500 إنسان بينهم 84 طفلا قتلوا في المجزرة الأخيرة خلال أربعة أيام فقط (أ ف ب)
500 إنسان بينهم 84 طفلا قتلوا في المجزرة الأخيرة خلال أربعة أيام فقط (أ ف ب)

بقلم عبد الحفيظ شرف/

عاشت الغوطة الشرقية في دمشق حصارا خانقا لأكثر من خمس سنوات متواصلة. وعاش أهلها الجوع والمرض بدون أدنى رحمة أو إنسانية، من قبل نظام مجرم فاشي، ما زال يعاقبهم على رأيهم وموقفهم الثابت بعدم قبول هذا النظام الدكتاتوري، الذي دمر سورية الجميلة وحاصر أغلب مناطقها وهجر الشعب السوري. فتحول المواطن السوري إلى حمل ثقيل على بلدان الجوار بعد تهجير أكثر من 13 مليون إنسان داخليا وخارجيا.

تبعد غوطة دمشق الشرقية عن قصر بشار الأسد عدة كيلومترات، وهو بالتأكيد يسمع أصوات طائراته الحربية وصواريخه التي يطلقها على أهل الغوطة المدنيين والمحاصرين في قصف همجي وعشوائي يستهدف المنازل والمدارس ومناطق اللجوء دون أدنى أخلاقيات تحكم الحروب وتحكم مثل هذه النزاعات؛ وبدون أدنى رحمة أو اعتبار لأرواح المدنيين. هذا بالتأكيد ليس بجديد على نظام الأسد ولا على حلفائه الروس والإيرانيين فهم لا يقيمون وزنا لكل هذا وهو بالأساس ليس ضمن اهتماماتهم أو سياساتهم.

نور وآلاء طفلتان من أطفال الغوطة أرسلتا رسالة للعالم بأسره، بأن الأطفال لا ينامون في الغوطة بسبب القصف الهمجي المتواصل، بعد أن دمرت طائرات الأسد بيتهما الصغير ونجتا بأعجوبة، لتتحولا إلى باحثتين عن مأوى.

ما زال الروس يغطون جرائم النظام بغربال ثم يدعون إلى مؤتمرات وتسويات وتصريحات سياسية للحل في سورية

​​500 إنسان بينهم 84 طفلا قتلوا في المجزرة الأخيرة خلال أربعة أيام فقط. وهذه الحصيلة، هي أكبر حصيلة إجرام في يوم واحد في السنوات الأخيرة. هذا التصعيد الأخير من قبل النظام يأتي تحت غطاء روسي سياسي وعسكري غير مسبوق. وهنا يأتي السؤال المهم: لماذا كل هذا الحقد على الغوطة الشرقية وأهلها؟

اقرأ للكاتب أيضا: عفرين وما بعدها

ارتبط اسم الغوطة الشرقية بما يعرف بمجزرة الكيماوي عام 2013 والتي قتل فيها نحو 1300 إنسان مدني وقد سببت هذه المجزرة حرجا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا لنظام الأسد؛ ما أجبره على تدمير أغلب مخزونه من السلاح الكيماوي الذي استخدمه ضد شعبه وأطفال بلده. تأتي هذه العملية بعد عدة محاولات اقتحام عسكرية شارك فيها الحرس الجمهوري وقوات النخبة في جيش النظام مع مقاتلين من حزب الله الإرهابي دون جدوى. لذلك، قرر النظام أن يقوم بهذه الحملة الجوية العشوائية لتتبعها محاولة اقتحام عسكري بقيادة جميل الحسن الذي ارتبط اسمه بجرائم ضد الإنسانية؛ وهذه العملية ما هي إلا إضافة جديدة لتاريخه الدموي.

​​

ويذكر أن النظام السوري اتبع استراتيجية التهجير الممنهج في الغوطة الشرقية ليسيطر على بعض مناطقها متل برزة والقابون والزبداني وغيرها.لا يكترث النظام السوري بعد سبع سنوات من جرائمه ضد المدنيين بأرواح الناس مطلقا. وفي محاولة منه لتسويق روايته لأهل دمشق، قامت إحدى طائراته بقصف ركن الدين وهي منطقة سكنية في العاصمة دمشق غالبية سكانها أكراد دمشق. ثم قال النظام إن إطلاق هذا الصاروخ تم من الغوطة الشرقية ليبرر للناس ما يقوم به من قصف؛ إلا أنه فشل هذه المرة في تسويق كذبته لأن الكثيرين من سكان دمشق رأوا طائرة النظام في وضح النهار وهي تطلق صاروخها على منطقة ركن الدين وتم تصوير مقطع إطلاق الصاروخ مما أثار غضب أهل دمشق وانقلب السحر على الساحر.

اقرأ للكاتب أيضا: هل يستحق الشعب السوري معارضة أفضل؟

ما زال الروس يغطون كل هذه الجرائم بغربال، ثم يدعون إلى مؤتمرات وتسويات وتصريحات سياسية للحل في سورية، وكأن العالم أعمى أو أحمق ليصدق ما يصرح به وزير الخارجية الروسي. لكنه في الواقع، يستغل ضعف الموقف العربي المتخاذل وكذلك ضعف الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكنا منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.

دعت الكويت بعد كل هذه الصور المأساوية والدمار إلى جلسة استثنائية لمجلس الأمن الذي انعقد عشرات المرات وتم تعطيل أغلب قراراته بفيتو روسي ـ صيني مشترك. والقرارات التي نجت من الفيتو الروسي لم يتم تطبيقها على الأرض. لذلك لا أعتقد أن أيا من هذه التحركات سيأتي بنتيجة أو حل لهؤلاء المدنيين المحاصرين الذين يذوقون الموت عشرات المرات يوميا. وأنا هنا لن أتحدث عن الموقف العربي فهو موقف مخزي ومخجل ولا يوجد من يعول على هذه الحكومات العربية من الأساس. أتمنى أن يكون هناك موقف حازم يوقف شلالات الدماء التي تسيل في الغوطة وفي أنحاء سورية.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.