أحد العمال في حقل نهر بين عمر للنفط في البصرة جنوب العراق (أ ف ب)
أحد العمال في حقل نهر بين عمر للنفط في البصرة جنوب العراق (أ ف ب)

بقلم جيمس جيفري ومايكل نايتس/

يعاني العراق منذ 15 عاما أزمة أمنية كان من شأنها أن تغرق معظم المجتمعات، إلا أنه يسجل زيادة سنوية في إنتاج النفط.

وفي المرحلة المقبلة، إما أن تستغل إيران وحلفاؤها الغاز والنفط العراقيين، أو يتم استخدامهما لصالح العراق، ما سيحول البلاد إلى مركز لتصدير الطاقة بين دول الخليج وتركيا وأوروبا.

قطاع الطاقة العراقي قصة نجاح عالمية. وللولايات المتحدة مصلحة استراتيجية كبرى في تعزيز الاحتمال الأخير.

قطاع سريع النمو

يحتل العراق الآن المركز الثاني في إنتاج النفط بين دول الـ(أوبك)، بمعدل إنتاج يومي بلغ حوالي خمسة ملايين برميل في 2017، يصدر منها حوالي أربعة ملايين برميل. هذا ما تم الكشف عنه في مؤتمر "نفط العراق" الذي عقدته مجموعة "سي دبليو سي (CWC Group)" في برلين أواخر الشهر الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، تخطط بغداد لإنشاء برنامج ضخم لضخ مياه البحر بهدف زيادة الإنتاج أولا إلى سبعة ملايين برميل يوميا، ولاحقا إلى تسعة ملايين برميل. وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الأخير سيضع العراق على مستوى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وروسيا.

إمكانات العراق في إنتاج الغاز هائلة هي الأخرى ـ إذ تهدر البلاد كمية غير عادية قدرها 16 مليار متر مكعب سنويا من إحراق الغاز وحده، أي 0.5 بالمائة من الإنتاج العالمي. وسيكون المشروع المشترك بين شركتي "شل" و"ميتسوبيشي" والحكومة العراقية أكبر جهد يبذل لتجميع الغاز في العالم، ما يوفر ملياري متر مكعب سنويا لتوليد الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها.

تحاول إيران أن تجعل العراق يعتمد على غازها الباهظ الثمن، وسوف تسعى على الأرجح إلى إيصال هذا الغاز إلى سورية في المستقبل القريب

​​وتتمثل خطة العراق الطموحة في تجميع كل إنتاجه من الغاز واستخدامه دون إحداث أي تسرب بحلول 2021. أما الهدف الأول فهو استبدال المنتجات النفطية الأكثر تكلفة، والأقل فعالية، والأكثر تلويثا، لكن إذا وصل العراق إلى هدفه في تجميع الغاز، فقد لا يصبح مصدرا للغاز فحسب، بل محورا أيضا لعبور الغاز يربط تركيا وإيران وسورية والأردن والمملكة العربية السعودية، وغيرها من الاقتصادات الرئيسية.

نفط كردستان وكركوك

إن العقبة الأكثر إلحاحا لهذه الخطط هي صراع بغداد المستمر مع "حكومة إقليم كردستان" على النفط من شمال العراق. فقضية حقول كركوك شائكة بشكل خاص، وقد أدت إلى نشوب نزاع تورطت فيه تركيا وإيران، مع قيام واشنطن بدور الوسيط في بعض الأحيان.

وقد بدأت المشكلة عندما منح دستور عام 2005 دورا مهما لـ"حكومة إقليم كردستان" في تطوير الحقول "الجديدة"، وهو ما فعلته برغبة الانتقام من خلال مراودة شركات النفط العالمية وتوقيع عقود تقضي بمشاركة الإنتاج.

ويطلب الدستور من الحكومة الاتحادية ـ عبر شركة تسويق النفط العراقية (SOMO)ـ تسويق إنتاج البلاد كلها، بما في ذلك "إقليم كردستان". وفي المقابل، خصصت الميزانية الاتحادية حوالي 17 في المئة من عائدات النفط لـ"حكومة إقليم كردستان"، وهو ما يقارب 12 في المئة من الميزانية الفعلية (وهي أرقام ظلت محل جدل منذ البداية).

عمليا، لم تسمح حكومة إقليم كردستان لـ"شركة تسويق النفط العراقية" بتسويق نفط الإقليم، وردت بغداد بوقف الإيرادات الاتحادية في كثير من الأحيان.

الموازنة العراقية الأخيرة لا تمنح الأكراد سوى 12.5 في المئة من الدخل النفطي المتوقع. وقد سعى الطرفان مرارا وتكرارا إلى مناقشة خلافاتهما بمساعدة الولايات المتحدة، لكن دائما ما انتهى بهما الأمر إلى الإخلال بالتزاماتهما وتجديد النزاع.

وعندما اجتاح تنظيم داعش شمال البلاد في 2014، لم يدافع الجيش العراقي عن مدينة كركوك وحقولها النفطية، بل كانت قوات البيشمركة الكردية هي التي قامت بذلك، واستولت على الحقول وبدأت بتصدير النفط من كركوك عبر خط أنابيب "إقليم كردستان" إلى الحدود التركية ومن ثم إلى ميناء جيهان.

وفي معظم الأحيان، قامت أربيل بتسويق النفط نفسه بدلا من المنتجات الثانوية. فلم يرق الأمر لبغداد، لكن لم يكن لديها حينئذ أي خيار.

الوساطة الدولية بقيادة الولايات المتحدة ضرورية لتجنب تحقيق إيران فوزا آخر

​​ومع هزيمة داعش، وجدت الحكومة المركزية فرصتها، وخاصة بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته حكومة إقليم كردستان بإجراء استفتاء حول الاستقلال في أيلول/سبتمبر الماضي. فقد سحقت بغداد محاولة الأكراد تحقيق استقلالهم واستعادت كركوك، وسط ضغوط إقليمية كبيرة على الأكراد.

ويتمحور الخلاف الآن حول كيفية تصدير نفط كركوك وتسويقه، ومن سيسوق نفط حكومة إقليم كردستان الذي لا يزال يتدفق إلى ميناء جيهان. وفي غضون ذلك، يتم حصر ما يقدر بنحو 300 ألف برميل في اليوم من نفط كركوك.

شركاء الطاقة في العراق

عندما تنظر الجهات الدولية الفاعلة إلى العراق، فإنها لا ترى إمدادات طاقة مستقبلية وسوقا ثرية لصادراتها فقط، بل ترى أيضا مكاسب جغرافية استراتيجية محتملة، وهي مهتمة بشكل خاص بنفط كركوك.

  • روسيا: استثمرت شركة النفط الحكومية الرئيسية "روسنفت" Rosneft نحو ثلاثة مليارات دولار في قطاع النفط والغاز في إقليم كردستان. ويشمل ذلك ملكية جزئية لخط الأنابيب الممتد من كركوك عبر إقليم كردستان إلى الحدود التركية، الذي يتصل بخط جيهان. تجدر الإشارة إلى أن تنظيم داعش قد دمر أجزاء من خط أنابيب كركوك ـ جيهان الأصلي في العراق الذي يمر عبر الأراضي غير الكردية إلى الحدود التركية.
  • تركيا: تسمح أنقرة لحكومة إقليم كردستان بتسويق نفطها الخاص (حوالي 300 ألف برميل يوميا) في جيهان، مدعية أنها لا تستطيع تحويل هذا التدفق إلى شركة تسويق النفط العراقية إلا إذا التزمت بغداد بدفع ديون حكومة إقليم كردستان المتعلقة بالنفط إلى تركيا. فلدى أنقرة مصالح استراتيجية وتجارية واضحة في الحفاظ على منطقة كردية ودية، تتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق. وتأمل تركيا أيضا في الحصول على صادرات كبيرة من الغاز من إقليم كردستان، قد يتم توفيرها بأسعار تقل عن أسعار السوق وبدون قيود على الأماكن المقصودة.

وفي الوقت نفسه، تريد أنقرة أن تتخلى بغداد عن إجراءاتها التحكيمية ضد تركيا على خلفية سماح هذه الأخيرة لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط عبر خط الأنابيب العراقي ـ التركي ذي الملكية المشتركة. وتطمع أنقرة بالفرص التجارية في السوق العراقية الأوسع نطاقا للسلع والخدمات المستوردة. وبالفعل، قادت تركيا الجهات المانحة الدولية بتعهد قدره خمسة مليارات دولار في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي عقد الشهر الماضي في الكويت.

  • إيران: تقوم الجمهورية الإسلامية بالفعل بتصدير كميات كبيرة من الكهرباء والغاز إلى العراق بأسعار باهظة للغاية، وهي تسعى إلى تضييق قبضتها الخانقة على سوق توليد الطاقة في البلاد. وتأمل في إنشاء خط أنابيب من كركوك إلى إيران من أجل إبعاد النفط الآتي من شمال العراق عن الطريق التقليدية التي يصدر منها عادة عبر تركيا، ما يؤدي في النهاية إلى تسليم الخام الإيراني عبر موانئ الخليج بدلا من تكرير النفط الخام العراقي. وفي حين أن بغداد ضالعة في نزاعات مع حكومة إقليم كردستان، إلا أنها حاولت تصدير بعض النفط إلى إيران عن طريق الشاحنات. هذا الجهد عرقلته العمليات ضد بقايا تنظيم داعش في المنطقة. وهددت السلطات العراقية بتحويل جزء كبير من نفط كركوك عبر بناء خط أنابيب جديد يصل إلى إيران.
    لم تسمح حكومة إقليم كردستان لـ"شركة تسويق النفط العراقية" بتسويق نفط الإقليم، وردت بغداد بوقف الإيرادات الاتحادية في كثير من الأحيان
    ​​

الرهانات الجغرافية ـ الاستراتيجية الأكبر مهمة هي الأخرى. فإذا قررت الحكومة ذات الأغلبية الشيعية في بغداد تفضيل طريق التصدير التي تمر عبر إيران الشيعية بدلا من المناطق الكردية أو العربية السنية في العراق، فعندئذ ستضع نفسها بقوة في معسكر المنبوذين إقليميا، وهي بذلك تصنف 40 في المائة من سكانها كأشخاص غير جديرين بالثقة، ومن الدرجة الثانية.

وبالمثل، سيكون اختيارها لإيران بدلا من تركيا بمثابة ضربة قوية لهيبة أنقرة نظرا لقوتها الاقتصادية والتزامها بإعادة إعمار العراق ـ ناهيك عن الضرر الذي قد يلحقه ذلك بفرص العراق في التعافي الكامل.

التداعيات على السياسة الأميركية

في ظل هذه الظروف، تعتبر الوساطة الدولية بقيادة الولايات المتحدة ضرورية لتجنب تحقيق إيران فوزا آخر. وقد تراجع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مؤخرا عن الخيار الإيراني فيما يخص نفط كركوك، الأمر الذي يشير إلى إمكانية شحن الإنتاج المحلي عبر خط أنابيب إقليم كردستان. غير أنه لم يتابع ذلك، ويعود السبب على الأرجح لأن اقتراح مثل هذا الحل الوسط قد يضعفه قبل الانتخابات الوطنية في أيار/مايو.

وفي حين أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف قد يحتاجون إلى الانتظار إلى ما بعد إجراء الانتخابات في أيار/مايو لإضفاء الطابع الرسمي على أي اتفاق، إلا أنه في غضون ذلك ينبغي عليهم إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى التوصل إلى تفاصيل اتفاقية تصدير وتقاسم العائدات بين بغداد وحكومة إقليم كردستان.

وتحاول إيران أن تجعل العراق يعتمد على غازها الباهظ الثمن، وسوف تسعى على الأرجح إلى إيصال هذا الغاز إلى سورية في المستقبل القريب. الترابط الأكبر في مجال الطاقة بين إيران والعراق يشمل مقايضات النفط واستخدام شركات بناء إيرانية معتمدة في مشاريع أنابيب النفط العراقية. وهو لن يؤدي إلا إلى إضعاف روابط بغداد بالأسواق الحرة ورأس المال الدولي.

ولتجنب هذه النتيجة، يجب أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها وراء إنشاء ممر للطاقة بين شمال البلاد وجنوبها يكون فيه العراق بمثابة مركز للطاقة بين دول الخليج الأكثر ودية وتركيا، ما يشكل في النهاية جسر تصدير إلى أوروبا. يتعين على واشنطن أيضا دعم مشروع خط أنابيب البصرة ـ حديثة ـ العقبة لنقل النفط والغاز العراقي إلى الأردن. ومن شأن هذا المشروع ـ إلى جانب إعادة تأهيل خط الأنابيب الاستراتيجي الانعكاسي بين الشمال والجنوب الذي يربط جنوب العراق الغني بالنفط والغاز بتركيا ـ أن يقلل من اعتماد بغداد المفرط على تصدير النفط عبر الخليج العربي، حيث يمكن لإيران أن تأخذ المحطات العراقية ومضيق هرمز كرهينة. وأخيرا، بإمكان بغداد أن تلعب دورا مهما كمحور عبور للغاز بين منطقة الخليج وأوروبا والشرق الأوسط.

جيمس إف. جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن، والسفير الأميركي السابق في العراق وتركيا.

مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في المعهد وقد عمل على نطاق واسع في مشاريع الطاقة داخل العراق.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.