ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخير إلى واشنطن (أ ف ب)
ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخير إلى واشنطن (أ ف ب)

بقلم عبد الحفيظ شرف/

أبعث بهذه الرسالة إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي ما يزال يعمل على تغيير العقلية النمطية الراديكالية المنتشرة بشكل مخيف في عالمنا الإسلامي. أبعث بهذه الرسالة بسبب الخطوات الاجتماعية المشجعة التي اتخذها الأمير الشاب بداية من السماح للمرأة بقيادة السيارة ثم السماح لها بأخذ حقوقها الطبيعية مثل اختيار توقيت السفر والسفر بدون إذن مسبق من الولي. وأتمنى من كل قلبي أن تستمر هذه التغييرات لتصل إلى تمكين المرأة من فتح حسابات بنكية بدون كفالة الولي أو تسلطه.

السبب الثاني الذي شجعني على كتابة هذه الرسالة هو التغيير التدريجي الذي يقوم به الأمير الشاب لاستعادة روح الإسلام الحقيقي، دين الرحمة والإنسانية مبتعدا به عن المتشددين والمتنطعين الذين شوهوا الإسلام على مدار الخمسين سنة الأخيرة بما فاق كل العصور السابقة. وما دعاني فعلا إلى كتابة هذه الرسالة هي الزيارة الأخيرة إلى البابا تواضروس والتي كانت بلا شك نقلة نوعية كبيرة في العلاقات الإسلامية ـ المسيحية في الشرق؛ إذ كسرت هذه الزيارة بابا أغلقه المتشددون لقرن من الزمان.

أتمنى أن أرى قريبا أول كنيسة في العاصمة الرياض

​​أحب أن أبدأ هذه الرسالة بقول النبي محمد في معاهدة نجران بين المسلمين وإخوتهم المسيحيين وهنا أنقل بالنص: "لنجران وحاشيتها ولسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض جوار الله، وذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم، وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل من تحت أيديهم من قليل أو كثير أن أحمي جانبهم وأذب عنهم وعن كنائسهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواضع السياح وأن أحرس دينهم وملتهم أين ما كانوا بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من سكني لأني أعطيتهم عهد الله بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء".

هل رأيتم جمال هذه العبارات ورقيها الإنساني والحضاري؟ وهذا كان قبل ألف وأربعمائة سنة وفي زمن انتشرت فيه الجاهلية ورفض الآخر والتفريق الطبقي والجنسي والعقائدي وفي زمن الحروب الدينية ومع ذلك ترى معي هذا الرقي والعبارات التي تصلح أن تكون دستورا يحمي الأقليات ويحفظ لكل الأديان حقوقها واحترامها.

اقرأ للكاتب أيضا: سبع سنوات عجاف

تتميز هذه المعاهدة بشدة الوضوح فهي لم تقتصر فقط على أهل نجران من إخوتنا المسيحيين بل على إخوتنا المسيحيين في كل أقطار الأرض كما قال رسول الله.

يعيش المسلمون في الغرب بكامل حقوقهم ففي أميركا يسمح للمسلمين ببناء مساجدهم وأداء شعائرهم التعبدية بالطريقة التي يفضلونها ويسمح لهم بالتجمع وإنشاء المراكز الاجتماعية والمدارس والجمعيات الخيرية. وكل هذا ضمن إطار القانون بل في كثير من الأحيان يتدخل القضاء ليحكم لصالح المسلمين في بناء دور عبادتهم إذا ما كان هناك أي رفض أو اعتراض من قبل أهالي الحي أو المنطقة أو المدينة وأستطيع أن أضرب عشرات الأمثلة على ذلك.

في عالمنا العربي فيعيش المسيحيون تحت ضغط شديد وتضييق ديني كبير

​​أما في عالمنا العربي فيعيش المسيحيون تحت ضغط شديد وتضييق ديني كبير ويمنعون في كثير من الأحيان من بناء كنائسهم أو تطبيق شعائرهم رغم أن الإسلام كفل لهم كل هذه الحقوق من الحرية التعبدية وممارسة الطقوس الخاصة بهم والاحتفال بأعيادهم. إلا أن الفهم الحالي المنتشر للإسلام حرم كل هذا وجعل بناء الكنائس جرما في بلاد المسلمين تحت ذرائع واهية.

اقرأ للكاتب أيضا: سورية.. من مع من ومن ضد من؟

ألم يحن الوقت أن يعطى المسيحيون حقوقهم في الصلاة والتجمع والاحتفال والزواج على طريقتهم وبحسب شريعتهم؟ فهذه أبسط الحقوق الإنسانية، لأي إنسان يعيش على أي أرض كانت. ففي مصر، أرض الكنانة، عاش الأقباط سنوات طويلة تحت قوانين ظالمة وجائرة تمنعهم من بناء كنائسهم بشكل قانوني بالرغم من أعدادهم الكبيرة في هذا البلد، استنادا إلى قوانين عثمانية صدرت قبل أكثر من قرن ونصف. يحاول المصريون في هذه الأيام العمل على التخلص منها تدريجيا وأتمنى أن يحصل هذا في أسرع وقت. وعلى الرغم من أن القانون الجديد لبناء الكنائس في مصر ما زال يضع الكثير من العراقيل والصعوبات إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

أدعوكم جميعا لزيارة مساجد واشنطن العاصمة ونيويورك ولوس أنجلس وسان دييجو لتعرفوا جمال ما أتحدث عنه من العدالة وإعطاء الحقوق واحترام الأديان والحرية العقائدية. أدعوكم إلى تطبيق وثيقة نجران التي أصدرها رسول الله بدلا من اتباع المرجفين في المدينة والمتشددين الذين وضعوا الإسلام الجميل في صراع مع العالم بأسره ومع البشرية وحقوق الإنسان.

وفي الختام أتمنى أن أرى قريبا أول كنيسة في العاصمة الرياض، ليس لأجل الكنيسة بحد ذاتها، وإنما لأجل آلاف المسيحيين العاملين والموظفين في هذه العاصمة الجميلة، والتي ستزداد جمالا مع إعطاء الحقوق وتوفير أبسط متطلبات الفطرة السليمة باحترام الأديان وتوفير حق العبادة لمن يدينون بالمسيحية والأديان السماوية.

ـــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.