بقلم نضال منصور/
هل بات الطريق مسدودا أمام الأردن، والأزمة تتناسل أزمات، وأصبحنا في خطر؟!
هذا هو السؤال المفصلي الذي يطرح ويناقش على مستوى النخب السياسية في عمان بعد تفاقم المشكلات الاقتصادية، ووعورة العلاقات السياسية، واشتعال الحرائق في الإقليم وفي مقدمتها سورية.
نشط الديوان الملكي الأردني في الأسابيع الأخيرة في دعوة مجموعة من الإعلاميين والسياسيين لتقديم إيجاز عن الحالة الراهنة في البلاد اقتصاديا ودبلوماسيا وأمنيا. لم تكن المعلومات المقدمة مخصصة لغايات النشر، ولكن القارئ والمتابع للكتاب في الصحف، ومقدمي البرامج، يلمس المخاوف التي يجري لفت الانتباه لها، ولا يعرف تحديدا إن كان الوضع يثير القلق فعليا حسبما همس في أذني أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أم أن الأمر مبالغة سياسية لاستقطاب الاهتمام بالأردن الذي يرى المسؤولون فيه بأنه ينوء بأحمال وأعباء مشكلة اللاجئين وملف السلام، ومحاربة الإرهاب وحيدا؟
ما يلمسه ويعيشه المواطن الأردني والمقيم فيه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تزايدت حدتها بعد أن تخلى أشقاء الأردن وتحديدا "الخليجيين" عن تقديم المنح والمساعدات المالية له منذ نهاية عام 2016، وبعد أن قرروا عدم تجديد "المنحة الخليجية" التي قدمت للقيادة الأردنية إبان الربيع العربي. لا بل ذهبت العواصم الخليجية آنذاك وفي مقدمتها السعودية للحديث عن أهمية ضم الأردن لمجلس التعاون الخليجي مع المغرب، وعقد أكثر من اجتماع لهذه الغاية، وتبخرت هذه الشعارات التي يبدو أنها كانت لوقف طوفان الربيع العربي ومحاصرته.
لا تجاهر الحكومة الأردنية في عتبها للعواصم الخليجية، ولا تظهر إلى العلن الاختلاف في وجهات النظر في الكثير من الملفات الاقتصادية وحتى السياسية، وما زالت حتى هذه اللحظة تدير تحالفاتها وعلاقاتها الدبلوماسية بحذر شديد حتى لا تغضب الرياض. وربما كان الموقف الأردني من الأزمة الخليجية مع قطر التعبير الأوضح، فعمان لم تستطع أن تظل على الحياد، واضطرت إلى تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، ووقف مكتب الجزيرة في عمان عن العمل.
وحتى الدعوات لاستدارة دبلوماسية أردنية وتشكيل تحالف قوي مع أنقرة و"أردوغان" لم يكتب لها النجاح طويلا، وقررت عمان إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا تحت يافطة تضرر المصالح الاقتصادية الأردنية، وإن رجح السياسيون أنها مجاملة للسعودية والإمارات الغاضبة من "العثمانيين".
إذن الأزمة الاقتصادية متصاعدة، ولم تتوقف، رغم قرار حكومة هاني الملقي رفع أسعار الخبز الذي يعد في العالم العربي "خطا أحمر"، وزيادة الضرائب على مئات السلع الغذائية، وهي تستعد حاليا لتعديل قانون الضريبة لزيادة الشرائح المشمولة به. وعلى الرغم من هذه الإجراءات القاسية لم تستطع الحكومة تغطية عجز الموازنة، وتسعى لقرض جديد بقيمة 785 مليون دينار (مليار ومئة مليون دولار أميركي).
رفع سعر الخبز إلى الضعف وزيادة الضرائب ألقى بظلاله على الشارع، وهناك من حذر الحكومة بأن ما تفعله قنابل موقوتة تهدد السلم المجتمعي، وتسحق الفقراء أكثر وأكثر.
اقرأ للكاتب أيضا: قصة الإعلام العربي.. "تابوهات" وسلطة تسحق الحريات حين ترتدي بزة عسكرية أو "عمامة"
قرارات الحكومة برفع الأسعار أعادت الناس إلى الشوارع، مطالبين برحيل الحكومة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، واتسعت المخاوف الأمنية بعد أن ارتفعت سقوف الهتافات في محافظات المملكة، وقررت السلط الاستمرار في اعتصامها الاحتجاجي في "الميدان" منذ ما يزيد على الشهر، والمشهد ذاته يتكرر في الكرك وذيبان والمفرق وإن كان أقل حدة.
الحكومة حاولت احتواء هذه الاحتجاجات بإجراء تعديل وزاري، وكان لافتا زيادة عدد الوزراء من الكرك والسلط في محاولة لاستمالة الناس، وإعطاء الوزراء من المحافظات ذاتها الفرصة للتواصل مع ذويهم وأقربائهم لاحتواء الاحتجاجات، غير أن الأمر لم ينجح.
"الحراكيون" وهو مصطلح أطلق على النشطاء والسياسيين خلال الربيع العربي عام 2011، يحاولون إحياء الحراك مجددا، ويستحضرون حتى "هبة نيسان" التي خرج فيها الناس باحتجاجات عام 1989 وأسقطت حكومة زيد الرفاعي، وتسببت في تآكل سعر صرف الدينار الأردني، وكانت الحافز الأكبر للراحل الملك الحسين لإعادة الحياة الديموقراطية وإجراء الانتخابات البرلمانية بعد عقود من إعلان الأحكام العرفية.
القراءات الواضحة لإيقاع الشارع لا تشي بأن الاحتجاجات ستتصاعد، والرهانات على إسقاط الحكومة بالشارع تبدو صعبة المنال في ظل برلمان يكاد يكون غطاء شرعيا للحكومة.
وجع "الخبز" يشعر به الناس فورا ومفاعيله في الشارع حاضرة، ولكن الهواجس الأمنية والسياسية التي تقلق الملك عبد الله الثاني وحكومته والجيش وجهاز الاستخبارات العامة لا تبدو ملموسة العيان عند الشارع. وتظل حوارات صالونات عمان منشغلة بسيناريوهات متعددة، ربما أبرزها وأهمها ماذا سيحدث في سورية بعد معركة الغوطة وانتقال المعركة إلى الجنوب السوري المتاخم للأردن؟
معركة "درعا" على الأبواب فاستعدوا، وهذا يعني أن القذائف التي تسقط على درعا قد تصل إلى الداخل الأردني، فالمدن هناك متشابكة لا تفصلها سوى أمتار، ومعركة درعا تعني أولا مخاوف من نزوح لاجئين جدد للأردن، وهو لا يتحمل ولا يقبل بذلك، وثانيا مخاوفه من أن يكون النازحون مخترقين، وخلايا نائمة لتنظيم "داعش".
الأردن كان أكثر اللاعبين نجاحا في ترتيب صفقة "تخفيض التصعيد العسكري" بالجنوب السوري، بما يملك من علاقات متميزة مع أميركا وروسيا، فهل أصبحت "التفاهمات" في مهب الريح بعد احتدام المناكفات والصراع الروسي ــ الأميركي، وبعد أن شعر نظام بشار الأسد بنشوة النصر في الغوطة.
لا يمانع الأردن من سيطرة قوات الجيش السوري على المعابر، ولكنه يضع "فيتو" على اقتراب ميليشيات "حزب الله" أو إيران من حدوده، وهذا الموقف يتشارك فيه مع إسرائيل، وبذات الوقت فإن المخاوف من سقوط الهدنة ربما تعزز قوة "كتيبة خالد بن الوليد" التابعة لداعش.
الحدود الأردنية منيعة ولا مخاوف من اختراقها، هذا ما تؤكده الحكومة وقيادة الجيش، غير أن المعركة إن حدثت ستخلط أوراقا كان الأردن قد نسجها باحتراف شديد، حيث وضع حواضن مجتمعية من العشائر السورية والجيش الحر كمصدات وقائية نجحت بامتياز في درء الخطر عنه.
معركة درعا واقتراب إيران و"حزب الله" وتقدم الجيش السوري قد تكون الذريعة لتدخل إسرائيلي، وهو ما يهدد بإشعال الجبهة اللبنانية، وربما تتزايد فرص التصعيد العسكري أكثر من أي وقت مضى بعد التغييرات التي حدثت في الإدارة الأميركية بتعيين وزير جديد للخارجية، ومستشار للأمن القومي، ومديرة لـ CIA يجنحون للخيارات العسكرية، ومع إطلاق يد إسرائيل في المنطقة.
الصورة لا تبدو زاهية في الأردن في ظل هذا الإقليم المشتعل، ولكن الخطر ليس داهما. فالداخل الأردني محصن والمخاطر توحد الأردنيين، وقرار الرئيس ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل شاهد على ذلك، والقوى الخارجية ونقصد اللاعب الأساسي أميركا ومن خلفها أوروبا، لن يتركوا الأردن في مهب العواصف ليسقط، وإن تفرجوا عليه وهو يقف على الحافة.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)