أحد الأنفاق التي تم اكتشافها عند الحدود بين قطاع غزة واسرائيل (أ ف ب)
أحد الأنفاق التي تم اكتشافها عند الحدود بين قطاع غزة واسرائيل (أ ف ب)

بقلم محمد المحمود/

لا يماري أحد في مشروعية النضال بنوعيه: السلمي والعنفي، ضد احتلال الأوطان، أيا كانت هوية/ طبيعة/ مصدر هذا الاحتلال. وهذا الحق في النضال صادر عن الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس ضد أي عدوان، باعتبار الاحتلال الخارجي الذي يتوسل القوة المسلحة، ومن ثم مصادرة السيادة، أوضح صور العدوان على مواطني البلد المحتل، وإن لم يكن أسوأها في كل الأحوال.

هذا من حيث المبدأ، ومن حيث الحق العام، ومن حيث التنظير الكلي للوقائع المجردة؛ بعيدا عن التفاصيل المرتبطة بالمتعينات الواقعية ذات الأبعاد المتعددة المتنوعة، والتي قد تتقاطع فيها الحقوق، وتختلف فيها زوايا الرؤية؛ فلا يمكن توصيفها حينئذ إلا بلغة النسبيات المتحولة سياسيا وقانونيا وأخلاقيا. ولهذا، وانطلاقا من هذا المبدأ الكلي المتعالي على خصوصية الوقائع، نصت المواثيق الدولية على هذا الحق، وأكدت على ضرورة دعم أصحابه بكل صور الدعم المادي والمعنوي، في مقابل إدانة كل صور العدوان بالاحتلال.

تبقى المشكلة في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان؛ كما يقال. مثلا، أكثر النزاعات في عالمي الأمس واليوم؛ إنما تكون على مناطق حدودية، تدعي كل طائفة أن الطرف الآخر يحتلها بغير وجه حق، وأنها تبعا لذلك قد أصبحت مشروع/ ميدان نضال. لكن، من المؤكد أن الاحتلال في مثل هذه الحال نسبي؛ حتى ولو كان كل طرف يتعاطى معه بلغة قطعية يقينية حاسمة لا تقبل ـ عنده ـ أي جدال.

كي يبرر بعضهم لقتل المدنيين؛ يستخدم لغة اللوازم التي يحيل بواسطتها "المدني" إلى "غير مدني"

​​​​وتدخل في مثل هذا الاشتباك الاستشكالي تلك الأوطان التي تتنازعها الهويات الدينية والمذهبية والعرقية، حيث ترى بعض "الهويات الكبرى" أنها هي الهوية العامة الحاكمة، وأن استقلال "الهويات الفرعية/ الجزئية" في أوطان مستقلة ذات سيادة، يمثل نوعا من الاحتلال الجزئي لأرض الوطن الأم؛ خاصة وأن مثل هذا الاستقلال سيتبعه بالضرورة نزاع على مناطق محايدة، أو شبه محايدة، يدعي كل فريق أنها جزء لا يتجزأ من "أرض الوطن"!

اقرأ للكاتب أيضا: التصور العربي للاستعمار الغربي

ثمة تفصيل آخر يؤشكل المسألة على نحو أشد تعقيدا، يتحدد في طبيعة الوسائل المستخدمة في كل نوع من أنواع الاحتلال. هل "كل عنف نضالي" يصبح مشروعا في سبيل التصدي لـ "كل نوع احتلالي"؛ حتى لو كان هذا العنف النضالي ينتهك حقوق الإنسان الأولية؟ وإذا كان كل عنف مشروعا (ويستحيل ذلك سياسيا وقانونيا وأخلاقيا)؛ فهو مشروع ضد أي نوع من أنواع الاحتلال، خاصة وأن الاحتلال يختلف حتى في درجته؛ كما يختلف في نوعه؟ فمثلا، العنف المسلح/ القتل، هل يجوز توجيهه حتى للمدنيين من مواطني المحتل؟ وإذا جاز، فهل يجوز من منطق سياسي أم من منطق قانوني، أم من منطق أخلاقي؟ وماذا إذا تعارض منطق مع منطق (مثلا، سياسي مع أخلاقي)؟ وإذا جاز العنف/ القتل في أي منطق منها، فهل يجوز تنزيله على أي واقعة احتلالية؟ ثم، هل ما يجوز في احتلال شرس كامل واضح المعالم... إلخ، يجوز مثله في احتلال يقرره دعاة الانفصال مثلا؟... إلخ الأسئلة التي تبحث في التفاصيل المربكة، ليس بتنوعها وتضادها فقط، وإنما أيضا المربكة بتحولاتها التي تعيد صياغة المعادلات السياسية والحقوقية في كل آن.

منذ سبعين عاما والفلسطينيون يعانون ويلات الاحتلال الإسرائيلي لمناطقهم التي يرونها وطنا أصيلا. طبعا، المسألة لديهم واضحة جدا: غرباء لا حق له في الأرض، جاءوا من بعيد؛ ليقيموا على أرضهم وطنا قوميا. ليست هذه رؤية الفلسطينيين فقط، بل هي رؤية العرب والمسلمين لهذه القضية. المشكلة أنها رؤية مجملة، لا تقبل التفصيل، إلا تفصيلا يؤكد المجمل.

بناء على هذه الرؤية الكلية الخاصة دخل الفلسطينيون في مرحلة نضال من داخل الأراضي الفلسطينية ومن خارجها. وبينما أيدهم العالم ـ بمؤسساته وهيئاته الدولية في بعض مسارات نضالهم؛ عارضهم في بعضها؛ لأكثر من اعتبار سياسي وإنساني.

لا شك أن فلسطين كانت ولا تزال ـ تمثل جرحا نازفا في ضمير الوعي العربي والإسلامي. بل هي قضية معنى، قضية تستفز مفهوم الشرف، هذا المفهوم الذي حولها إلى أكثر من مأساة واقعية، أي إلى إهانة مستمرة، تجعل العربي/ المسلم لا يستطيع التعاطي معها بأدنى مستويات التفكير العقلاني. عند التعامل معها بأي مستوى؛ تتقدم العواطف الملتهبة التي تتصاعد في كثير من الأحيان إلى ما يشبه الجنون؛ لتكون سيدة المشهد، ولتكون من وراء ستار ـ سيدة القرار!

لكن، تفهم الحالة العاطفية التي يجري استفزازها بالظلم والإهانات الحقيقية أو المتوهمة؛ هل يعني تشريع/ تأييد كل صور الرد؛ حتى ولو كانت بعض الردود تشكل انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان؟ هل خطأ (الآخر) يمنحني شيكا حقوقيا وأخلاقيا على بياض؛ لتكون كل تصرفاتي صوابا؟ وإذا منحت بنفسي لنفسي هذا الشيك الحقوقي المفتوح؛ فهل أستطيع إقناع "بنك الوعي الدولي" بأنه شيك يمتلك رصيدا في حدود المتاح؟

عندما تشاهد وتسمع ما تقوله القنوات الفضائية العربية الجماهيرية عن الشأن الفلسطيني؛ تدرك أن العرب لا زالوا يفكرون بعاطفة غوغائية هوجاء؛ ترمي بهم خارج منطق السياسة وخارج منطق الأخلاق. مثلا، تعلق أشهر هذه القنوات الغوغائية على إقدام أحد الفلسطينيين على طعن عدة (مدنيين) في محطة قطار بقولها: "وكان الشهيد قد قام بقتل خمسة وجرح سبعة في محطة القطار، قبل أن تطلق عليه شرطة الاحتلال النار".

هكذا، أمام مرأى ومسمع من العالم كله، تبجل الغوغائية الإعلامية العربية قتل المدنيين في محطة قطار مدنية، وتضع هذه العملية الإرهابية في سياق النضال؛ جاهلة أو متجاهلة أنها بهذا السلوك الأحمق تسيء إلى النضال الفلسطيني، إذ تنقله من كونه نضالا مشروعا؛ ليصبح إرهابا صريحا.

إن أبسط وأوضح وأشهر تعاريف الإرهاب هو التعريف الذي يحدد الإرهاب في أنه: "العمل العنفي الذي يستهدف الفضاءات المدنية/ المدنيين لإثارة حالة رعب يتم استثمارها كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية". فهل يخرج قتل المدنيين اغتيالا في محطة قطار أو في حافلة عن هذا التعريف الواضح؟ وهل يكفي مجرد الاحتلال كواقعة عامة وإشكالية؛ ليبيح (كل شيء)، حتى ولو وصل الأمر لقتل المدنيين، بل والأطفال؟

أمام مرأى ومسمع من العالم كله، تبجل الغوغائية الإعلامية العربية قتل المدنيين في محطة قطار مدنية

​​طبعا، تلك القنوات الإعلامية العربية لم تفعل هذا استنادا إلى مبدأ ذاتي خاص، وإنما تفعل ذلك بالتماهي مع مبدأ جماهيري راسخ، ويترسخ  بإعادة تدويره في الأعماق. أي هي لا تعبر عن إيمانها الخاص (ولو كان الأمر كذلك لربما كان أهون)، وإنما تعبر عن إيمان/ وعي جماهيري تلعب بغوغائيتها على أوتاره المعطوبة، إنه وعي جماهيري تغذيه ويغذيها بالحماقات السياسية وبالسقطات الأخلاقية/ الإنسانية التي تحيلناـ كأصحاب قضية مشروعةـ إلى مجرد همج متوحشين إرهابيين لا نستحق أي تعاطف، فضلا عن الاحترام.

لا تتوقف المشكلة/ المأساة السياسية والأخلاقية هنا، أي في حدود الردح الإعلامي الغوغائي الذي يقترب من أن يكون همجيا، بل يحاول بعضهم التبرير لهذا الإعلام الغوغائي، ومن ثم لهذا الفعل الإرهابي، بلغة "اللوازم التسلسلية"، والتي بها تستطيع تحويل كل الأبرياء إلى مدانين بالجرم المشهود.

اقرأ للكاتب أيضا: هل أنت عنصري؟

وبهذه اللغة أخذ كل الإرهابيين يبررون كل أفعالهم. وبطبيعة الحال ينجح الإرهابيون في استخدام هذه اللغة؛ فيمررون خطابهم على جماهير السذج، وينجح المبررون لهم؛ لأن درجة التفكير العقلاني عند المتلقي تنخفض في السياق عاطفي إلى أدنى مستوياتها؛ فيصبح رهين اللغة العاطفية التي تشبع حاجاته العاطفية؛ نافرا عن لغة العقل والبرهان، وعن لغة السياسة/ لغة الواقع، وعن لغة الأخلاق/ لغة الإنسان.

كي يبرر بعضهم لقتل المدنيين؛ يستخدم لغة اللوازم التي يحيل بواسطتها "المدني" إلى "غير مدني". وبالتالي؛ يصبح قتله مبررا؛ لأنه أصبح كالمقاتل في ميدان المعركة؛ فهو قاتل أو مقتول. وكما برر ابن لادن قتله المدنيين الأبرياء في أميركا ـ مستخدما لغة التلازم ذاتها ـ بكونهم موطنين أميركيين، يدفعون ـ بالضرورة ـ ضرائب للحكومة الأميركية، التي تستخدم جزءا من هذه الأموال لتمويل الحملات العسكرية، وكما بررت "دولة داعش" إحراق الطيار الأردني المأسور بكونه قائدا لطائرة حربية تلقي قنابل حارقة (إحراق مقابل إحراق)؛ برر بعضهم قتل المدنيين الإسرائيليين بكونهم وبمجرد الاستيطان فقط عناصر احتلالية معتدية. ومن ثم فهم في التدافع الصراعي، يجب أن يعاملوا كالجنود الإسرائيليين المباشرين للقمع الاحتلالي سواء بسواء!

لكون التفكير هنا عاطفي جدا، فهو يعاين كل تفاصيل وقائع الاحتلال والاستيطان برؤية تبسيطية مختزلة جدا منغلقة على الأوهام الخاصة، وذلك عبر ثنائية: أبيض ـ أسود، صح ـ خطأ، محتل ـ صاحب أرض... إلخ، بينما يعرف الجميع أن الوقائع السياسية وقائع مركبة؛ مهما كانت واضحة، والتركيب يستلزم النسبية، ولا رؤية سياسية خارج المنطق النسبي. ما يعني أن تلك اللغة التبسيطية المتخمة بالثنائيات الضدية تقع خارج منطق الرؤية السياسية، فضلا عن كونها تقع خارج لغة القانون والأخلاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.