بقلم نيرڤانا محمود/
شرع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أولى جولاته الخارجية كولي للعهد التي ستجذب الانتباه إلى المملكة وقيادتها الجديدة. من الضروري فهم أن هذه القيادة الجديدة في السعودية هي عنصر أساسي في سياق شرق أوسط حديث أكثر اتساعا وأشد أهمية.
ففي ظل التطورات المتلاحقة لواقع الشرق الأوسط، وفي خضم التعقيدات المتفاقمة والتصريحات المتناقضة، هناك ثلاثة معسكرات تهيمن على المشهد الإقليمي: معسكر إسلاموي إيراني ومعسكر إسلاموي تركي ومعسكر متفرد ثلاثي التعاون مكون من السعودية ومصر والإمارات.
ثالوث التعاون هذا نشأ في أعقاب الربيع العربي، ويتحد فيه قادة دول ثلاث لتقديم نموذج جديد للدولة في المنطقة يختلف عن سابقيه من نماذج الحكومات القمعية السابقة. ولدى التحالف الجديد خطة طموحة لمواجهة الإسلام السياسي لدى المعسكرين الإيراني والتركي.
كما كتبت في السابق، الثلاثي الجديد يرى أن الإسلام السياسي عدو مشترك لا يهدف فقط إلى تقويض سلطاتهم كقادة فحسب، بل يهدف إلى تقويض فكرة الوطن أيضا. نموذج الدولة الوطنية نشأ في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية ونهاية عصر الاستعمار، وأي أفكار وجودية أخرى تتجاوز فكرة الوطنية تشكل تهديدا خطيرا، والمثال الأبرز على ذلك الأيديولوجية التي أرسا أسسها نظام الملالي في إيران والطموحات الإقليمية للرئيس التركي أردوغان.
ورغم أن التنافس الإيراني ـ السعودي المتواصل منذ ثورة 1979 في إيران ليس جديدا، فالجديد هو التعاون بين الدول الثلاث لتشكيل وحدة تحارب أسس الإسلام السياسي. وهذا يعد تحولا من الحروب الخاصة التي كان يختارها كل بلد على حدة.
اقرأ للكاتبة أيضا: مصر، تركيا، وسياسة الغاز
فالسعودية ظلت تعتقد لعقود بأن الطريقة الأمثل لمواجهة الإسلاموية الشيعية هي تحصين الإسلاموية السنية وتعزيزها. وكانت نتائج هذه السياسة عكسية في مختلف أرجاء المنطقة، من العراق إلى سورية إلى اليمن. وبعد مواجهتها تدخلات إيرانية غاشمة في المنطقة بالتزامن مع هجمات إرهابية شرسة لتنظيم داعش وصلت حتى الداخل السعودي، أدركت المملكة أن كل أشكال الإسلاموية عدو ينبغي مواجهته. وإلى جانب ظهور النزعة المناهضة للإسلاموية لدى عبد الفتاح السيسي في مصر، انضمت القيادة الإماراتية كذلك إلى هذا الثلاثي لتعبيد الطريق من أجل المضي قدما ومن أجل الصمود.
هذه هي الأيام الأولى، والمعركة ضد الإسلاموية تجري في إقليم مليء بالتعقيدات والمتناقضات والاضطرابات. على مدى عقود، ربحت الإسلاموية معارك في جبهات عدة برعاية من طهران وأنقرة والدوحة. لكل من تلك العواصم أجندتها الخاصة ولديها الاستعداد لدعم لتلك الجماعات إلى أقصى الحدود، علاوة على ذلك لاقى كثير من الجماعات الإسلاموية آذانا متعاطفة في العواصم الغربية، متنكرة في رداء دعم حقوق الإنسان ودعم الديموقراطية في مواجهة الأنظمة السلطوية العربية.
وعلى ذلك، قرر الثلاثي اتباع توجه تعاوني براغماتي يرفض الانجرار العاطفي وراء الأحلام الكبرى. أيام الوحدة الهزلية، مثل جمهورية عبد الناصر المتحدة بين مصر وسورية ولت، وكذلك ذهبت أدراج الرياح أيام نموذج الرجل الواحد المهيمن. فلم تعد لدى الثلاثي رغبة في تكرار نماذج صدام والقذافي، فقيادات الدول الثلاث الحالية تعرف حدود قدراتها، وعلى نقيض الحكام المستبدين في الماضي العربي، هم غير راغبين في خوض مغامرات كبرى.
الاختبار الأول لهذا الثلاثي كان الأزمة القطرية. فبعد مقاطعة الدوحة واتهام الدولة الخليجية الصغيرة بدعم جماعات إسلاموية، توقع كثير من المحللين تفكك معسكر المقاطعة. تكهن كثيرون بأن الهوية الخليجية ستتغلب على الخلافات السياسية وتترك مصر وحيدة ضد قطر. المفاجأة كانت أن معسكر المقاطعة، وبشكل أساسي السعودية والإمارات، لا يزال متحدا مع مصر ومقاوما الضغوط لحل الأزمة مع قطر.
يحتاج صناع القرار في واشنطن إلى إدراك هذا الواقع الإقليمي الجديد، فزمن الثورات والربيع انتهى، وكذلك أيام الأوتوقراطيات الفوضوية. الجيل الجديد من الأوتوقراطيين العرب أذكياء ومتحدون سويا في صراع البقاء وهم مستعدون الآن لمواجهة أعدائهم الإسلامويين. هذا تغير مهم على الولايات المتحدة أن تأخذه بعين الاعتبار.
اقرأ للكاتبة أيضا: هل يستطيع الرئيس السيسي تجميد الحياة السياسية في مصر؟
الخوض في مصالح الولايات المتحدة ومبادئها في الشرق الأوسط لطالما كان مهمة معقدة وشائكة. فمن أفغانستان إلى العراق فشلت محاولات الولايات المتحدة للحصول على دعم الإسلاميين وولائهم، ولم تنجح مساعيها لترويض النظام الإيراني، وحتى النموذج الديموقراطي في تركيا أفسده رئيس تركي، وأصبح بشكل متزايد أكثر عداء تجاه الولايات المتحدة. لقد جادل الخبراء في واشنطن في أن الديموقراطية يمكنها ترويض الإسلاموية. وهذا نموذج للتفكير المنغلق الساذج للنخبة في واشنطن، والدليل الحاسم على ذلك هو الرئيس المستبد من مواربة أردوغان.
ورغم ذلك، هناك فرصة حقيقية أمام الولايات المتحدة كي تجدد سياساتها في المنطقة عن طريق دعم الثلاثي السعودي المصري الإماراتي من خلال التعهد بأخذ موقف حاسم ضد الطموحات التركية والإيرانية، مع استمرارها في الضغط من أجل إصلاحات ديموقراطية.
محاربة الأنظمة الإسلاموية بلا هوادة هو على الأرجح السبيل الوحيد لإقناع الأوتوقراطيين العرب بتخفيف قبضتهم على السلطة وتبني الديموقراطية وحقوق الإنسان. ولذا فإن زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة فرصة ثمينة للعمل من أجل إنقاذ المنطقة من تعاساتها.
ــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)