فلسطينيات يعتصمن ضد ما يسمى بـ "جرائم الشرف" (أرشيف)
فلسطينيات يعتصمن ضد ما يسمى بـ "جرائم الشرف" (أرشيف)

بقلم د. عماد بوظو

إطلاق تسمية نبيلة على فعل مشين هي الخطوة الأولى باتجاه تبريره أو التشجيع عليه، وأوضح مثال على ذلك ما اصطلح على تسميته جرائم "الشرف". فحسب المعنى المباشر تدل هذه العبارة على القيام بعمل غير مسموح به قانونيا، ولكن الدوافع التي قادت إليه كانت شريفة. وبما أن اللغة هي وعاء الفكر فالتسمية التي يتم إطلاقها على فعل ما تلعب دورا رئيسيا في تشكيل النظرة العامة أو المجتمعية له. يستخدم مصطلح جريمة الشرف في المنطقة العربية عند إقدام رجل على قتل امرأة من عائلته أو قبيلته بسبب مسلكها أو بشبهة أو تهمة الإقدام على علاقة عاطفية أو جنسية مع رجل غريب.

في كل العالم ومختلف الثقافات هناك شعور الرجل أو المرأة بالغيرة على شريكه أو زوجه أو حبيبه والتي تعتبر حالة إنسانية طبيعية، والتي قد تصل في حالات إلى درجة ارتكاب جريمة، خصوصا إذا أقام أحد الطرفين علاقة عاطفية أو جنسية مع شخص آخر. وفي هذه الحالات لا فرق بين الرجل والمرأة فهناك جرائم قتل ارتكبها رجال غيورين كما أن هناك جرائم مماثلة ارتكبتها نساء غيورات.

من يطلق على هذا الفعل الشنيع اسم "جريمة شرف" يكون محرضا وشريكا في هذه الجريمة

​​لكن جرائم الشرف التي تقتصر على هذه المنطقة من العالم هي قتل الأخت أو الابنة أو الأم أو القريبة الأبعد ليس بسبب غيرة الذكر على أنثاه، بل هي عملية قتل لأسباب اجتماعية ليست لها دوافع عاطفية. كما أن ضحايا هذه الجرائم تقتصر فقط على النساء، فهذه العائلات أو العشائر لا تشعر بالغضب أو العار إذا كان للابن أو الأخ علاقة عاطفية أو جنسية مع أنثى غريبة، بل قد تشعر بالفخر نتيجة لذلك لأنها تنظر للموضوع باعتباره عملية غزو على حمى عائلة أو قبيلة أخرى. وفي هذه المجتمعات تعتبر نساء العائلات والقبائل الأخرى جزءا من ممتلكات ومتاع تلك القبائل.

ورغم أن الميل والانجذاب المتبادل بين الذكر والأنثى فطرة طبيعية موجودة عند الجنسين منذ الطفولة، ورغم أن الغريزة الجنسية موجودة عند كل البشر وهي سر استمرار الحياة والمحافظة على النوع عند الإنسان والحيوان، إلا أنهم في هذه المجتمعات ينظرون للحب والجنس باعتباره تدنيسا أبديا للأنثى يلاحقها دائما وتعتبر مسؤولة عنه وتلام على أي علاقة مرت بها مهما كانت بسيطة أو عابرة بعكس الذكر. ونتيجة لذلك فإنهم، في هذه المجتمعات، يستقبلون بفخر ظهور معالم الرجولة على أبنائهم، بينما يترقبون بمشاعر الخوف والانزعاج ظهور علامات الأنوثة على بناتهم، وكأنها مؤشر على بداية مرحلة من المتاعب والمشاكل تنتظر العائلة ويبدأ أفرادها بالتحفز واتخاذ الاحتياطات وتشديد الرقابة على سلوك وثياب ومظهر الفتيات.

اقرأ للكاتب أيضا: تنافس دول محور الشر في الاغتيال السياسي

تنتشر جرائم الشرف في الكثير من الدول خاصة مصر والأردن والعراق والسعودية وسورية واليمن وفلسطين وباكستان. وفي أغلب هذه البلدان تم سن قوانين توفر ظروف مخففة وحماية للقتلة إذا أثبتوا أن دافعهم كان "شريفا". هذه الدول جميعها إسلامية وأغلبيتها المطلقة عربية، لكننا لا نجد في القرآن أي إشارة إلى عقوبة القتل حتى على فعل الزنا المثبت بالشهود أو الاعتراف، كما أن باب التوبة في القرآن مفتوح حيث يجد الله لهن مخرجا، ويبدل لهن سيئاتهن حسنات. مما يعني أن التركيبة القبلية والعشائرية المغلقة لهذه المجتمعات هي التي أدت لهذا الموقف المتزمت من المرأة وليس الإسلام القرآني، ولكن هذا الموقف المتزمت وجد طريقه فيما بعد إلى كتب رجال الدين المسلمين المتأخرين والتي يدور أغلبها حول الجنس والنساء. 

وعلى الرغم من أن التركيبة النفسية للبشر في المجتمعات المغلقة والفضولية، مع ما يرافقها من ممارسة النميمة قد لعبت دورا لا يمكن إنكاره في خلق الأرضية والتحريض على هذه الجرائم، لكن اللغة كان لها دورها أيضا.

هناك مفردات أخرى لعبت دورا في التمهيد لهذه الجرائم مثل "العار"

​​فمجرد استخدام مصطلح جرائم الشرف لوصف عمليات القتل هذه يعتبر مؤشرا على قبولها وتحريضا على القيام بها، رغم أن مفهوم الشرف لغويا يعني التمتع بالصفات الحميدة كالصدق والأمانة بحيث يحوز الشريف على ثقة محيطه. ويشمل المفهوم أيضا الكرامة والنزاهة والمروءة والشجاعة، وكذلك الاستقامة والدفاع عما يؤمن به الإنسان أو يراه حقا، حتى لو كلفه ذلك ثمنا أو تطلب منه تضحية. كما تعني عدم الاستقواء على الأضعف اقتصاديا أو اجتماعيا أو عضليا، والقتال بشرف يدل على معارك متكافئة، والموت بشرف يعني التضحية بالحياة في سبيل قضية يؤمن بها رغم معرفته مسبقا بأن المعركة ليست في صالحه. ومفهوم الشرف هذا يشمل الذكر والأنثى.

وضمن هذا التعريف للشرف فإن تعاون مجموعة من الذكور الأقوياء على قتل أنثى أصغر حجما وأضعف بنية لا تتماشى مع الشرف بل تتناقض معه تماما، كذلك إقدام عائلة على قتل أحد أفرادها إرضاء للمجتمع أو لكف ألسنة هذا المجتمع عنها.

كما أن هناك مفردات أخرى لعبت دورا في التمهيد لهذه الجرائم مثل "العار"، والتي تعني لغويا العيب أو ما يعير به الإنسان. ووصمة العار هي فعل مشين قام به شخص في الماضي وبقيت ذكراه مطبوعة بعقول الآخرين والمجتمع لتلاحقه طوال العمر. ومن نفس مصدر كلمة العار هناك العري أي التجرد من الثياب، والعورة وهي المناطق التي يحرم كشفها للغرباء، مما أدى لربط العار بقضايا ذات علاقة بالجسد وخاصة جسد الأنثى عند هذه المجتمعات.

وهناك مفردة أخرى وهي "الفضيحة" والتي تكشف الطبيعة الحقيقية للمجتمعات المغلقة الضيقة. فالفضيحة هي معرفة الآخرين بالفعل المعيب وليس حدوثه. وفي بعض الحالات تكون الفضيحة نتيجة ادعاءات كاذبة أو سوء فهم الآخرين لملابسات موقف ما. فضمن مفهوم الفضيحة تكون القضية الكبرى التي لم يعلم بها أحد أو لم تصل أخبارها للغرباء لا قيمة لها أو قيمتها لا تذكر ويمكن تجاوزها، بينما قد تصبح قضية صغيرة بالغة الأهمية إذا وصلت لألسنة هذا المجتمع، إذ بذلك تحدث الفضيحة.

تطور التكنولوجيا الحديث المتسارع مع بقاء المجتمع والعشيرة والحي على واقعه الراهن أدى إلى زيادة هذه المشاكل والجرائم

​​وهناك مفردات مرتبطة بما سبقها مثل مداراة الفضيحة أو غسل العار والتي تضاف للتحريض على أمثال هذه الجرائم، وفي نفس السياق هناك تشبيهات لغوية تستخدم في هذه المجتمعات حول نفس الموضوع مثل سير الرجال بين الناس والرأس مرفوع أو منخفض حسب سلوك ومظهر نساء العائلة أو العشيرة.

التحليل السائد يقول إن تركيبة المجتمع وثقافته تنعكس من خلال لغته، ولكن هناك أيضا من يقول إن اللغة تسهم في تكوين الفكر الجمعي، وإن صياغة بعض الأفكار بمفردات معينة يدفع للتعامل معها بطريقة مختلفة، كما هو واضح عند استخدام عبارة غسل العار أو جريمة شرف.

اقرأ للكاتب أيضا: ملابسات الضربة الأميركية التي أحرجت وأغضبت بوتين

وتلعب اللغة عند العرب دورا استثنائيا في تكوين ثقافة هذه الأمة التي يتمحور تاريخها حول الشعر والنثر الذي لعب الدور الرئيسي في تكوينها النفسي. ويقال في تاريخ العرب أن هناك من قتلته كلمة كبشار بن برد أو الحلاج، وكذلك المتنبي عندما كان يريد الهرب من معركة خاسرة فذكره غلامه بأحد أشعاره، فرد عليه قتلتني قتلك الله ولم يهرب فقتل. وهذا يوضح مكانة اللغة عند هذه المجتمعات وأهمية عدم استخدام وتداول المفردات التي تحرض على هذا النوع من الجرائم.

رغم أن إلغاء الأسباب المخففة لهذه الجرائم الوحشية خطوة جيدة ولا بد منها، ولكن الآثار المترتبة على ذلك ستبقى محدودة بسبب حالة التواطؤ العائلي في هذه الجرائم، لأنها في جوهرها عمليات قتل مع سبق الإصرار والترصد. فأغلب هذه الجرائم يتم التخطيط لها بهدوء في العائلة أو العشيرة ويتم تقاسم المهمات بدقة وتوزيع الأدوار بين المشاركين. أحيانا يدعون كذبا بأن من قام بعملية القتل هو فتى قاصر أو غير مسؤول حتى يحصل على حكم مخفف.

وفي حالات أخرى يتفق الجميع على رواية للحادثة يتم فيها اختلاق أسباب أخرى للوفاة، وفي بعض الأحيان يتم إصدار شهادات وفاة بأسباب طبيعية لقتيلة بالرصاص أو بالسكين في تواطؤ يشترك فيه كامل المحيط من أطباء وأفراد شرطة ورجال قضاء، ويرون في عملهم هذا حرصا على سمعة عائلة وعشيرة الضحية، ولذلك فإن تشديد العقوبة بدون معالجة الأساس الاجتماعي والنفسي للمشكلة سيكون ذا أثر محدود على استمرار وانتشار هذه الجرائم. 

ومن اللافت أن تطور التكنولوجيا الراهن أدى إلى ظهور مشاكل جديدة في هذه المجتمعات. فقد ظهرت جرائم لها علاقة بالهواتف الجوالة سببها مثلا وجود أرقام غريبة أو صور أشخاص على هاتف الأخت أو الابنة. أو بسبب شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وإمكانيات التشات والتواصل السمعي والبصري عبر هذه الوسائل بين الذكور والإناث. لذلك أضيف لمهام الأسرة مراقبة هذه الأجهزة عند بناتها.

وظهرت جرائم أخرى مثل ابتزاز النساء بنشر صور لهن عبر شبكة الإنترنت أو التهديد بإرسالها للأهل، أي أن تطور التكنولوجيا الحديث المتسارع مع بقاء المجتمع والعشيرة والحي على واقعه الراهن أدى إلى زيادة هذه المشاكل والجرائم وتشعبها بدل التقليل منها. 

ولذلك على خبراء اللغة العربية البحث عن مفردات أخرى لوصف المواقف وتوضيحها. فاحمرار وجه امرأة من كلمة إطراء أو نظرة إعجاب لا يمس "شرفها". كما أن شعورها بأنوثتها وتسارع نبضات قلبها أمام أحدهم لا يجلب لها ولعائلتها "العار"، وابتسامها في وجه شاب خلال طريقها لمدرستها أو تلقيها رسالة من معجب ليس "فضيحة". واعتنائها بنفسها وحرصها على أن تبدو دائما جميلة لا علاقة له "بسمعتها"، لأن استعمال هذه الكلمات هو مساهمة في بقاء هذه التركيبة الاجتماعية المريضة، وعليهم البحث عن تسمية تناسب قتل أمثال هؤلاء الفتيات والسيدات لأن من يطلق على هذا الفعل الشنيع اسم "جريمة شرف" يكون محرضا وشريكا في هذه الجريمة.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.