بولتون من المعارضين المتشددين لاتفاق الحد من التسلح النووي مع إيران (أ ف ب)
بولتون من المعارضين المتشددين لاتفاق الحد من التسلح النووي مع إيران (أ ف ب)

بقلم داود كتاب/

سيلتحق الدبلوماسي المخضرم جون بولتون المعتبر من صقور الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض في التاسع من نيسان/أبريل المقبل بدلا من الجنرال أتش آر مكماستر الذي أدار مجلس الأمن القومي منذ 20 شباط/فبراير العام الماضي، ما يعتبر مدة طويلة في إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ورغم أن موقع مستشار الأمن القومي يعتبر عالي الحساسية لقربه من النزيل الأول في البيت الأبيض، إلا أن ذلك الموقع بالذات لا يحتاج لموافقة مجلس الشيوخ بعكس كل المناصب الرفيعة.

ويعتبر المحللون أن سبب ذلك يعود لرغبة الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أن يكون مستشار الأمن القومي بمنأى عن التجاذبات السياسية والحزبية التي طالما ترافق عملية التصويت على الوزراء وكبار المسؤولين. وتعتبر وظيفة مستشار الأمن القومي بالأساس تنسيقية واستشارية للرئيس الذي هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة.

إن تعيين جون بولتون في هذا المنصب الحساس شكل هزة كبيرة تركت أثرا ضخما لدى المتابعين للسياسة الأميركية

​​ويفترض من الشخصية التي تترأس مجلس الأمن القومي وتقدم خلاصة الوثائق والتوصيات الصادرة من الوزارات المختلفة، أن تكون قادرة على إيجاد رؤية مشتركة تعكس المواقف التي تكون أحيانا متناقضة. فمثلا من الصعب أن تتوافق وزارات الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والاقتصادـ إضافة الى موقف السفراء (الذين أيضا يتطلب تعيينهم موافقة مجلس الشيوخ)، في موقف واحد أو في توصية مبسطة يمكن للرئيس أن يتعامل معها.

إن موقع المستشار القومي الجامع والمنسق لتلك التوصيات التي تكون أحيانا متناقضة موقع حساس ومهم، وتتطلب شخصية منضبطة ومتواضعة لا تصر على رأي محدد وتبحث عما يجمع بين كل تلك الآراء.

وعلى تلك الخلفية فإن تعيين جون بولتون في هذا المنصب الحساس شكل هزة كبيرة تركت أثرا ضخما لدى المتابعين للسياسة الأميركية، إذ قال العديد من كبار الخبراء إنهم يخافون على مستقبل أميركا بوجود شخصية مثل جون بولتون. منبع التخوف أنه من الصقور الراغبين بحل مشاكل مثل كوريا الشمالية، بالقوة وليس بالدبلوماسية. فبولتون يعتبر من مؤيدي الحرب الاستباقية أو ما يسمى بفكرة الأنف الدامي bloody nose أي ضرب كوريا الشمالية وإجبارها على التراجع عن تسلحها النووي.

اقرأ للكاتب أيضا: السيادة هي الأهم في القدس

وقد عبر العديد ممن تعاملوا مع بولتون في أكثر من موقع عن أسلوبه في التعامل المتشدد والذي لا يتأقلم مع من يخالفه الرأي، بل أكثر من ذلك فقد زعم بعضهم انه كثيرا ما يحاول تغيير توصيات وأقوال مسؤولين وخبراء لكي تتماشى تلك الأقوال والتوصيات مع آرائه المسبقة حول هذا الموضوع أو ذاك.

يعتبر بولتون أن الحل يكون بتسليم غزة لمصر وأجزاء من الضفة للأردن

​​وفيما يتعلق في موضوع الشرق الأوسط، فمن المعروف أن بولتون من المعارضين المتشددين لاتفاق الحد من التسلح النووي مع إيران، والذي تم بالاتفاق مع كبرى دول العالم والتي لا تزال تصر على أنه أفضل اتفاق ممكن حاليا. وتأتي الخطورة هنا مرة أخرى بمصداقية المستشار في نقل أمين لموقف الدول الحليفة للولايات المتحدة دون تحريف أو تغيير.

وفي مجال النزاع العربي الإسرائيلي، يعتبر بولتون أيضا من المعارضين لحل الدولتين ومن المؤيدين بشدة لأفكار المتطرف الأميركي اليهودي دانيال بايبس الذي يعتقد أن حل السلام لن يحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا عند اعتراف الفلسطينيين بالهزيمة والاستسلام لها.

ويعتبر بولتون أن الحل يكون بتسليم غزة لمصر وأجزاء من الضفة للأردن. وقد ردت عليه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي كما رد عليه بصورة غير مباشرة مجلس حقوق الإنسان في جينيف بالتصويت الكاسح على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.

إن تعيين أي رئيس لمن يكون مستشارة في أمور الأمن القومي أمر خاص به. ولكن عندما يكون الشخص متشددا في الفكر ومؤيدا للحلول العسكرية بدلا من الدبلوماسية، ولفرض الحلول بدلا من التفاوض عليها فإن من حق العالم أن يتخوف لما قد يحدث على يد أقوى دولة في العالم في أمور السلم والحرب.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.