مقر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد إغلاقه بالشمع الأحمر الأربعاء.
مقر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد إغلاقه (أرشيف)

بقلم بابكر فيصل بابكر/

تناولت في مقالات سابقة أركان البيعة عند جماعة الإخوان المسلمين، وقمت بنقاش بعض الواجبات المترتبة على أعضاء الجماعة بناء على تلك الأركان. وأقوم في هذا الجزء الأخير بعرض وتحليل نص البيعة الإخوانية، وأقارنها ببيعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ظهرت بيعة الإخوان المسلمين مع نشأة الجماعة عام 1928، حيث أخذ المرشد المؤسس حسن البنا البيعة لنفسه وهو شاب لم يتجاوز عمره 23 عاما، وقد أضحت تقليدا راسخا داخل الجماعة منذ ذلك الحين.

وقد تختلف طريقة أداء البيعة من فرع لآخر في إطار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على الرغم من تطابق صيغتها، إذ يقول عضو مكتب الإرشاد العالمي السابق الدكتور بسام العموش، إن البيعة في الأردن تتم على مرحلتين: الأولى عند قبول الانتساب للجماعة، والثانية عند الترقية إلى مراتب قيادية في الجماعة كعضوية مجلس الشورى، حيث تتم البيعة للمراقب العام.

لن تخرج جماعة الإخوان المسلمين للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث

​​ويقول نص البيعة: "أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديا مخلصا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى أثرة علي، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والله على ما أقول وكيل، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما".

إن العلاقة التي تنشأ بين التنظيم/المرشد والعضو المبايع (بكسر الياء) وفقا للنص أعلاه تضع اللبنة الأساسية للتحول الذي سيقع على ذلك العضو على المستويين العقلي والتنظيمي. فعلى المستوى العقلي سيتحول العضو بمجرد أداء البيعة إلى "جندي مخلص" في أتم الإستعداد لتنفيذ جميع الأوامر والتعليمات، وعلى المستوى التنظيمي فإنها تكرس لتبعيته الكاملة للجماعة ولقيادتها ممثلة في المرشد أو المراقب العام الذي تمت مبايعته.

اقرأ للكاتب أيضا: في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (1)

وبالنظر لنص البيعة فإننا نجد أنه يؤسس لمبدأ السمع والطاعة "على أن أسمع وأطيع" كقاعدة لتشكيل العلاقة بين العضو والمرشد، وهى علاقة تابع بمتبوع، لا مجال فيها للإختلاف والتباين في الآراء. فالأوامر تتنزل من أعلى إلى أسفل، وحتى إذا وجدت مؤسسات تنظيمية عليا تتداول في تلك الأوامر مثل مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى فإن القاعدة العظمى من عضوية الجماعة لا تكون جزءا من تلك المداولات وإنما هي أدوات لتنفيذ الأوامر.

ومن ناحية أخرى، فإن عضو الجماعة يتعهد بالطاعة تحت كل الظروف "العسر واليسر والمنشط والمكره" ومعلوم أن المنشط هو الأمر الذي يقوم به المرء بأثرة ورغبة، بينما المكره هو ما يؤديه مكرها، وهذا يعني أنه سيقوم بتنفيذ الأوامر في جميع الأحوال ولا يستطيع التملص منها حتى وإن لم يك مقتنعا بها في قرارة نفسه.

كذلك يتعهد العضو بتقديم مصلحة الجماعة كما تقدرها وتقررها القيادة على مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته "وعلى أثرة علي"، وهذا أمر في غاية الخطورة لأن تقديرات المصلحة التي لا يتم التدوال حولها بطريقة حرة وأسلوب جماعي، ستنحرف حتما لتمثل مصالح فئة محدودة وتخدم أغراض دوائر معينة.

وهذا العضو يقوم أيضا بالتنازل طوعا عن حقه في التفكير وإبداء الرأي في مختلف القضايا ويمنح هذا الحق حصريا للمرشد أو القيادة "وعلى ألا أنازع الأمر أهله"، وهذا الجانب من جوانب البيعة يفسر قيام الأعضاء بتنفيذ مهام قد لا يدركون عنها شيئا بسبب تنازلهم عن حقهم في المعرفة، وهذه المهام يمكن أن تكون على قدر عال من الخطورة بما في ذلك الاغتيال.

ويذكر المؤرخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه "الإخوان المسلمون والتنظيم السري" أن عضو الجماعة عبد المجيد حسن الذي نفذ عملية اغتيال "محمود فهمي النقراشي" قد ذكر في أقواله إن أشد وسائل التأثير وقعا عليه كانت: الدراسات الروحية والبيعة والاعتقاد بمشروعية الأعمال.

اقرأ للكاتب أيضا: في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (2)

وتتمثل أهمية هذا العنصر من عناصر التأثير، كما يقول الدكتور عبد العظيم، ليس فقط فى دفع عبد المجيد حسن إلى اغتيال النقراشي دون إحجام أو تردد وكما رسم له وإنما تتمثل فى أن زوال هذا العنصر فيما بعد قد دفع عبد المجيد حسن إلى الاعتراف بكل ما صدر عنه.

فحين أطلع النائب العام عبد المجيد حسن على البيان الذي أصدره حسن البنا وفيه يظهر أسفه على حادث اغتيال النقراشي وفيه معنى استنكار الجريمة، كان لهذا البيان أثر كبير فى حمله على الاعتراف، فمع تمسكه فى البداية بالإنكار إلا أن مفعول البيان دفعه إلى التفكير ثم الاعتراف.

ستلجأ جماعة الإخوان المسلمين للانقلاب على العملية السياسية إما بالعمل العسكري المباشر أو بواسطة الإحلال والتمكين الحزبي داخل جهاز الدولة

​​قد أسهم بيان حسن البنا في استعادة عبد المجيد حسن لوعيه الذي تم استلابه تحت تأثير البيعة، وأدرك الأخير أن القيادة التي منحها عقله وتنازل لها طوعا عن حقه في المعرفة والتفكير قد غررت به ودفعته للقتل ثم تنصلت عن مسؤوليتها عن كل ذلك!

إن أخطر التعهدات التي يقسم العضو على القيام بها تتمثل في التزامه بأن يبذل دمه في سبيل الله "أن أبذل جهدي ومالي ودمي فى سبيل الله"، فمن المعلوم أن عبارة "في سبيل الله" هى عبارة مبهمة. وقد تبين من خلال ما أسلفنا ذكره في استعراضنا لأركان البيعة أن محتوى هذه العبارة يحدده المرشد وقيادة التنظيم، وبالتالي فإن العضو سيتورط في استخدام العنف وإراقة الدماء بحسب توجيهات صادرة عن بشر مثله تحركهم دوافع مختلفة من بينها أسباب ذاتية ومطامح ومطامع شخصية مرتبطة بالقوة والنفوذ وليست بالضرورة في سبيل الله.

اقرأ للكاتب أيضا: في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (3)

وقد رأينا كيف أن القيادة ورطت عبد المجيد حسن في اغتيال النقراشي ثم تنصلت عن مسؤليتها في ذلك، وكذلك رأينا المرشد المؤسس حسن البنا يغسل يده من أعضاء الجماعة الذين نفذوا عملية اغتيال المستشار الخازندار ويقول عبارته الشهيرة "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"!

وربما لا يندهش المرء إذا علم أن نص البيعة الإخوانية لا يختلف كثيرا عن محتوى البيعة لدى الجماعات العنيفة المتطرفة، فالغرض إلغائي كما تبين من استعراضنا المطول له وهو إحكام السيطرة على العضو وسلب إرادته في مقابل إرادة المرشد وبالتالي تحويله لأداة قابلة لتنفيذ الأوامر دون لجاج أو تردد بما في ذلك أوامر القتل.

يقول نص بيعة تنظيم "داعش": "أبايع خليفة المسلمين أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي الفاطمي على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ولا أخالف السمع والطاعة إلا أن أرى كفرا بواحا عندي فيه من الله برهان والله على ما أقول شهيد".

أخلص في الختام وبعد تحليل نص وأركان البيعة وواجبات العضو عند جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن الجماعة حتما لن تخرج للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث، ومن بينها ميزة النقد واحتمال الاختلاف وتنوع الآراء، بل ستفرخ جنودا مقاتلين مطيعين لقائد كتيبتهم وأصحاب عزيمة ومضاء في التضحية وتنفيذ الأوامر العليا بجدية وبسالة.

ما دامت المنظومة الفكرية للجماعة وما يرتبط بها من تشكيلات تنظيمية تبنى على مفاهيم تتعارض مع مبادئ العمل الديموقراطي بالكامل فإنه يصبح من المستحيل أن تلتزم الجماعة أو الأحزاب المنبثقة عنها بالعملية السياسية التعددية وبقواعدها التي تسمح بالتنافس الحر والتداول. وستلجأ حتما للانقلاب عليها إما بالعمل العسكري المباشر أو بواسطة الإحلال والتمكين الحزبي داخل جهاز الدولة عند الوصول للسلطة عبر صندوق الاقتراع أو بكلتا الوسيلتين كما حدث في السودان.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.