بقلم نيرڤانا محمود/
بعد أيام من فوزه بولاية رئاسية ثانية، يواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصعب أزمات حكمه: النزاع مع إثيوبيا حول مشروع سد النهضة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، لم تسفر محادثات ماراثونية استمرت 18 ساعة في الخرطوم عن اتفاق بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، كما لم يتم تحديد موعد لاستئناف المحادثات.
النزاع حول سد النهضة متواصل منذ سنوات، ابتداء من آذار/مارس 2011، عندما أعلن المشروع في خضم اضطرابات عاشتها مصر عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتصاعد التوتر بين البلدين في أيار/مايو 2013 عندما بدأت إثيوبيا من طرف واحد، تحويل مجرى أحد روافد نهر النيل من أجل بناء السد. وفي الشهر ذاته أبدت إثيوبيا استخفافا بالرئيس الإخواني محمد مرسي بإرسال وزير التعدين لاستقباله في المطار في مستهل زيارة رسمية له.
وفي الفترة الأولى للرئيس السيسي حاولت مصر ترميم العلاقات مع إثيوبيا. وفي آذار/مارس 2015 تمكنت مصر من الاتفاق على إعلان مبادئ ثلاثي حول سد النهضة الإثيوبي وقعته القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.
لكن الحكومة الإثيوبية سلمت مصرو السودان في شباط/فبراير خطة منفردة لملء خزان السد. وتقول تقارير إن إثيوبيا حددت مرحلتين لعملية الملء: الأولى لبدء توليد الطاقة والثانية لملء الخزان لطاقته القصوى.
اقرأ للكاتبة أيضا: السعودية ومصر والإمارات: ثلاثي التعاون
يتسع خزان سد النهضة لحوالي 74 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يساوي أكثر من 40 بالمئة من إمدادات مصر السنوية من مياه النيل. جدل الخبراء حول ما إذا كان إعلان المبادئ يمثل إطارا قانونيا ملزما لإثيوبيا في ما يتعلق بموعد ملء خزان المياه، يفاقم مخاوف مصر من تصرفات إثيوبيا الأحادية الجانب.
ورغم ذلك، فإن مصر ليست بصدد تصعيد الخلاف. فقبل اجتماع الخرطوم الأخير، هنأ الرئيس المصري السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد على منصبه، وأكد رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة مع إثيوبيا. ولكن بادرة حسن النية هذه لم تكن كافية لتليين الموقف الإثيوبي، فمن الواضح أن رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد لا يرغب في إبداء مرونة بينما تواجه بلاده خطر حرب أهلية عرقية، ويرى في السد أداة لتحقيق وحدة وطنية.
في اجتماعه الأول بالحكومة بعد انتخابه، ناقش الرئيس المصري سياسات مائية جديدة تتضمن 19 مشروعا لتحلية المياه. على مدى سنوات، كانت مصر تتعرض لانتقادات محقة بشأن إساءة استخدامها لمياه النيل. ذلك التصرف الطائش تغير في الآونة الأخيرة.
وبدأ في التبلور سياسة مائية أكثر إيجابية على شكل مشروعات تحلية مياه مخطط لها، ودعاية في وسائل الإعلام المحلية لتشجيع المواطنين على خفض استهلاكهم من المياه في ضوء شحها الحالي.
ولكن، هل تكفي جهود مصر الدبلوماسية العقلانية وسياساتها الجديدة للحفاظ على المياه، لإنقاذ البلاد من أزمة مياه تلوح في الأفق؟ الإجابة، للأسف، كلا. فليس لدى إثيوبيا دافع للتنازل، وبالتالي تحتاج القيادة المصرية إلى التفكير في تغيير مقاربتها للقضية.
أولا: كفى تكتما مهذبا
بقيت مصر متكتمة على كل تفاصيل الخلاف خوفا من إضاعة حظوظها في الحصول على صفقة عادلة مع إثيوبيا. والآن، بعد فشل هذه المفاوضات، حان الوقت لأن تحشد السلطات المصرية دعما شعبيا داخل البلاد وخارجها ضد عدوان إثيوبيا غير المباشر.
ثانيا: إشراك المجتمع الدولي
قد يبدو نزاع مائي بين دولتين أفريقيتين هامشيا بالمقارنة مع النزاعات الدولية الأخرى، بل وقد تسعد بعض الدول برؤية مصر تعاني من الجفاف على أمل أن يسرع ذلك انهيار النظام. وفي ضوء ذلك، من واجب القيادة المصرية أن تحصل على الدعم، وأن تعزل أعدائها الإقليميين، وأن تدق ناقوس الخطر في العواصم الغربية حول تداعيات الأزمة مع إثيوبيا. هناك حاجة إلى الوساطة والضغط الدوليين لإقناع القيادة الإثيوبية بعقد صفقة عادلة مع مصر.
ثالثا: الخيار العسكري المفزع
إثيوبيا تغذ السير للانتهاء من مرحلة الملء الأولى لخزان السد لأنها تعرف أن أي ضربة عسكرية مصرية ستكون شبه مستحيلة بعد ذلك.
من هنا، تجد مصر نفسها في مأزق. فأمام القاهرة أشهر قليلة فقط للتفكير في تدخل عسكري ما، كما أن هناك تحديات عملية تمنعها من شن ضربات جوية على السد الإثيوبي، ولكن الأمر لا يزال ممكنا خاصة في ظل الدعم الإقليمي من السعودية والإمارات وإريتريا، خصم إثيوبيا.
اقرأ للكاتبة أيضا: هل يستطيع الرئيس السيسي تجميد الحياة السياسية في مصر؟
الرئيس المصري أكد من جانبه، وهو محق، أن مصر لا تريد حربا مع جيرانها الأفارقة، لكن تقليص حصتها من مياه النيل هو ببساطة عمل عدائي لا يمكن تجاهله.
الرغبة في تأمين إمدادات مصر من المياه ليست جديدة، فالخديوي إسماعيل حاول غزو إثيوبيا مرتين، عامي 1875 و1876، غير أن القوات المصرية تعرضت لهزائم فادحة كانت أسبابها الرئيسية التقليل من شأن التضاريس وكذلك عدم اقتناع الجنود بغرض تلك الحروب.
لقد أصبح واضحا أن إثيوبيا تلعب على الزمن فيما هي تخلق حقائق جديدة على الأرض يصعب تغييرها. ومصر ليست داعية حرب ولا هي ذلك الجار المتعجرف الذي حاول ذات مرة غزو الآخرين. القاهرة أجرت مفاوضات لأكثر من أربع سنوات بنية حسنة من دون أن تحقق نتيجة.
إلى متى يمكن لمصر الانتظار؟ ربما هناك حاجة لممارسة الضغط العسكري لتحقيق نجاح سياسي. فالانتظار حتى تبدأ مصر معاناتها مع الجفاف، ببساطة، ليس خيارا مقبولا.
ــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)