شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضروص الثاني (أرشيف)
شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضروص الثاني (أرشيف)

بقلم توفيق حميد/

بين الحين والآخر يخرج علينا أحد الشيوخ سواء كان سلفيا مثل المدعو ياسر برهامي، أو أزهريا مثل الشيخ عبد الله رشدي بتصريح مفاده أن المسيحيين كفرة!

وللأسف الشديد إن الأمر لا يقف فقط عند حدود هؤلاء المشايخ، بل يتعداه إلى نسبة ليست بقليلة من المجتمعات الإسلامية والتي تؤمن بنفس الفكر.

الأمر برمته مثير للغثيان لأن الكافر في المفهوم التقليدي للشريعة الإسلامية لا بد من قتاله حتى يذعن للإسلام. ويراه، للأسف الشديد، العديد من "الفقهاء" حلال المال والدم وأحيانا حلال العرض.

شيء بشع ومقزز حتى لمجرد مناقشته، لكنني مضطر أن أناقشه لكي أطرح فهما آخر لهذه المسألة يقضي على اتهام المسيحيين بالكفر بصورة نهائية.

يقف المسلم البسيط حائرا بين قلبه الذي يرى أن المسيحي الطيب الذي يعامله برحمة وإنسانية، ويؤمن بوجود إله ويوم حساب مثله لا يمكن أن يكون كافرا، وبين آراء الشيوخ والتي يدعمونها بآيات من القرآن بأن المسيحيين "كفرة".

فلو كان القرآن يرى أن المسيحيين (واليهود) كفرة لما أباح الزواج منهم

​​ومن أكثر الآيات التي يستخدمها رجال الدين في هذا المضمار هي آية {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ} وآية {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}.

والآية الأولى ذكرت في سورة المائدة آية 17 وآية 72، أما الآية الثانية فقد ذكرت في نفس السورة آية 73.

اقرأ للكاتب أيضا: من سيدخل الجنة: الشيخ الشعراوي أم ستيفن هوكينغ؟

والآن سأتطرق للآية الأولى والتي دأب الإسلاميون على استخدامها لتكفير الإخوة المسيحيين، ولن أجد ما أبدأ به أفضل من قول العلامة الشوكاني في كتابه "فتح القدير" حين قال في هذه الآية إن ضمير الفصل في قوله: {هُوَ ٱلْمَسِيحُ} يفيد الحصر؛ أي أن {ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ} لا غيره، أي أن التعبير حدد الذات الإلهية في جسد المسيح "فقط".

والحقيقة أن أغلب المسيحيين لا يرون أن الله محدد "فقط" في جسد المسيح، بل بالحقيقة هم يرون الله في ثلاثة أقانيم أو تجليات، فهو الإله الخالق السرمدي غير المنظور أو الآب (وهي كلمة آرامية تعني الله) وهو أيضا الإله المتجلي في شخص المسيح (أو ما يسمى مجازا بالابن) وبالإضافة إلى ذلك فهو الروح التي تعيش فينا (أو الروح القدس).

أو بمعنى آخر فإن المسيحيين لا يحددون الله "فقط" في جسد المسيح لكي تنطبق عليهم الآية المذكورة.

ولكي أوضح هذا الأمر سأضرب مثلا لغويا بسيطا وهو أنه إن قال قائل بأن "الماء بخار" فهو يختلف كلية عن القول بأن "البخار ماء".

فالمعنى الأول "الماء بخار" خطأ لأنه "يحدد" صفة الماء في صورة غاز فقط، ويلغي وجود صور أخرى له مثل الماء السائل والثلج المجمد، أما المعنى الثاني وهو أن "البخار ماء" فهو صحيح لأن البخار في حقيقته هو ماء، ولأن التعبير لم يلغ وجود صور أخرى للماء مثل السائل والثلج المجمد كما ذكرنا.

وذلك المبدأ ينطبق تماما على المفهوم بأن القرآن رفض فقط تعبير أن "الله هو المسيح" لأنه يحدد الله "فقط" في الجسد، ويلغي وجود صور أخرى للذات الإلهية.

باختصار شديد هناك فارق لغوي كبير بين تعبير "الله هو المسيح" وهو يحدد الإله فقط في الجسد، وبين تعبير بأن "المسيح هو الله" وهو ما لا يلغي صور الله الأخرى، والقرآن اعتبر "الكفر" فقط في الحالة الأولى أي التحديد في الجسد.

ولذا فإن المسيحيين الذين يرون أن الله ليس محددا فقط في الجسد، وأنه يتجلى في أكثر من صورة فهم ليسوا كفارا تبعا للقرآن.

أما الآية الثانية وهي {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} فهي تتكلم عن ثلاثة آلهة مختلفة وليس ثلاث صور لإله واحد كما يؤمن أغلب وإن لم يكن كل المسيحيين.

على سبيل المثال ذكر القرآن تعبيرا مشابها لـ "ثالث ثلاثة" وهو تعبير "ثاني اثنين" حينما تكلم عن خروج محمد عليه السلام من مكة مع صاحبه، فقال "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا".

أتباع المسيح أو لغويا "المسيحيين" ليسوا كافرين بل هم في منزلة عالية جدا عند الله

​​وهنا نقف لحظة أخرى أمام التعبير اللغوي "ثَانِيَ اثْنَيْنِ".

فتعبير "ثاني اثنين" يتحدث عن شخصين مختلفين تماما ـ هما محمد وأبو بكر الصديق وكذلك الحال في قوله (لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله "ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ") فهي تتحدث عمن يعبد "ثلاثة آلهة مختلفة" وليس من يقول بأن الله هو واحد ويتجلى في ثلاث صور كما يؤمن أغلب الإخوة المسيحيين.

أما الحجة الثالثة هنا فهي أن القرآن فرق بوضوح بين "الكافرين" وبين ما يسمى في القرآن "أهل الكتاب" أو بمعنى آخر المسيحيين واليهود، فقد حرم القرآن الزواج من "الكفار" فقال "وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ" في حين أنه أباح الزواج من أهل الكتاب.

اقرأ للكاتب أيضا: هل الحجاب فريضة؟

فلو كان القرآن يرى أن المسيحيين (واليهود) كفرة ـ كما يرى المتطرفون ـ لما أباح الزواج منهم تبعا لآية "وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ".

وفوق كل هذا فقد أوضح القرآن الكريم الفارق الشاسع بين المسيحيين وبين الكفار في قوله تعالى "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ". أي أن أتباع المسيح أو لغويا "المسيحيين" ليسوا كافرين بل هم ـ كما جاء في القرآن ـ في منزلة عالية جدا عند الله.

وأكاد أرى أعين بعض دعاة الكراهية الآن وهم يشتاطون غضبا من هذه المواجهة الفكرية، وتتعالى أصواتهم بأن المسيحيين ـ على أقل تقديرـ كافرون بمحمد عليه السلام.

وهنا يأتيهم الرد القرآني "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، والآية كما يرى الجميع لم تشترط الإيمان بمحمد لدخول الجنة.

وهذه هي الآية كما جاءت في القرآن فمن كان لديه اعتراض عليها فليعترض!

والآن أدعوا الجميع إلى الحوار!

ــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.