إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي
إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي

بقلم نضال منصور/

واكبت منتدى الإعلام العربي الذي تنظمه دبي منذ تأسيسه قبل 17 عاما، وحرصت في السنوات الأربعة الأخيرة على المواظبة على حضوره، والتدقيق فيما يقدمه ويعرضه.

استطاع منتدى الإعلام العربي أن ينتزع مكانة متقدمة جدا في صدارة المؤتمرات الدولية التي تعنى بالإعلام، والتطورات المتسارعة التي يشهدها، ويسعى إلى تقديم تصورات وحلول حتى يظل قادرا على الاستحواذ على اهتمام الجمهور.

لم يقدم منتدى الإعلام العربي نفسه كمنصة للدفاع عن الحريات الإعلامية ومناقشة الانتهاكات التي تتعرض لها في العالم العربي، وظلت بوصلته تعطي الأولوية لتطوير الاحتراف المهني. وفي هذا السياق أطلق جائزة الصحافة العربية التي استأثرت اهتمام الإعلاميين في العالم العربي، وتنافسوا لنيلها، ليس لأهميتها أو"البرستيج" والتكريم الذي تمنحه لمن يحصدها، وإنما أيضا لقيمة الجائزة المادية التي ربما تنصف إعلاميين عرب يكدحون بأجور زهيدة.

"السوشيل ميديا" يغزو منتدى الإعلام العربي ويسيطر على أكثر الجلسات والعناوين

​​تعرض ويتعرض منتدى الإعلام العربي لانتقادات دائمة، أحيانا بسبب أجندته والمحتوى، وتارة لتركيزه على دعوة أسماء بعينها وتجاهله لأسماء الكثير من الإعلاميين الذين يعتقدون أنهم أكثر أهمية ممن يشاركون. وفي بعض الأوقات يثار بأنه يهتم بـ "النجوم" من مذيعات ومذيعين، لكنه في كل الأحوال كان قادرا على الاستمرار، وتجديد نفسه كل عام.

تابعت منتدى الإعلام العربي، كرئيس لمركز حماية وحرية الصحفيين، وتوقفت بتأمل عند التفاصيل الفنية والإدارية واللوجستية، فضمان نجاح مؤتمر لا يحدث صدفة، ولا يكفي أن تعد أجندة متميزة، وإنما تحتاج إلى التدقيق في كافة التفاصيل، وإلى فريق متميز تقوده شخصية قوية ومؤثرة على غرار منى المري مديرة المكتب الإعلامي لحكومة دبي ورئيسة نادي دبي للصحافة.

اقرأ للكاتب أيضا: بعد 7 سنوات على المذبحة: "المتصارعون" في سورية طريق مرصوف بجثث الضحايا

أكثر ما لفت انتباهي وربما انتباه الكثيرين أن منتدى الإعلام العربي ليس محاضرات وندوات مملة تستغرق ساعات في كلام مكرر، وإنما منتدى وسوقا للأفكار، والشيء الخلاق الذي شكل إضافة نوعية مختلفة هي جلسات النقاش الممتدة فقط لـ "20" دقيقة في مسارح المنتدى، وهي جرعة مكثفة من الجدل والعصف الذهني التي يقدمها الخبراء دون إطالة وتسويف.

في البداية استفزتني الفكرة، هل يعقل اختصار جلسة الحوار لـ "20" دقيقة؟

وبعد متابعة تيقنت أنها أكثر جدوى من جلسات تمتد لساعتين، والخبير المبدع من يقدم ما يريد وخلاصة تجربته في دقائق، ومن لا يملك شيئا لن يقدم جديدا حتى لو استمرت الجلسة يوما كاملا.

في منتدى الإعلام العربي الأخير الذي عقد يومي 3 و4 نيسان/أبريل من هذا الشهر في دبي كان العنوان جديرا بالاهتمام "تحولات إعلامية مؤثرة". سألت نفسي وأنا أطالع عناوين الجلسات الكثيرة المستمرة على مدار يومين، ما هي حقيقة التحولات المهمة والمؤثرة في إعلامنا العربي، هل مرتبطة بالتداعيات السياسية التي يصعب توقعها أو التنبؤ بها، أم أن ذاك مسار يفرض على الإعلام العربي الذي يتسم عمومه بعدم الاستقلالية، وبأنه "رجع الصدى" لحالة السلطة السياسية بتقلباتها وعثراتها وسطوتها؟

باعتقادي أن التحولات الحقيقية التي تستحق أن نرصدها، وأن نتحدث عنها، ونراقبها، وندرس تأثيرها على الإعلام هي ثورة تكنولوجيا الاتصالات خلال السنوات الماضية، وحتى نكون أكثر دقة علينا أن نتحدث عن "عوالم وسائل التواصل الاجتماعي"، وماذا فعلت بالإعلام والإعلاميين، ليس هنا في هذا المكان المستهلك لما تصنعه العقول المبدعة، ولكن في كل مكان في هذا العالم؟

لكل ذلك تطالعك عناوين الجلسات على هذا النحو؛ "ثورة الروبوتات ومستقبل الصحافة" تقدمها ليزا جبس مسؤولة استراتيجية الذكاء الصناعي في وكالة الأسوشييتد برس AP، وكذلك عنوان آخر "فيسبوك يغير المشهد الإعلامي" يتحدث فيها باتريك ولكر مدير الشراكات الإعلامية في أوروبا والشرق الأوسط في موقع فيسبوك، وعنوان ثالث "بناء مستقبل أفضل للأخبار" أثار أسئلتها كارلو بيوندو من شركة غوغل، وعنوان رابع "الصورة مستقبل يغير العالم" ويتبعها جلسة بعنوان "كيف يتشكل الجمهور في العصر الرقمي"، وتطرح جلسة أخرى عنوانا أكثر جرأة "هل بقي للصحافة مستقبل" تتحدث فيها نايلة تويني رئيسة تحرير جريدة النهار اللبنانية، هذا إضافة لورشات عمل عن مبادرة غوغل للأخبار، و"أخلاقيات الصحافة في عالم متغير"، ومشروع فيسبوك للصحافة.

باختصار "السوشيل ميديا" يغزو منتدى الإعلام العربي ويسيطر على أكثر الجلسات والعناوين، فالحقيقة المؤكدة أن الإعلام المحترف بكل أشكاله من دون حواضن وسائل التواصل الاجتماعي يحتضر ويموت.

إذا ما استثنينا بعض الجلسات التي اتجهت نحو ربط التحولات المؤثرة بالواقع السياسي العربي، واستخدمت منصة لتوجيه انتقادات واتهامات قاسية لدولة قطر التي غاب صحافيوها عن المنتدى، والتركيز على مخاطر الدور الإيراني في الإقليم، هذا إضافة إلى تسليط الضوء على التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يصنعها ويقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذا ما استبعدنا هذه الجلسات فإن المنتدى كان يحتفي ويؤكد صدارة "السوشيل ميديا" في الحالة الراهنة.

التحولات الحقيقية التي تستحق أن نرصدها، وندرس تأثيرها على الإعلام هي ثورة تكنولوجيا الاتصالات

​​حين تتجول في سوق "منتدى الإعلام" يتاح لك أن تشرب القهوة، وأنت تأخذ قسطا من الراحة في أماكن مخصصة للتأمل، وأن تشتبك مع معلومات وآراء يطرحها ضيوف المنتدى، فالدكتور علي النعيمي في جلسة الإعلام العربي المؤثر يعترف بأن أكثرية الناس ما عادوا يقرأون الصحف، وأن الإعلاميين يريدون محاكمة العالم من منظورهم ومعاييرهم، ولا يريدون أن يتغيروا، فإن لم يفعلوا ذلك أصبحوا خارج الحدث؟

يشير النعيمي إلى أن القوى الإرهابية مثل "داعش" استفادت ووظفت وسائل التواصل الاجتماعي لخدمتها، فكانوا يبثون ما يقارب 90 ألف تغريدة يوميا.

من بين المعلومات التي استمعت لها في جلسة عن فيسبوك أن هناك مليار شخص ينضوون تحت مجموعات ويتفاعلون بشكل منتظم، ويصفهم المتحدث بأنهم "مجتمع حقيقي" وهم بالتأكيد كذلك.

تعليق طريف عن تأثير وسائل الإعلام قاله مشارك بالمنتدى لأستاذ العلاقات الدولية فواز جرجس مفاده أن قناة MBC تصنع منذ الآن فناني المستقبل في العالم العربي، ثم يمتد الحوار عن أهمية اللغة ليصف واقع حال العرب بأنهم لا يمثلون ثقافة منتصرة، فيجيبه جرجس بأن "الفرنسيين يعزون عدم تأثيرهم دوليا بسبب هيمنة اللغة الإنكليزية".

اقرأ للكاتب أيضا: هل الأردن في خطر؟

الأكثر جرأة بين المتحدثين العرب كان الدكتور مأمون فندي مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن الذي أكد أن الإعلام العربي لا يقدم وصفا دقيقا لما يحدث، مستدركا بالقول "التلميحات غير مفيدة في الإعلام"، ويتابع قوله "اللغة المستخدمة في الإعلام إما على حياد شديد، أو لغة على فجور شديد".

ويضيف فندي "لا بد أن تتغير اللغة، فما نفعله هو أننا "نقدم نبيذا قديما في زجاجات جديدة".

ويستخلص الدكتور فندي "بأننا في العالم العربي مستهلكين للأفكار نكررها حتى تصبح حقائق مدللا على ما طرحته وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد، وبدأنا نكرر هذا المفهوم ومناقشته من دون أن نعرف حقيقته، والآن نعيد ذات السيناريو بالحديث واستهلاك ما سمي "صفقة القرن"، والغريب أن من أطلقها ليس متأكدا منها، ونحن "نلوك" هذا المفهوم".

خلاصة القول حتى وإن تغير الإعلام العربي واستخدم بشكل فعال وسائل التواصل الاجتماعي، واستوعب المتغيرات التي اجتاحت الجمهور، فإن المحتوى يظل في الغالب تابعا منشغلا في حروب الطوائف و"داحس والغبراء"، فيما العالم الآخر يبحث في أسئلة المستقبل، ويناقش باستفاضة ماذا بعد فيسبوك وتويتر ويوتيوب وواتساب، هل سيتغير شكل العالم، فما نحن عليه الآن لم يكن حتى متخيلا لنا؟

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.