إنها أهم قصة خبرية في الشرق الأوسط، لكنها لا تحظى باهتمام أحد.
قبل أسابيع، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر رسميا نتائج المسح السكاني لعام 2016. وحملت النتائج مؤشرات جديدة هامة حول التحديات التي تواجه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
خلاصة المسح أن التعداد السكاني في مصر يتضخم. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة تضاعف عدد السكان من 48 مليون في 1986 إلى قرابة 95 مليون بنهاية العام الماضي. ومن الملفت أن معدل هذا النمو يبدو آخذا بالتسارع، إذ ارتفع عدد السكان خلال العقد بين 1986 و1996 أكثر من 11 مليونا بقليل، وفي العقد التالي بين 1996 و2006 ازداد بنحو 13.5 مليونا، في حين شهدت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة نموا سكانيا بنحو 22 مليون نسمة، ولا يبدو أن هذه الوتيرة ستتباطأ.
والأهم من ذلك أن هذه الزيادة تحدث بين الفئة الأكثر شبابا في الشرق الأوسط؛ فأكثر من ثلث المصريين (قرابة 36 مليون نسمة) أعمارهم أقل من 15 سنة وخمسهم بين 15 و24 سنة. هذه الأرقام تجعل مصر أحد أهم بلدان الشرق الأوسط التي يهيمن فيها "تضخم الشباب" على المجتمع والسياسة.
تداعيات ذلك على مصر والمنطقة عموما ستكون عميقة. وأقربها سيكون اقتصاديا. في 2013 كان أحد المبررات الأساسية للإطاحة بحكومة محمد مرسي التي هيمن عليها الإخوان المسلمين، فشلها في تحقيق الاستقرار لاقتصاد البلاد المتصدع. وكان الوعد الضمني هو أن بإمكان النظام الجديد بقيادة "الحرس القديم" من رجال الدولة المخضرمين مع الجنرال السيسي في المقدمة، القيام بما هو أفضل بكثير على الصعيد الاقتصادي.
لكن بعد نحو أربعة أعوام، لا تزال حكومة السيسي تصارع من أجل حماية سفينة الاقتصاد المصري من الغرق. والجهود لتقليص الدعم الحكومي الكبير لكل شيء من الغذاء حتى الوقود (وهو شرط أساسي لحزمة الإنقاذ الضخمة البالغة 12 مليار دولار المقدمة لمصر من صندوق النقد الدولي الخريف الماضي)، زادت من القلق بشأن استمرار التوترات الاجتماعية. ومع ذلك سجل معدل التضخم زيادة هائلة إلى أكثر من 35 بالمئة هذا الصيف، وهي أعلى نقطة يصلها منذ عقود. والأهم من الناحية الديموغرافية، لا تزال سوق العمل غير ملائمة لاستيعاب هذا التضخم. فمعدل البطالة الوطني في مصر حاليا يبلغ 12 بالمئة، وهو أقل بشكل طفيف مما كان عليه في عهد مرسي إذ كان المعدل السائد 12.7.
وتؤثر هذه الإحصائية بشكل كبير على الشريحة الأضعف في المجتمع. فقد وجدت دراسة لمعهد بروكنغز في 2016 أن معدل البطالة بين الشباب المصري وصل إلى 30 بالمئة، وهو يؤثر على الشباب المتعلمين، أكثر من غيرهم.
هذا الفشل ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل تهديد أمني ملحوظ كذلك، لأن هذا العدد المتنامي من الشباب المصري العاطل عن العمل، هو ذخيرة مثالية للجماعات المتطرفة.
هذه معادلة لا تستطيع حكومة السيسي تحملها، فمنذ صعوده للسلطة واجه النظام الجديد معركة ثلاثية الجبهات لمكافحة الإرهاب.
الجبهة الأولى تتعلق بأنصار بيت المقدس، الفرع الإقليمي القوي لتنظيم الدولة الإسلامية، والذي يختبئ في سيناء (ويشكل خطرا حقيقيا على الأمن المصري كما بينت الأحداث الأخيرة بشكل تراجيدي).
والثانية تقع إلى الغرب من مصر حيث أسست الدولة الإسلامية، معقلا آخذا بالتوسع في خضم الفوضى السياسية الدائرة في ليبيا.
والجبهة الثالثة والأخيرة محلية، يمثلها أطراف من جماعة الإخوان المسلمين تبنوا موقفا أكثر أصولية وعنفا تجاه الدولة المصرية منذ الإطاحة بسلطتهم السياسية في 2013.
يمكن لكل من هذه المشاكل أن تزداد سوءا في المستقبل القريب إذا فاقمها نمو أعداد الشباب المصري الذي لا يملك نصيبا حقيقيا من مستقبل اقتصاد البلاد.
من جانبها، تدرك الحكومة المصرية جيدا حجم الخطر الناتجة عن الزيادة السكانية. فقد وصف الرئيس السيسي نفسه الزيادة السكانية في البلاد بالخطر المحتمل على الدولة بما يوازي خطر الإرهاب. وفي الأسابيع الأخيرة أصدرت السلطات في القاهرة توصيات جديدة وأطلقت مبادرات تشريعية للحد من الزيادة السكانية في مسعى لتخفيف أثر المشكلة في السنوات المقبلة.
حتى الآن لا يوجد دليل على وجود استراتيجية وطنية معدة للتعامل مع هذا التحدي ـ استراتيجية تتعامل على نحو فاعل مع هذا العدد المتنامي من المواطنين المصريين الشباب. فمن دون استراتيجية كهذه قد تصبح الزيادة السكانية في مصر في المستقبل غير البعيد قنبلة سكانية ذات تداعيات مخيفة على الدولة والمنطقة ككل.
ـــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)