روحاني مع خامنئي
الرئيس روحاني ينحني للمرشد خامنئي-أرشيف

بقلم حسين عبد الحسين/

نقلت وكالة فارس شبه الرسمية عن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، أن ”جامعة آزدا الإسلامية“ ستفتتح فروعا لها في المدن السورية. وقال ولايتي إنه تحادث مع أمين عام ”حزب الله“ اللبناني حسن نصرالله، في اللقاء الأخير بينهما في بيروت، حول تطوير فروع الجامعة الإيرانية نفسها في المدن والبلدات اللبنانية.

وقال ولايتي إن الجامعة، التي تدرّس اللغة الفارسية و"الثقافة الاسلامية"، تلاقي نجاحات واسعة، وإنه حتى الجامعات الغربية ”تعمل حاليا على تدريس اللغة الفارسية“.

إذاً هي جامعة لتعليم اللغة الفارسية خارج إيران، ولتدريس ”الثقافة الإسلامية“ بشكلها ”الثوري الايراني“، وهي ثقافة مبنية حول ”ولاية الفقيه“، الذي يتوجب على المسلمين، حول العالم، الإدانة له بالولاء لنيابته عن ”الإمام الغائب“، الإمام الشيعي الثاني عشر محمد المهدي المعروف بالمنتظر.

ونقول الثقافة الإسلامية بشكلها الثوري الإيراني لأنه يتعذر أن نصف هذه الثقافة الإسلامية بالشيعية، فالمذهب الشيعي مبني على الاجتهاد، والاجتهاد مبني على تعدد المجتهدين، فيما نظرية ”الحكومة الإسلامية“ و“الولي الفقيه“ تعاكس الفكر الشيعي، وتقدم فكرا بديلا ينسف تعدد المجتهدين ويستبدلهم بمجتهد واحد أوحد، أقواله حاسمة وتكليفه لاتباعه لا يقبل النقاش، تحت طائلة الوقوع في الخطيئة الدينية في حال الاعتراض.

افتتاح الجامعة الفارسية الإيرانية في الدول العربية يمثل ذروة ”الاستعمار الإيراني“ في منطقة الشرق الاوسط، فإيران لا تدرّب وتموّل وتدير ميليشيات موالية لها فحسب، بل هي تجتاح الدول العربية بمشروع غزو فكري ثقافي مذهبي طائفي، مبني على نشر — لا المذهب الشيعي التقليدي — بل نسخة مختلفة من التشيع على حسب رؤية مؤسس ”الجمهورية الإسلامية“ في ايران الراحل روح الله الخميني.

الاستعمار الإيراني للدول العربية ليس ميليشويا عسكريا فحسب، بل هو في صميمه مشروع نشر النفوذ الفارسي بتعميم الثقافة الفارسية، وهو ما يترافق مع تمويل إيران ورعايتها برامج اجتماعية وتعليمية وطبية.

هكذا، تقيم إيران مستعمرات من العرب المتفرّسين، وتتحول مستعمراتها إلى دويلات إيرانية داخل الدول العربية، وما تلبث أن تنتصر الدويلة على الدولة المضيفة، ويتحول قائد الميليشيا الموالية لإيران إلى المرشد الأعلى في دولته، مثل نصرالله، الذي تحول إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في لبنان، مع إناطته أدوارا هامشية لرئيس لبنان ميشال عون ورئيس حكومته سعد الحريري، على غرار الدور الشكلي في الحكم الذي يمنحه المرشد علي خامنئي للرئيس الإيراني حسن روحاني.

والمشروع الإيراني الذي اكتمل في لبنان، يقارب الاكتمال في العراق، وهو في بدايته في سوريا، وربما اليمن. في كل واحدة من هذه الدول العربية يقوم ”مرشد أعلى“ يدين بالولاء لـ ”مرشد المرشدين“ خامنئي في إيران، وهو الولاء الذي يكرره علنا نصرالله وعراقيو إيران، من أمثال هادي العامري وآخرين.

في الماضي الاستعماري الإيراني، أطلق حكام إيران تسميه شاهنشاه على أنفسهم. وكلمة شاه تعني ملك بالفارسية. اما كلمة شاهنشاه، فتعني ”ملك الملوك“.

مع استعادة إيران لإمبراطوريتها في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ العام ٦٢٨ ميلادية، هذه المرة بشكل أكثر إسلامية ولكن ليس أقل فارسية، يستعيد حكام إيران الشكل الذي حكموا فيه المنطقة، فأقاموا ملوكا تابعين لهم، ونصّب ملك إيران نفسه ملكا على هؤلاء الملوك. الترتيب نفسه يتكرر اليوم، مع فارق أنه بدلا من أن تنصب إيران ملوكا يدنون لها بالولاء، تنصّب مرشدين، فيصبح خامنئي ”مرشد المرشدين“، أي التتمة الطبيعية ”لملك الملوك“ أو شاهنشاه.

قد يبدو الاستعمار الإيراني للعرب نموذجا ناجحا، لكن كل تجارب الشعوب غير الديموقراطية تنطبق عليها نظرية ابن خلدون، فتأكل الثورات أبناءها، ويدب في جسدها الفساد بعد رحيل الجيل الأول، ونشوء جيل ثان فاسد ومفسد يتخاصم فيما بينه ويتحارب. وبوادر هذه الخصومات بادية في إيران، حيث الإقامة الجبرية لعدد من الرؤساء السابقين، وخارج إيران، حيث رمت إيران ببعض حلفائها إلى الهلاك، مثل رئيسي حكومة العراق نوري المالكي، وقريبا في الغالب حيدر العبادي، وفي لبنان، تخلصت من أمين عام ”حزب الله“ السابق صبحي الطفيلي.

قد تكون إيران ما تزال في مرحلة الصعود، ولكن بعد كل صعود هبوط، وكما زال الاستعمار الإيراني للعرب في الماضي، لا بد أن يزول في المستقبل.

ـــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.