مهاجرون خلال أدائهم القسم للحصول على الجنسية الأميركية
مهاجرون خلال أدائهم القسم للحصول على الجنسية الأميركية

بقلم منصور الحاج/

تناولت وسائل الإعلام الأميركية الجدل الذي أحدثه تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإعلانه اعتزامه إنهاء نظام الهجرة إلى أميركا عن طريق القرعة المعروف بـ"اللوتري" واستبداله بنظام الاستحقاق الذي يمنح الكوادر المؤهلة والموهوبين والمتميزين في المجالات المختلفة فرصة العمل والإقامة في الولايات المتحدة.

وجاء تصريح ترامب بعد إعلان السلطات الأمنية أن منفذ الهجوم الإرهابي الذي أودى بثمانية أشخاص في مدينة نيويورك هو سيف الله سايبوف المهاجر الأوزبكي الذي قدم إلى الولايات المتحدة في 2010 عبر نظام القرعة.

وفي ما يتعرض نظام القرعة لانتقادات حادة من قبل المشرعين والمعلقين والكتاب والإعلاميين الذين يحسب غالبيتهم على الحزب الجمهوري، دافع المحسوبون على الحزب الديمقراطي عن النظام معتبرين أن من الإجحاف الحكم بفشله وخطورته على الأمن القومي الأميركي بسبب هجوم إرهابي وحيد وغض الطرف عن المساهمة الإيجابية لمئات الآلاف من المهاجرين الذين قدموا عبر نفس النظام.

وقدم المنتقدون العديد من الحجج لتبرير موقفهم المناهض لنظام القرعة. فعلى سبيل المثال، طالب وزير العدل الأميركي جيف سيشنز بنظام أكثر "واقعية" من نظام القرعة قائلا: "إن نظام القبول في الجامعات غير مبني على عامل الحظ العشوائي وحين نختار موظفا فإننا لا نختاره بطريقة عشوائية".

فيما ذهب ستيف كاماروتا المسؤول في معهد دراسات الهجرة إلى أن إحدى مساوئ نظام القرعة تتمثل في منحه تأشيرات هجرة لأشخاص لا تربطهم علاقة قوية بالولايات المتحدة كتلك العلاقة التي يعززها نظام الهجرة العائلية مثلا. ويرى كاماروتا أن هناك نسبة احتمال عالية في أن يتورط من ليس له روابط قوية مع الولايات المتحدة في عمليات إرهابية. أما المعلق المحافظ مارك ليفين فقال في معرض انتقاده لنظام القرعة "تاريخيا، كان الهدف الأساسي من فتح مجال الهجرة إلى الولايات المتحدة هو تطوير البلاد وإفادتها وليس لتعزيز التنوع عبر جلب الأجانب إلى البلاد أو الحرص على أن تحظى بعض الدول بنسبة تمثيل جيدة". 

بصفتي أحد الذين قدموا إلى الولايات المتحدة عبر نظام القرعة وككاتب مهتم بقضايا الإرهاب والإصلاح في العالمين العربي والإسلامي، فإنني أرى أن هناك مبالغة من قبل الرافضين لهذا النظام بدوافع بعضها عنصرية محضة مبنية على أساس كراهيتهم ومعاداتهم للأجانب وهو الأمر الذي تعززه العمليات الإرهابية التي يرتكبها المسلمون بين الحين والآخر وتكرس لها وسائل الإعلام مساحة أكبر من حجمها إذا ما قورنت مثلا بالمجازر التي يرتكبها غير المسلمين كحوادث إطلاق النار التي لا تحظى بتغطية إعلامية واسعة وغالبا ما يتم تبريرها بالحالة العقلية للجاني.

وفيما يلقي الجمهوريون ومعارضو نظام الهجرة باللوم على قوانين الهجرة فور كل عملية إرهابية يرتكبها مهاجر، فإنهم يعارضون تماما مشاريع القوانين لتقنين حيازة الأسلحة النارية التي تتسبب في مقتل أضعاف مضاعفة سنويا مقارنة بضحايا العمليات الإرهابية التي يرتكبها مهاجرون.

ويجهل الكثير من معارضي نظام القرعة مساهمات المهاجرين والدور المحوري الذي يقومون به في المؤسسات الحكومية واللاحكومية وفي الأجهزة الأمنية للحفاظ على الأمن القومي للولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة حروبا في المنطقة وتواجه حملات كراهية بسبب الدور الذي تقوم به عالميا فإن من الحكمة ألا يتم استهداف المهاجرين أو التقليل من شأنهم وهم الذين هاجر معظمهم بحثا عن الحلم الأميركي ولتحقيق أحلامهم في العيش بحرية وكرامة في بلد شعاره العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.

أنا لا أقلل من قيمة نظام الاستحقاق، فاستقدام أصحاب العقول والخبرات أمر محمود ويخدم الاقتصاد ويساهم في زيادة التنوع الثقافي والإجتماعي لكنه نظام لا يليق بدولة بحجم ومكانة الولايات المتحدة كقوى عظمى بها أرقى الجامعات في العالم وأفضل العقول والمواهب في مختلف المجالات الفكرية والعلمية والسياسية والرياضية.

إن الدول التي تستقدم العقول والمواهب هي في الغالب بحاجة إليها لعدم توفر تلك الخبرات محليا، فالدول التي تعاني من قلة عدد السكان كأستراليا وكندا مثلا أو التي تمر بمرحلة طفرة اقتصادية كدول الخليج هي التي تحتاج إلى نظام الاستحقاق لسد فجوة نقص الكوادر أو لزيادة عدد السكان بشرائح مؤهلة للدخول إلى سوق العمل مباشرة.

إن الأصوات المعارضة لنظام القرعة التي ارتفعت بعد هجوم "سيف الله" تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية ودعم الرئيس ترامب في تنفيذ وعوده بإصلاح نظام الهجرة أكثر من حرصها على الأمن القومي الأميركي. فجريمة "سيف الله" هي الأولى من نوعها التي ينفذها مهاجر دخل إلى البلاد عن طريق نظام القرعة. وفي السابق، أدين ثلاثة آخرون قدموا عبر نظام القرعة وهم الأوزبكي عبد الرسول حسنوفيتز، والباكستانيان عمران مندهاي وسيد حارث أحمد بسبب محاولاتهم دعم منظمات جهادية أو التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة. أما المصري هشام محمد علي الذي قتل شخصين داخل مطار لوس أنجلوس في عام 2002 فلم يحصل على الإقامة الدائمة إلا بعد حصول زوجته عليها عن طريق نظام القرعة.

وبمقارنة بسيطة للأرقام السابقة بعدد الضحايا الذين تسبب في مقتلهم من وصلوا إلى الولايات المتحدة عن طريق تأشيرات دراسية مؤقتة، فإننا نجد أنهم أكثر بآلاف المرات. فلو كان نوع التأشيرة يمثل ثغرة أمنية يمكن للمنظمات الإرهابية استغلالها فإن التأشيرة المؤقتة هي الاختيار المناسب. فكل ما يحتاجه الشخص للحصول عليها، في غالب الأحيان، هو أن يثبت قدرته المادية على الدراسة في الولايات المتحدة. وهذا بالتحديد ما فعلته القاعدة حين أرسلت منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلى البلاد بتأشيرات مؤقتة. وهو نفس الأمر الذي فعله تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حين أرسلوا الطالب عمر فاروق عبد المطلب في 2009 لتفجير طائرة نورث ويست ايرلاين فوق سماء مدينة ديترويت.

وعلى الرغم من المخاطر الحقيقية الناتجة عن استغلال تنظيمات إرهابية للتأشيرة المؤقتة، لم تعمل السلطات على خفضها أو منعها ولم يوجه أولئك المنتقدون سهام انتقاداتهم للتأشيرات المؤقتة حتى بعد صدور تقارير تؤكد أن مئات الطلاب السعوديين والكويتيين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة عبر التأشيرة المؤقتة قد انضموا إلى تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق الأمر الذي يرجح أنهم حين دخلوا إلى الولايات المتحدة كانوا يحملون الفكر الإرهابي. وللتوضيح أود أن أقول بأنني لا أدعو إلى منع جنسيات معينة من دخول الولايات المتحدة فهذا موقف أكثر سخافة من المطالبة بوقف نظام القرعة بسبب جريمة قام بها شخص واحد.

إن أمن الولايات المتحدة أمر يهم جميع من يعيشون فيها، فالإرهابيون والقتلة لا يفرقون بين أطفال المدارس أو الموظفين أو رواد الملاهي الليلية أو راكبي الطائرات والقطارات أو المارة أو راكبي العجلات أو رواد المساجد أو الكنائس أو المعابد أو المتسوقين. ولذلك، فلا يجب التفريق في طريقة التعامل بين القتل الناجم عن انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه وبين العمليات الإرهابية التي يرتكبها الإرهابيون بدوافع سياسية دينية فاختلاف الدافع قد يكون مهما للسلطات الأمنية والعدلية في تحديد الطريقة المناسبة للتعامل مع الجريمة أو نوع الجرم المرتكب والعقوبة المناسبة لكل متورط، إلا أنه لا يغير من مدى فداحة الجرم وهول الفاجعة على قلوب من فقدوا أبنا أو صديقا أو قريبا أو حبيبا.

إن الحفاظ على أمن هذه البلاد يتطلب تضافر جميع شرائح المجتمع بيضا وسودا ولاتينيين وعربا ومسلمين من أجل دراسة أسباب العنف المنتشر لدى أبناء كل شريحة ووضع خطط لمعالجة تلك الأسباب ووقاية الأجيال القادمة من كل ما قد يقودهم إلى طريق العنف. 

إن نظام القرعة لا يمثل تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة، فحتى إن تم إيقافه فلن تصبح بلادنا أكثر أمنا، فقد أثبتت الجماعات الجهادية قدرتها على تجنيد الأتباع عن طريق الإنترنت ولم تعد هناك حاجة إلى إرسال الجهاديين من الخارج، وبالتالي فإن علاج ذلك يتطلب تحصين عقول أبنائنا في الداخل ضد الأيدولوجية الجهادية وليس إغلاق حدودنا في وجوه القادمين من الخارج.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.