تظاهرة نسوية في بيروت بمناسبة اليوم المرأة العالمي (أ ف ب)
تظاهرة نسوية في بيروت بمناسبة اليوم المرأة العالمي (أ ف ب)

بقلم سناء العاجي/

المساواة في الإرث بين الرجال والنساء؟ أبدا. هذا أمر غير مقبول بتاتا وهو مخالف للنصوص الشرعية.

وكأن تحقيق المساواة في الإرث سينقص من عقيدة المسلمين وإيمانهم وتدينهم.

طيب، وماذا عن الواقع الميداني الذي يخبرنا أن أكثر من 80 في المئة من نساء الصعيد المصري، بحسب دراسات متعددة، يحرمن من الميراث بعد وفاة الآباء؟ هنا طبعا، لا أحد يتحرك لتنفيذ النص القرآني ومنح النساء حقهن في الإرث. نحن ننتفض فقط حين يتم الحديث عن تعديل يمنحهن بعض الحقوق. تعديل سيكون بالتأكيد أكثر عدلا ومنطقا، بالنظر لمتغيرات زمننا الاقتصادية والاجتماعية.

لدينا مشكلة حقيقية مع المرأة وجسدها وحرياتها وممارساتها المختلفة

​​نفس الشيء حين يقوم بعض الآباء، منذ عهد الخلفاء، بوقف أملاكهم على أبنائهم الذكور وأبناء أبنائهم، دونا عن الإناث. في هذا الوقف، وإن كان حلالا، تحايل صريح على النص القرآني الذي يمنح للنساء نصيبا من الإرث. هنا أيضا، لا نسمع أصواتا تنتفض للحفاظ على مضمون النص القرآني وتطبيقه.

اقرأ للكاتبة أيضا: توفيق بوعشرين: ضحايا في قفص الاتهام

هذا دون أن ننسى أن أحكاما إسلامية كثيرة تحدث عنها النص القرآني وتوقف العمل بها، ولا أحد ينتفض اليوم في وجه هذا التعديل. لكن، كلما تعلق الأمر بالمرأة، ينتفض حماة المصالح متذرعين بالنص القرآني.

نفس الشيء يحدث حين نتحدث عن امتهان الجنس؛ حيث يوجه الجميع اللوم للمرأة مهنية الجنس، ولا أحد يلوم الرجل/ الزبون، الذي ـ لو لم يكن ـ لما كانت هناك مهنة تتعلق ببيع الجنس.

وحين نلوم امرأة لأنها مارست الجنس خارج الزواج، فنحن لا نوجه نفس اللوم للرجل الذي مارس معها الجنس، بل قد نشجعه ضمنيا على ذلك لإثبات الفحولة. علما أن الدين لا يحرم الجنس خارج الزواج بشكل حصري على النساء.

نفس الشيء بالنسبة للأمهات العازبات اللواتي أنجبن خارج الزواج. إن حملهن في حد ذاته دليل على علاقة جنسية بين رجل وامرأة أدت إلى حمل. في حالة الاغتصاب، فالمفترض أن الرجل المغتصب وحده مسؤول. وفي حالة علاقة جنسية رضائية، فالمسؤولية تقع على عاتق الاثنين. فما بالنا لا نوجه اللوم بتاتا للرجل الذي تسبب في الحمل اغتصابا أو رضائيا، والذي تخلى فوق ذلك عن طفله؟ أم أن الأخلاق لا تطبق إلا بصيغة المؤنث؟

نصدر فتاوى غرائبية تترجم هوسا مرضيا بالمرأة كائنا وجسدا ونفصل الاجتهادات بهدف محاصرتها

​​حين تدخن المرأة، فهي في نظر الكثيرين "عاهرة"، رغم أن التدخين يضر بصحة الرجل والمرأة على حد سواء، ورغم أن الإشكالية مع السجائر هي صحية وليست أخلاقية بتاتا.

حتى في حالات الاغتصاب والتحرش، نتساءل عن دور المرأة في الحادث وماذا كانت ترتدي، ولا نسائل إلا نادرا مسؤولية الجاني الحقيقي.

اقرأ للكاتبة أيضا: السكن مقابل الجنس

حين يخون الرجل زوجته، يوجه الكثيرون اللوم للعشيقة "التي خطفت الرجل" وللزوجة التي تسببت في الخيانة بسبب إهمالها؛ لكننا نلوم بشكل أقل الزوج الخائن. لكن، هل نتخيل للحظة رد فعلنا إزاء الزوجة الخائنة؟ رغم أن جرح الخيانة هو نفسه الذي يحس به الطرف الضحية، بغض النظر عن انتمائه الجنسي.

الأمثلة كثيرة جدا ومتعددة... أمثلة تثبت بالواضح أن لدينا مشكلة حقيقية مع المرأة وجسدها وحرياتها وممارساتها المختلفة. لا نقيم السلوكيات في المطلق، بل حسب جنس الفاعل. لا ندافع عن القيم النبيلة (العدل، المساواة، إلخ) بقدر ما ندافع عن مصالح اجتماعية أو اقتصادية للرجل. نصدر فتاوى غرائبية تترجم هوسا مرضيا بالمرأة كائنا وجسدا. نفصل الاجتهادات بهدف محاصرتها. لكننا نعتبر كل نقاش حول حقوقها نسفا لثوابت المجتمع وتقاليده. وكأن من ثوابت المجتمع وتقاليده، أن يعاني نصف أفراده من الحيف والظلم والعنف... وأن يلتزم الصمت رغم ذلك. كم هي جميلة ثوابتنا!

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.