مسلمون في مركز ديانات بولاية مريلاند
مسلمون في مركز ديانات بولاية مريلاند

بقلم سناء العاجي/

حين ترتدي امرأة البرقع فهذه حرية شخصية. لكن حين ترتدي امرأة أخرى تنورة قصيرة أو جينزا ضيقا، فهي فاسقة فاجرة زنديقة.

حين تتزوج شابة من صحافي مشهور في قناة تلفزيونية معروفة الأهداف والتمويل، ويتم هذا الزواج في السر وبعقد عرفي، بل ويتم ذلك عبر وساطة حزب يخلط ملح السياسة ببهارات "الماركتينغ" الديني، ثم يطلقها أسابيع قليلة بعد ذلك، فتصبح الفتاة مطلقة بدون عقد زواج ولا عقد طلاق؛ فكل هذا يدخل في إطار حرية شخصية ما دام الفاعلون متدثرين بلبوس الدين. لكن، أن يحب شخصان بعضهما خارج قيود المتعارف عليه، فذلك فسق ورذيلة.

حين يعبر باحث أو ناشط حقوقي عن قراءة نقدية للشأن الديني ولكيفية التعاطي معه في ظل التطورات المجتمعية والاقتصادية والعلمية، فهو يزدري الأديان (تهمة لا تنطبق طبعا إلا على الإسلام، فمنابرنا الإعلامية والدينية لا تتوقف عن الدعاء على اليهود والنصارى بتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم. حتى الشيعة لم يسلموا من التكفير. ولا أحد ينزعج من ازدراء الأديان هنا، لأن هذه "الجريمة النكراء" لا تصرف إلا بضمير الإسلام). لكن أن يحرض شيخ معروف على القتل بشكل مباشر، ضد أشخاص بعينهم أو ضد فئات مجتمعية، فهذا يتحول بقدرة قادر إلى حرية تعبير. فمنذ متى كانت الدعوة للقتل حرية تعبير؟

حين نطالب ببناء المساجد في أوروبا وأمريكا، وبتوفير لحوم حلال، وباحترام رمضان وغيره من الشعائر الإسلامية، فهذا حق من حقوقنا. لكن، ما رأيكم لو بنينا كنائس ومعابد للديانات الأخرى التي تقيم بيننا؟

حين يسلم إيطالي أو إسبانية، فهذا نصر عظيم نطبل له. لكننا لا نستسيغ تحول شخص مسلم للمسيحية أو اختياره لعدم التدين حتى. فهذا فعل ردة لا يغتفر لمن يفترض أنه يعتنق "أفضل" الأديان.

حين نكون أقليات في بلدان ذات أغلبية غير مسلمة، فنحن نطالب بحقوقنا كأقليات. لكننا نضطهد أبسط حقوق الأقليات الساكنة بيننا.

حين ينتخب سكان لندن عمدة مسلما، فهذا نصر عظيم للإسلام. علماً أنه لم يفز لأنه مسلم، بل فاز لأنه نشأ في منظومة تعليمية وسياسية توفر له ولمواطنيه المساواة في الحقوق والواجبات والفرص، بغض النظر عن الاختلافات العقدية والشخصية. لكن، بالمقابل، هل سنقبل برئيس حكومة قبطي في مصر أو يهودي في المغرب (وهم، فوق ذلك، أبناء البلد وليسوا مهاجرين إليها)؟ ثم، فجأة، نكتشف أن عمدة لندن مسلم شيعي. فتتقلص حفاوتنا به حد الانكماش.

حين يضرب إعصار إحدى الولايات الأمريكية، نعتبره غضبا من الله عليهم، علما أن سيولا أقل بكثير في مكة وفي الرباط وفي القاهرة وغيرها من عواصمنا، تترك خسائر مادية وبشرية رهيبة؛ دون أن يستفيد السكان من عُشر العناية والتخطيط الذي وفرته ولاية فلوريدا لسكانها. علما أن ضحايا سقوط الرافعة في مكة سنة 2015 كانوا أكثر من ضحايا إعصار كاترينا (108 قتيلاً ضمن حجاج مكة، مقابل 37 قتيلا في فلوريدا). بل أكثر من هذا: أن تتهكم على ضحايا إعصار في بلد تعتبر أنه عدوك، أنت الذي يمكن لقطرات من المطر أن تدمر البنية التحتية الهشة لبلدك، هو فعلاً أمر يدعو للشفقة.

مثال تلو الآخر. مرايا تعكس لنا وجهنا المريض. ومع ذلك، فنحن نستمر في رفض الاعتراف بهذه الحقيقة. نرفض الاعتراف بأشكال الخلل فينا. نصرّ أن العالم حولنا يخطط لنسفنا. نصنع مؤامرات صهيونية ماسونية في خيالنا المريض لكي نواسي بعضنا ونحن نتأمل الخراب الذي نصنعه. ننسى أو نتناسى أننا شعوب عرف تاريخها القتل والتقتيل قبل أن توجد أمريكا وقبل أن تخلق إسرائيل بمئات السنوات. 15 قرنا من القتل والتقتيل باسم الدفاع عن الدين. وما زال الجهل يقتل فينا. وما زلنا مصرين على عدم الاعتراف بأمراضنا التي تستشري. وما زلنا ندعو عليهم في مساجدنا. وما زلنا، مع ذلك، نصرّ على أننا الأفضل والأجمل والأتقى.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.