شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب (أ ف ب)
شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب (أ ف ب)

بقلم د. توفيق حميد/

اقترح شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن يخصص هذا العام ليكون عاما للقدس الشريف، ودعا إلى نشاط إعلامي وثقافي تتعهده مؤسسات رسمية، مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمات المجتمع المدني لدعم قضية القدس. وقال الطيب خلال كلمته الافتتاحية في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، إن هذا المؤتمر هو الثاني عشر في تاريخ المؤتمرات التي عقدها الأزهر لنصرة القدس.

والعجيب أن شيخ الأزهر الذي انتفض لأجل القدس لم نره ينتفض لأشياء وأمور أخرى يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، وهي أشياء تتم باسم الإسلام فلا عذر له في إهمالها.

فيا ليتنا رأيناه أو سمعناه ــ ولو لمرة واحدة ــ ينتفض لأجل سبايا داعش من النساء اللواتي اغتُصبن جنسيا باسم الإسلام كجوار وسبايا حرب. ويا ليت الرجل انتفض، أو حتى امتعض لهذه الجريمة البشعة فعقد مؤتمرا كما عقد لأجل القدس، وخصص عاما لتجريم هذا الفعل المشين، وألغى تحليل وتقنين هذه الجريمة فى كتب الأزهر "الشريف"! فلا أبشع من أن يرى أب ابنته أو زوجته أو أمه يختطفها رجل أشعث أغبر ويأخذها سبية أو أسيرة حرب للاستمتاع الجنسي بها.

ويا ليت شيخ الأزهر يتصور ولو للحظة واحدة، لو تم فعل ذلك بأمه أو زوجته أو ابنته باسم ديانة ما، وقتها كان سيطالب العالم بعقد المؤتمرات وتخصيص الأعوام لنبذ هذا الفعل المشين ولدحض الفكر الداعم له. لكن، يبدوا أن الرجل لا يعبأ بأحد إلا إذا كان مسلما، ولا يشعر بآلام غيره من البشر إن لم ينتموا لدينه وملته.

لقد سقط شيخ الأزهر حينما دعا لمؤتمرات لنصرة "القدس" ولم يدع إلى مؤتمر واحد ليجرم سبي النساء الذي تمارسه داعش ويبيحه رجال الدين وشيوخه. ومن نفس المنطلق فقد سقط الشيخ "الجليل" ــ وأيما سقوط ــ حينما لم يدعُ لعقد المؤتمرات ليجرم مبدأ الحرب على غير المسلمين لنشر الدين باسم الجهاد بعد إعطائهم الخيار الصعب "إما الإسلام وإما الجزية وإما القتل".

لقد سقط "فضيلته" حينما انتفضت عروقه لنصرة "الأقصى" ولم تنتفض لرجم النساء حتى الموت بتهمة الزنا بيد الجماعات التي تطبق الشريعة الإسلامية. فقد رجمت "طالبان" النساء علانية حتى الموت بمنتهى القسوة والوحشية ولم ينطق الرجل ببنت شفة ليجرم الرجم كعقوبة لا إنسانية ينبغي محوها من الوجود.

لقد سقط "فضيلته" حينما اشتاط غضبا لأجل الجماد (أو لأجل مدينة القدس!)، ولأجل الحجارة مثل ما يطلق عليه بالمسجد الأقصى، وترك أرواح الأبرياء تُزهق باسم "حكم حد الردة" والذي يُدرس في أزهره الشريف جدا كمعلوم من الدين بالضرورة أجمعت عليه الأمة بالرغم من مخالفته للقرآن الكريم.

لقد سقط الرجل وياله من سقوط يوم رفض اعتبار داعش (أو الدولة الإسلامية في العراق والشام) ليسوا بمسلمين فأعطاهم بذلك الصمت المخزي الضوء الأخضر ليستمروا فى جرائمهم الدنيئة، فهم فى نهاية الأمر "مسلمون" سيدخلون الجنة حتما لأنهم نطقوا بالشهادتين!

لقد سقط شيخ الأزهر حينما انتفضت أوصاله لنصرة "القدس" ولم تنتفض نفس الأوصال لتجديد الخطاب الديني كما طالبه الكثيرون وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فترك الخطاب الديني ومناهج الأزهر تنضح ببشاعات مثل "أن العبد لا يُقتل بحرٍ" ومثل إباحة "نكاح الصغيرات" كما جاء فى كتب التراث مثل كتاب ابن قُدامى في وطء الطفله ما قبل الرضاع وما بعده وحتى سن 9 سنوات، والمبني على حديث يُبرر للرجل وطء الطفلة لقضاء حاجته الجنسية حتى ولو في شهر رمضان!

ومثل ما يدرس فى كتب التراث فى الأزهر أن "الرجل إن إمتلأت ثناياه (أى الخصيتين) بالماء في نهار رمضان وخاف أن تنفجر مثانته من كثرة الماء فيها، فيستطيع أن يستمني بيد طفلة صغيرة عمرها سنتان أو ثلاثة"! بمعنى أن هذا الاستمناء لا يفسد صيامه؟

فحينما يهتز وجدان إنسان لأجل "القدس" ولا يهتز للبشاعات والجرائم المذكورة أعلاه، فلا بد من وقفة ضمير لنقول لشيخ الأزهر "اتق الله يا رجل" فإنك إن كنت قد دعوت إلى المؤتمر "الثاني عشر" في تاريخ المؤتمرات التي عقدها الأزهر لنصرة القدس فيا ليتنا نراك تدعو ولو لمؤتمر "واحد" لرفض كل الجرائم المذكورة أعلاه والتي تنتهك بأقصى صورة حرمة النفس البشرية.

فهل سيستجيب الشيخ الجليل لهذا المطلب الهام أم يا تُرى سيكون ممن قال فيهم القرآن الكريم:

"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" (سورة البقرة آية 204 ــ 205).

ــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.