ترامب وبن سلمان في البيت الأبيض (أ ف ب)
ترامب وبن سلمان في البيت الأبيض (أ ف ب)

بقلم جويس كرم/

سبع مدن في عشرين يوما يجولها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارته الرسمية الرابعة للولايات المتحدة، والأولى منذ توليه هذا المنصب، فيها فرص وتحديات للعلاقة بين السعودية وأميركا تتخطى إدارة دونالد ترامب ومن فيها، وتتعاطى مع المتغيرات الداخلية والخارجية في البلدين.

الزيارة من دون شك غير مسبوقة بمحطاتها وحجمها وتعكس الإرادة السعودية بالاستثمار سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا في الولايات المتحدة. فمن البيت الأبيض إلى جامعتي هارفارد و"أم. أي. تي" فالسوق المالي في نيويورك ثم مايكروسوفت وغوغل وآبل في الغرب، وصولا إلى هوليوود في لوس أنجلس وشركات الطاقة في هوستن، هناك مقاربة شاملة للعلاقة السعودية ـ الأميركية تتخطى تعريفها التقليدي بالمقاييس الدفاعية والاستثمارات النفطية.

التحدي الأصعب والأبرز في زيارة ولي العهد هو التواصل مع المواطن الأميركي وأركان المجتمع وبنيته الثقافية والفنية

​​مع ذلك هناك تحديات أساسية تواجه ولي العهد السعودي في هذه الجولة أهمها تغيير صورة السعودية ليس في أروقة الإدارة الأميركية بل بين الرأي العام الذي ما زال بنسبة 55 في المئة (استطلاع غالوب الشهر الفائت) ينظر بشكل سلبي للمملكة. هذه النظرة تتناقض مع واقع الشراكة السياسية والعسكرية التي بنتها واشنطن مع الرياض منذ أيام فرانكلين روزفلت في أربعينيات القرن الماضي، وترتبط بأمور حياتية واجتماعية راسخة في أذهان الأميركيين حول المملكة.

اقرأ للكاتبة أيضا: ترامب يقيل تيلرسون: الأسباب والتوقعات مع بومبيو

في محاضرة في منبر عربي خلال عيد المرأة العالمي مع طالبات ثانويات أميركيات في واشنطن، أبدت إحداهن إعجابها بصوفيا، الروبوت التي منحت الجنسية السعودية، لكنها سألت لماذا لا ترتدي صوفيا الحجاب وإذا ما كانت ستقود السيارة؟ السؤال نفسه يعكس التناقضات التي تحيط صورة السعودية وتبدلها في الداخل الأميركي. فهناك حقوق المرأة، ومظهرها وقيادتها السيارة التي ستبدأ في حزيران/يونيو المقبل، وهناك الغموض حول المملكة.

القيادة السعودية الجديدة يبدو أنها تدرك حجم التناقضات، ووضوح ولي العهد السعودي في مقابلته مع سي. بي. أس حول دور المرأة السعودية وحريتها في لباس العباءة أو الحجاب أو أي لباس محتشم، يعكس شوطا كبيرا في تغيير الصورة الراسخة في الغرب عن المملكة. وهو في حديثه عن 1979 كمنعطف تحولي في المنطقة، وفي السعودية، وإقراره بأن الحياة "كانت طبيعية" قبل ذلك، فهو يقر ضمنيا بالمشاكل التي كبلت السعودية مع الرأي العام الغربي.

نجاح التغييرات داخل السعودية وانفتاحها اجتماعيا هو مفتاح تغيير صورتها في الولايات المتحدة

​​من هنا، ستكون زيارة الأمير محمد إلى سان فرانسيسكو ولوس أنجلس وسياتل أهم من اجتماعاته في الكونغرس. وهو بلقائه المرتقب مع نجوم هوليوود مثل آري إيمانويل وجذب الاستثمارات السينمائية إلى المملكة، سيخاطب الرأي العام الأميركي بلغة عجزت البروتوكولات السياسية للعلاقة عن التحدث بها.

فنجاح التغييرات داخل السعودية وانفتاحها اجتماعيا هو مفتاح تغيير صورتها في الولايات المتحدة. وتعرف المواطن الأميركي على أعمال مثقفين ومثقفات سعوديات مثل هيفاء المنصوري وعهد كامل وهتون الفاسي ومحمود صباغ سيفعل أكثر من أي لقاء أو تجمع سياسي في الكونغرس حول السعودية.

اقرأ للكاتبة أيضا: ترامب يراجع خياراته حول سورية

إذ وفي ظل الاستقطاب الأميركي العميق سياسيا مع وضد دونالد ترامب، حول شتى القضايا الاجتماعية والسياسية، هناك حاجة عربية عموما للتواصل مع الأميركيين خارج إطار واشنطن السياسي. وفي حين أن حرب اليمن، والمعاناة الإنسانية هناك، تؤذي صورة السعودية، فإن التحدي أطول وأعمق من ذلك.

السعودية في تعاونها الأمني والسياسي مع الولايات المتحدة وصلت أعلى السقف مع الحديث اليوم عن تعاون في الطاقة النووية السلمية وصفقات أسلحة واستثمارات بمليارات الدولارات. وتحديها الأصعب والأبرز في زيارة ولي العهد يبقى التواصل مع المواطن الأميركي وأركان المجتمع وبنيته الثقافية والفنية، وتخطي الإطار البروتوكولي والتقليدي لهذه العلاقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.