بقلم عبد الحفيظ شرف/
عاشت الغوطة الشرقية في دمشق حصارا خانقا لأكثر من خمس سنوات متواصلة. وعاش أهلها الجوع والمرض بدون أدنى رحمة أو إنسانية، من قبل نظام مجرم فاشي، ما زال يعاقبهم على رأيهم وموقفهم الثابت بعدم قبول هذا النظام الدكتاتوري، الذي دمر سورية الجميلة وحاصر أغلب مناطقها وهجر الشعب السوري. فتحول المواطن السوري إلى حمل ثقيل على بلدان الجوار بعد تهجير أكثر من 13 مليون إنسان داخليا وخارجيا.
تبعد غوطة دمشق الشرقية عن قصر بشار الأسد عدة كيلومترات، وهو بالتأكيد يسمع أصوات طائراته الحربية وصواريخه التي يطلقها على أهل الغوطة المدنيين والمحاصرين في قصف همجي وعشوائي يستهدف المنازل والمدارس ومناطق اللجوء دون أدنى أخلاقيات تحكم الحروب وتحكم مثل هذه النزاعات؛ وبدون أدنى رحمة أو اعتبار لأرواح المدنيين. هذا بالتأكيد ليس بجديد على نظام الأسد ولا على حلفائه الروس والإيرانيين فهم لا يقيمون وزنا لكل هذا وهو بالأساس ليس ضمن اهتماماتهم أو سياساتهم.
نور وآلاء طفلتان من أطفال الغوطة أرسلتا رسالة للعالم بأسره، بأن الأطفال لا ينامون في الغوطة بسبب القصف الهمجي المتواصل، بعد أن دمرت طائرات الأسد بيتهما الصغير ونجتا بأعجوبة، لتتحولا إلى باحثتين عن مأوى.
500 إنسان بينهم 84 طفلا قتلوا في المجزرة الأخيرة خلال أربعة أيام فقط. وهذه الحصيلة، هي أكبر حصيلة إجرام في يوم واحد في السنوات الأخيرة. هذا التصعيد الأخير من قبل النظام يأتي تحت غطاء روسي سياسي وعسكري غير مسبوق. وهنا يأتي السؤال المهم: لماذا كل هذا الحقد على الغوطة الشرقية وأهلها؟
اقرأ للكاتب أيضا: عفرين وما بعدها
ارتبط اسم الغوطة الشرقية بما يعرف بمجزرة الكيماوي عام 2013 والتي قتل فيها نحو 1300 إنسان مدني وقد سببت هذه المجزرة حرجا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا لنظام الأسد؛ ما أجبره على تدمير أغلب مخزونه من السلاح الكيماوي الذي استخدمه ضد شعبه وأطفال بلده. تأتي هذه العملية بعد عدة محاولات اقتحام عسكرية شارك فيها الحرس الجمهوري وقوات النخبة في جيش النظام مع مقاتلين من حزب الله الإرهابي دون جدوى. لذلك، قرر النظام أن يقوم بهذه الحملة الجوية العشوائية لتتبعها محاولة اقتحام عسكري بقيادة جميل الحسن الذي ارتبط اسمه بجرائم ضد الإنسانية؛ وهذه العملية ما هي إلا إضافة جديدة لتاريخه الدموي.
ويذكر أن النظام السوري اتبع استراتيجية التهجير الممنهج في الغوطة الشرقية ليسيطر على بعض مناطقها متل برزة والقابون والزبداني وغيرها.لا يكترث النظام السوري بعد سبع سنوات من جرائمه ضد المدنيين بأرواح الناس مطلقا. وفي محاولة منه لتسويق روايته لأهل دمشق، قامت إحدى طائراته بقصف ركن الدين وهي منطقة سكنية في العاصمة دمشق غالبية سكانها أكراد دمشق. ثم قال النظام إن إطلاق هذا الصاروخ تم من الغوطة الشرقية ليبرر للناس ما يقوم به من قصف؛ إلا أنه فشل هذه المرة في تسويق كذبته لأن الكثيرين من سكان دمشق رأوا طائرة النظام في وضح النهار وهي تطلق صاروخها على منطقة ركن الدين وتم تصوير مقطع إطلاق الصاروخ مما أثار غضب أهل دمشق وانقلب السحر على الساحر.
اقرأ للكاتب أيضا: هل يستحق الشعب السوري معارضة أفضل؟
ما زال الروس يغطون كل هذه الجرائم بغربال، ثم يدعون إلى مؤتمرات وتسويات وتصريحات سياسية للحل في سورية، وكأن العالم أعمى أو أحمق ليصدق ما يصرح به وزير الخارجية الروسي. لكنه في الواقع، يستغل ضعف الموقف العربي المتخاذل وكذلك ضعف الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكنا منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.
دعت الكويت بعد كل هذه الصور المأساوية والدمار إلى جلسة استثنائية لمجلس الأمن الذي انعقد عشرات المرات وتم تعطيل أغلب قراراته بفيتو روسي ـ صيني مشترك. والقرارات التي نجت من الفيتو الروسي لم يتم تطبيقها على الأرض. لذلك لا أعتقد أن أيا من هذه التحركات سيأتي بنتيجة أو حل لهؤلاء المدنيين المحاصرين الذين يذوقون الموت عشرات المرات يوميا. وأنا هنا لن أتحدث عن الموقف العربي فهو موقف مخزي ومخجل ولا يوجد من يعول على هذه الحكومات العربية من الأساس. أتمنى أن يكون هناك موقف حازم يوقف شلالات الدماء التي تسيل في الغوطة وفي أنحاء سورية.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)