تظاهرة بمناسبة يوم المرأة العالمي في بيروت (أ ف ب)
تظاهرة بمناسبة يوم المرأة العالمي في بيروت (أ ف ب)

بقلم سناء العاجي/

"متى سنفرح بك؟"... قد لا يكون من المبالغة في شيء إذا قلنا، ليست هناك امرأة غير متزوجة في جغرافيات بلداننا السعيدة لم تسمع هذا السؤال خلال مسار حياتها. وقد لا يكون من المبالغة أيضا أن نعتبر أن الأمر يشمل معظم نساء الجغرافيات القريبة منا بؤسا وتخلفا.

جغرافيات تحصر "فرح" المرأة في زواجها. قد تكون مهندسة، مديرة شركة، طبيبة، رياضية عالمية، فنانة مشهورة؛ لكن نجاحها الفعلي في نظر المجتمع، لا يقاس إلا بزواجها وأمومتها. أي إنجاز مهني أو أكاديمي أو رياضي أو أدبي، هو غير ذي قيمة ما لم تكن زوجة وما لم تكن أما.

حتى الزوجات التعيسات المحبطات عاطفيا، قد يعتبرن الفتاة العازبة "مسكينة"، مهما كانت ناجحة سعيدة متألقة في حياتها الشخصية والمهنية. رغم أنهن قد يكن "المسكينات" الوحيدات في القضية.

السعادة لا تتأتى بمجرد دخول مؤسسة الزواج

​​"متى سنفرح بك؟"... وكأن الفرح الحقيقي في حياة امرأة، والإنجاز الوحيد الذي ستحققه، هو أن تنتمي لعوالم رجل آخر غير والدها. هناك أيضا عبارة من قبيل: "هل فقد الرجال أبصارهم؟"، والتي تقال عادة للشابات العازبات إطراء على جمالهن.

اقرأ للكاتبة أيضا: مجتمع متدين بطبعه!

أليست هذا الجملة في حد ذاتها إهانة لهؤلاء الفتيات، ما دامت تترجم أن لا رجل اختارهن، رغم جمالهن؟ لماذا لا يتساءل البعض: لعلها هي من لم تختر بعد؟ أو لعلها اختارت عدم الزواج نهائيا؟ أو لعلها بكل بساطة ترفض دخول مؤسسة الزواج ما لم تقتنع بالشريك المحتمل؟ لعلها تفضل العزوبية على زواج ينأى بها عن أحلامها، لمجرد إرضاء صورة مجتمعية ينتظرها منها الآخرون؟

باختصار، متى سنقتنع بأن الزواج ليس السبيل الوحيد لتحقيق الذات، للرجل والمرأة على حد سواء؟ متى سنعي بأن هناك مسارات واختيارات مختلفة للأفراد وأن علينا احترامها؟ متى سنعي بأن المرأة العازبة ليست بالضرورة مسكينة، وأن المرأة المتزوجة ليست بالضرورة مكتملة سعيدة متألقة؟ متى سنعي أننا، حين نمارس ضغطا رهيبا على النساء لكي يدخلن مؤسسة الزواج بأي ثمن، قد ندفعهن للقيام باختيارات لا تناسبهن؟

نجاحها المرأة الفعلي في نظر المجتمع، لا يقاس إلا بزواجها وأمومتها

​​هذه ليست إدانة لمؤسسة الزواج. فالأخيرة لا تجلب التعاسة في المطلق، لكنها في نفس الوقت ليست ضمانة للسعادة. في الفرح بالحياة وفي التعرض لصدماتها، يتساوى المتزوجون بالعزاب. لكن الأكيد أن السعادة لا تتأتى بمجرد دخول مؤسسة الزواج. بل إن الزواج من شخص لا يقتسم تطلعاتنا وأحلامنا وإحباطاتنا وأفراحنا وأحلامنا ومخاوفنا، لا يمكن بتاتا أن يكون مصدر سعادة للفرد.

اقرأ للكاتبة أيضا: المرأة... ذلك البعبع المخيف

بل وأكثر من ذلك، هل من حقنا أن نناقش الاختيارات الشخصية للأفراد؟ متى سندرك أن الفرد ليس مجبرا أن ينصهر في الجماعة لكي ترتاح هذه الأخيرة؟ متى سنعي أن هناك أسئلة ليس من حقنا طرحها؟ إذا كان عدم الزواج أو عدم الإنجاب اختيارا واعيا للشخص، فما دخلنا في اختياراته؟ ولماذا نفرض عليه اختيارات حياتية أخرى نراها جيدة، لكنها قد لا تناسبه؟ وإذا كان هذا الشخص يتمنى الزواج أو يتمنى الإنجاب لكنه لا يستطيع إليه سبيلا، فنحن نؤلمه ونجرحه، لمجرد إرضاء فضول مرضي لدينا.

الواقع أننا مجتمع لا يطلب منك أن تكون سعيدا، بقدر ما يهمه أن تكون نسخة طبق الأصل من غيرك، من مساراتهم، من انطفاءاتهم وإحباطاتهم. كل محاولة للتفرد والاختلاف تعكس للآخرين عدم قدرتهم على تحمل تبعات الاختيار الحر. تذكرهم بانصهارهم الكسول داخل ثقافة الجماعة. يدفعون بك في اتجاه مساراتهم ويطلبون منك أن تقتفي أثر خطاهم، ليس حرصا على سعادتك، لكن خوفا من تفردك وخوفا من قدرتك على أن تكون أنت، ألا تكون مجرد نسخة مكررة. يدفعون بك للانصهار داخل ثقافة القطيع، لكيلا تضطرهم لمواجهة الأسئلة التي يطرحها اختلافك في دواخلهم. ففي النهاية، ليس مطلوبا منك أن تكون سعيدا متألقا في اختياراتك المهنية والشخصية. مطلوب منك فقط ألا تزعزع السائد والمألوف.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.