السلطات المغربية تنفي إصدار تعليمات للفنادق لمنع النساء من الإقامة بمفردهن/ أرشيف
مغربيات يتظاهرن في الرباط عام 2015 (أرشيف)

بقلم سناء العاجي

انتشرت على مجموعة من المواقع المغربية، نتائج بحث ميداني قام به مركز دراسات خاص، ويُفيد بأن 64 في المئة من النساء و47 في المئة من الرجال في المغرب ضد المساواة في الإرث بين المرأة والرجل.

نشر الكثيرون هذه الأرقام مدللين بها، فرحا أو غبنا، كون نقاش المساواة في الإرث سيتأخر كثيرا ما دامت الأغلبية، وضمنها أغلبية النساء، ترفض هذه المساواة. وانتشرت تعليقات من قبيل: "المرأة عدوة نفسها".

قد تكون الصدمة بهذه الأرقام مشروعة. لكن، ماذا لو حاولنا استقراء المعطيات بشكل أعمق من القراءة الأولية التبسيطية؟

خلال نقاش مدونة الأحوال الشخصية في المغرب، عام 2003، كان عدد المعارضين أكبر بكثير من المؤيدين. خرجت حينها، مسيرة حاشدة في الدار البيضاء بقيادة إسلاميي حزب العدالة والتنمية الذي يترأس الحكومة حاليا، لكي تندد بمشروع المدونة. وخرجت مسيرة أخرى في الرباط، أقل حجما، تؤيد المدونة وتطالب بالمزيد من الحقوق للنساء. الأغلبية إذن كانت تدافع على بقاء الوضع على ما هو عليه، باسم الحفاظ على الهوية والتقاليد والدين وغيرها. لكن، حين جاء القرار الملكي بدعم التغيير، تحول المعارضون إلى مؤيدين. وأصبحت الأغلبية ترى في المدونة مكسبا، ليس للمرأة فقط، بل للأسرة والمجتمع المغربيين.

إقرأ للكاتب أيضا: كم نستحق من الشفقة؟

اليوم، وإن لم تكن المدونة قد حلت كل مشاكل النساء المغربيات، إلا أن تعديلها يثبت لنا أن رفض الأغلبية لتغيير معين، لا يعني بالضرورة أنها محقة.

مثال آخر، ولكن من دولة تقاليدها الديمقراطية عريقة: في فرنسا، كان معظم الشعب مناهضا لإلغاء عقوبة الإعدام. وحدها الشجاعة السياسية مكنت من تحقيق هذه المكسب الحقوقي، وليس قبول الأغلبية به.

لتحقيق بعض المكاسب الحقوقية، نحتاج في الكثير من الأحيان لشجاعة سياسية تتجاوز التصويت الشعبي الذي قد يكون شعبويا

​​وفي الولايات المتحدة الأميركية، لولا الشجاعة السياسية التي ألغت قوانين التفرقة بين السود والبيض، لاستمر جزء مهم من المجتمع الأميركي في اعتبار تلك التفرقة شيئا طبيعيا. إلى غاية الستينيات، كان الكثير من الأميركيين يعتبرون أن من الطبيعي أن يكون للسود مراحيض خاصة ومكتبات خاصة ومدارس خاصة وحقوق أقل بكثير من البيض. هذا لا يعني أن العنصرية اختفت من المجتمع الأميركي، لكنها فقدت طابعها المؤسساتي... بل وأصبحت جريمة يعاقب عليها القانون.

هذه الأمثلة تترجم لنا شيئا أساسيا: لتحقيق بعض المكاسب الحقوقية، نحتاج في الكثير من الأحيان لشجاعة سياسية تتجاوز التصويت الشعبي الذي قد يكون شعبويا. ليس بمفهوم ديكتاتوري على أساس أن الشعب لا يعرف مصلحته؛ لكن من منطلق بسيط: بعض السلوكيات غير العادلة قد تترسخ في عقليات الشعوب كممارسة طبيعية غير قابلة للتعديل: "الشخص أسود البشرة هو بالضرورة أقل قيمة من الأبيض وإمكانية المساواة بينهما غير واردة"؛ "الإعدام، حتى مع إمكانيات الخطأ القضائي وحتى بما يعنيه من سلب للحياة، هو العقاب الطبيعي لبعض الجرائم"؛ "المرأة بالضرورة أقل عقلا من الرجل... لذلك فحقوقه أكبر من حقوقها".

وحتى حين تقول التحولات الاقتصادية إن الواقع تغير، وإن المرأة تساهم في إنتاج القيمة (في المغرب مثلا، خمس الأسر المغربية تنفق عليها امرأة فقط، ناهيك عن الأسر التي ينفق عليها الطرفان)، وإنها لا تدفع نصف ضريبة ولا نصف سعر الخبز والحافلة والدواء؛ فإن مطلب التغيير قد يصدم البعض. والذريعة؟ احترام النص الديني! رغم أن هذا قد لا يكون إلا شعارا للحفاظ على المصالح الاقتصادية للرجال. وإلا، فلماذا لا ينتفض الكثيرون لاحترام النص الديني الذي يقر بقطع يد السارق؟ كما أن لا أحد اليوم، اللهم بعض مجانين التطرف، يناقش إمكانية العودة لأسواق النخاسة والإماء والعبيد، مع أن النص يقرها. وفي ما يخص الإرث، فإن الاجتهاد وارد، وقد أقر عمر بن الخطاب الاجتهاد في إرث الجد رغم وجود النص، وأقر عثمان بن عفان الاجتهاد في إرث المطلقة (مع وجود النص). فما بال هذه الاجتهادات لا تزعج حاملي شعار "لا اجتهاد مع وجود النص؟".

من المؤكد أن المجتمعات الإسلامية الأولى التي اجتهدت في مختلف الميادين (إلغاء الحدود، إلغاء العبودية...) عرفت رفضا مجتمعيا باعتبار تلك الأحكام والممارسات واردة في النص القرآني ولا يجوز تعديلها. لكن تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية في ذلك الأوان، جعلت الاجتهاد حتمية لا تناقش.

هذا ما يحدث اليوم في موضوع الإرث. هناك مقاومة كبيرة نظرا لحجم التغيير المطلوب. لكن المنطق، والحتمية التاريخية والحقوقية والسياسية، سينتصران في النهاية. كما انتصرت تعديلات حقوقية كثيرة في بلدان مختلفة حول العالم.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.