المستثمرين الذين يعارضون تطبيق قرارات زيادة الأجور، يضيف يحيى.
ولا يحلم مصطفى ومحمد وغيرهما من عمال مصر "بأكثر من حياة كالحياة،" بتعبير الشاعر محمود درويش.
ينتظرون يوما ما تُسمع فيه أصواتهم التي لا تطالب بغير الحق في عيشة كريمة على قدر ما يقدمونه من "جهد وتفانٍ" في عملهم، الذي يعتبر الأساس في نمو أي دولة.