بقلم سناء العاجي/
"متى سنفرح بك؟"... قد لا يكون من المبالغة في شيء إذا قلنا، ليست هناك امرأة غير متزوجة في جغرافيات بلداننا السعيدة لم تسمع هذا السؤال خلال مسار حياتها. وقد لا يكون من المبالغة أيضا أن نعتبر أن الأمر يشمل معظم نساء الجغرافيات القريبة منا بؤسا وتخلفا.
جغرافيات تحصر "فرح" المرأة في زواجها. قد تكون مهندسة، مديرة شركة، طبيبة، رياضية عالمية، فنانة مشهورة؛ لكن نجاحها الفعلي في نظر المجتمع، لا يقاس إلا بزواجها وأمومتها. أي إنجاز مهني أو أكاديمي أو رياضي أو أدبي، هو غير ذي قيمة ما لم تكن زوجة وما لم تكن أما.
حتى الزوجات التعيسات المحبطات عاطفيا، قد يعتبرن الفتاة العازبة "مسكينة"، مهما كانت ناجحة سعيدة متألقة في حياتها الشخصية والمهنية. رغم أنهن قد يكن "المسكينات" الوحيدات في القضية.
"متى سنفرح بك؟"... وكأن الفرح الحقيقي في حياة امرأة، والإنجاز الوحيد الذي ستحققه، هو أن تنتمي لعوالم رجل آخر غير والدها. هناك أيضا عبارة من قبيل: "هل فقد الرجال أبصارهم؟"، والتي تقال عادة للشابات العازبات إطراء على جمالهن.
اقرأ للكاتبة أيضا: مجتمع متدين بطبعه!
أليست هذا الجملة في حد ذاتها إهانة لهؤلاء الفتيات، ما دامت تترجم أن لا رجل اختارهن، رغم جمالهن؟ لماذا لا يتساءل البعض: لعلها هي من لم تختر بعد؟ أو لعلها اختارت عدم الزواج نهائيا؟ أو لعلها بكل بساطة ترفض دخول مؤسسة الزواج ما لم تقتنع بالشريك المحتمل؟ لعلها تفضل العزوبية على زواج ينأى بها عن أحلامها، لمجرد إرضاء صورة مجتمعية ينتظرها منها الآخرون؟
باختصار، متى سنقتنع بأن الزواج ليس السبيل الوحيد لتحقيق الذات، للرجل والمرأة على حد سواء؟ متى سنعي بأن هناك مسارات واختيارات مختلفة للأفراد وأن علينا احترامها؟ متى سنعي بأن المرأة العازبة ليست بالضرورة مسكينة، وأن المرأة المتزوجة ليست بالضرورة مكتملة سعيدة متألقة؟ متى سنعي أننا، حين نمارس ضغطا رهيبا على النساء لكي يدخلن مؤسسة الزواج بأي ثمن، قد ندفعهن للقيام باختيارات لا تناسبهن؟
هذه ليست إدانة لمؤسسة الزواج. فالأخيرة لا تجلب التعاسة في المطلق، لكنها في نفس الوقت ليست ضمانة للسعادة. في الفرح بالحياة وفي التعرض لصدماتها، يتساوى المتزوجون بالعزاب. لكن الأكيد أن السعادة لا تتأتى بمجرد دخول مؤسسة الزواج. بل إن الزواج من شخص لا يقتسم تطلعاتنا وأحلامنا وإحباطاتنا وأفراحنا وأحلامنا ومخاوفنا، لا يمكن بتاتا أن يكون مصدر سعادة للفرد.
اقرأ للكاتبة أيضا: المرأة... ذلك البعبع المخيف
بل وأكثر من ذلك، هل من حقنا أن نناقش الاختيارات الشخصية للأفراد؟ متى سندرك أن الفرد ليس مجبرا أن ينصهر في الجماعة لكي ترتاح هذه الأخيرة؟ متى سنعي أن هناك أسئلة ليس من حقنا طرحها؟ إذا كان عدم الزواج أو عدم الإنجاب اختيارا واعيا للشخص، فما دخلنا في اختياراته؟ ولماذا نفرض عليه اختيارات حياتية أخرى نراها جيدة، لكنها قد لا تناسبه؟ وإذا كان هذا الشخص يتمنى الزواج أو يتمنى الإنجاب لكنه لا يستطيع إليه سبيلا، فنحن نؤلمه ونجرحه، لمجرد إرضاء فضول مرضي لدينا.
الواقع أننا مجتمع لا يطلب منك أن تكون سعيدا، بقدر ما يهمه أن تكون نسخة طبق الأصل من غيرك، من مساراتهم، من انطفاءاتهم وإحباطاتهم. كل محاولة للتفرد والاختلاف تعكس للآخرين عدم قدرتهم على تحمل تبعات الاختيار الحر. تذكرهم بانصهارهم الكسول داخل ثقافة الجماعة. يدفعون بك في اتجاه مساراتهم ويطلبون منك أن تقتفي أثر خطاهم، ليس حرصا على سعادتك، لكن خوفا من تفردك وخوفا من قدرتك على أن تكون أنت، ألا تكون مجرد نسخة مكررة. يدفعون بك للانصهار داخل ثقافة القطيع، لكيلا تضطرهم لمواجهة الأسئلة التي يطرحها اختلافك في دواخلهم. ففي النهاية، ليس مطلوبا منك أن تكون سعيدا متألقا في اختياراتك المهنية والشخصية. مطلوب منك فقط ألا تزعزع السائد والمألوف.
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)