الفريق سامي عنان لحظة إعلانه ترشحه
الفريق سامي عنان لحظة إعلانه ترشحه

بقلم نيرڤانا محمود/

ساعات بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خوضه الانتخابات الرئاسيّة المقبلة في آذار/مارس، أعلن رئيس أركان الجش المصري السابق سامي عنان نيته الترشّح للانتخابات الرئاسيّة. وفور هذا الإعلان، بدأت ردود الفعل المؤيّدة من إسلاميين وغير إسلاميين معارضين للرئيس السيسي. إلا أن الجيش المصري، أصدر بعد أيام بيانا وصف في إعلان عنان ترشيحه تحريضا على الجيش وقال إن الجيش استدعاه على خلفية هذه القضية.

إن الخلافات المتعلقة بسعي الفريق عنان للوصول للرئاسة ليست القضية الأساسيّة برأيي. لكن ترشيحه يكشف طريقة تفكيره وفريق عمله ومؤيديه الخاطئة.

يبدو أن الفريق عنان الذي سبق ووصفه قائد القيادة المركزية المتقاعد الأدميرال وليام ج. فالون بـ"الوقور والذكي والكفوء مهنيا، قد خطط بعناية للعودة للعمل السياسي. خدم عنان في عهد مبارك رئيسا لأركان الجيش المصري، ولاحقاً أحد أبرز أعضاء المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد تنحي مبارك. ثم عزله الرئيس الإخواني محمد مرسي؛ واليوم يعود عنان لمواجهة الرجل القوي الذي أطاح مرسي، أي الرئيس السيسي.

ركّز الفريق عنان على مظالم خصوم السيسي، وقدّم نفسه في شريط الفيديو الذي فيه أعلن ترشحه، كقائد فريق وليس مشروع رجل واحد. وكشف عن شخصيتين مدنيتين معروفتين في حملته: هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي طرده السيسي عام 2016، وحازم حسني الأستاذ في كلية السياسة والاقتصاد ناطقا رسميا باسمه. كما أن شريط إعلان الترشيح تضمن نقدا غير مباشر، ولكن قويا للسيسي. وقد وصف عنان السيسي، بوصفه مرشحا من بين مرشحين آخرين "وقد يغادر الرئاسة خلال أشهر قليلة".

لكن مقاربة الفريق عنان واستراتيجية خصوم السيسي كانت مضللة وذلك لأسباب كثيرة:

أولا، يمكن للمرء أن يفترض أن جنرالاً عسكرياً متمرسا مثل سامي عنان، الذي يمتلك خبرة عسكرة واسعة، سيتبنى نهجاً حذراً ولبقاً تجاه مؤسسته العسكرية. إن إعلانه الترشيح قبل الحصول على إذن رسمي من الجيش كان خطأ قاتلاً. شهد التاريخ صراعات بين ضباط من رتب عسكريّة عالية. إن الصراع بين الرئيس جمال عبد الناصر، وقائد جيشه المشير عبد الحكيم عامر، بعد هزيمة عام 1967، أحد الأمثلة. ومع ذلك، لا يشير تاريخ المؤسسة العسكرية إلى تفضيل جنرال سابق على رئيس حالي. تريد المؤسسة العسكرية في مصر ان تقدّم نفسها بوصفها جبهة موحّدة. أي افتراض معاكس لذلك، هو مجرد وهم لا معنى له.

ثانياً، إن دعم خصوم السيسي لترشيح عنان ــــ حتى قبل الاطلاع على تفاصيل برنامجه الانتخابي ــــ يعكس مدى انفصال مؤيديه عن الجمهور ومطالبه وأحلامه. وكمثال على ذلك، لم يناقش أو يتفحص أي من مؤيدي عنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي خطته الاقتصادية. ولم يكشف عن وجود خبير اقتصادي في فريقه الرئاسي، رغم معرفته أن الاقتصاد والتضخم الاقتصادي يأتيان في مقدمة أولويات العديد من المصريين. ركّز أنصار عنان على مهمّة واحدة: أي واحد إلا السيسي.

ثالثاً، أثارت طريقة تعامل الفريق عنان وموقفه المبهم من الجماعات الإسلاموية العديد من التساؤلات. وبعد سنوات من شيطنة القوات المسلحة المصرية، على أنها "المجلس الحاكم"، قدّم ضيوفٌ على القنوات المؤيدة للإخوان المسلمين، أسبابا مختلفة لدعم الفريق عنان، العسكري السابق، ليُصبح رئيس مصر المقبل. وأكثر من ذلك، حدد الخبير الاستراتيجي المالي لجماعة الإخوان المسلمين يوسف ندا "ستة شروط لدعم عنان" حسب ما نقلت عنه وكالة الأناضول التركية. ومن أهم هذه الشروط "إعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات والطلب من رئيسها المنتخب محمد مرسي (محبوس حالياً، وهو الذي عزل عنان من منصبه) التنازل رسميا لصالح الأمة". إن توقيت هذه المطالب السريالية، كشف عن تسرع الإخوان، ودمّر فرصة حصول عنان على الموافقة العسكرية على ترشّحه.

رابعاً، وهو الأكثر أهمية، إن أي افتراض بأن يفضّل المصريون العاديون قائدا عسكريا سابقا على عسكري سابق يشغل منصب الرئيس الحالي، هو افتراض ساذج. يُفضّل المصريون الديموقراطية على الأوتوقراطية (حكم الفرد)، لكن إذا كان عليهم اختيار رئيس أوتوقراطي، سيختارون واحداً قوياً؛ وليس واحداً مستعداً لأن يكون جسراً يسمح للعديد من القوى المفلسة بالقفز إلى متن السفينة الضعيفة وتدميرها.

من المبكر الحكم على إرث سامي عنان. ومع ذلك، هناك صفات مشتركة بينه وقائد عسكري آخر هو محمد نجيب، الرئيس المصري الأول بعد الإطاحة بالملك فاروق في خمسينيات القرن الماضي. وبالرغم من أن خطاب نجيب كان مختلفاً، فإن الرجلين كانا متجاوبين مع أعداء الجيش من الإسلاميين خصوصا، لدرجة جعلتهما يحظيان باحتقار باقي المؤسسة العسكرية.

ــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.