إحياء عيد الفصح في القدس
إحياء عيد الفصح في القدس

بقلم داود كتّاب/

احتفل المسيحيون الذين يتبعون التقويم الشرقي الأحد 8 نيسان/أبريل بعيد القيامة أو ما يطلق عليه أيضا عيد الفصح المجيد. حسب التقاليد المسيحية فإن عيد القيامة الذي يذكر بقيامة المسيح من الأموات بعد الصلب والدفن يعتبر "العيد الكبير" في حين أن عيد الميلاد المجيد الذي يذكر بولادة يسوع المسيح من العذراء مريم في مغارة بسيطة في مدينة بيت لحم يعتبر "العيد الصغير" ولكن تراجع أعداد المسيحيين في العالم العربي أصبح يشكل فرصة للبعض لإهمالهم وإهمال أعيادهم.

وقد شكلت الاختلافات الطائفية معضلة بسبب اعتماد أيام مختلفة لكل من العيدين. فمن يسيرون بحسب التقويم الغربي، أي الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية، يحتفلون بعيد الميلاد في 25 كانون الأول/ديسمبر بينما الكنائس الأرثوذكسية والقبطية التي تعتمد التقويم الشرقي يحتفلون في 7 كانون الثاني/يناير.

أما عيد القيامة فالأمر أكثر تعقيدا حيث يتم تحديد موعده من خلال التقويم القمري الذي يختلف من سنة إلى سنة، ورغم أن الأعياد الشرقية والغربية تختلف فيما بينها إلا أن هذا الاختلاف يختفي مرة كل أربعة أعوام فتعيد جميع الطوائف في اليوم ذاته وهو ما يسمى بالسنة الكبيسة.

هناك من يتجنب أو يرفض معايدة المسيحيين وخاصة بمناسبة عيد القيامة

​​هذه الاختلافات تشكل مشكلة لمسيحيي الشرق حيث الغالبية منهم يتبعون التقويم الشرقي رغم أن غالبية مسيحي العالم، فيما يتعلق بالثقافة والإعلام والأجواء الدينية، تحتفل بالأعياد حسب التقويم الغربي. وقد حاول البعض حل هذه الإشكالات من خلال التوصل إلى اتفاق اجتماعي (لا يمكن التوصل إلى اتفاق ديني) بأن يحتفل الجميع بعيد الميلاد حسب التقويم الغربي وبعيد القيامة حسب التقويم الشرقي.

اقرأ للكاتب أيضا: ما هي مسؤوليات مستشار الأمن القومي وهل ينفع بولتون لهذا المنصب

يبدو أن هذه الفوضى في تواريخ الأعياد شكلت مشكلة لحكومة رامي الحمد الله في فلسطين حيث انعقدت حكومته كالمعتاد يوم الثلاثاء 3 نيسان/أبريل ولم تعلن عن عطلة رسمية يوم القيامة (8 نيسان/أبريل) كما ولم يتذكر رئيس الوزراء بأن يقدم التهاني بمناسبة العيد الكبير للمسيحيين والذي يلي سبت النور حيث ينطلق النور المقدس من كنيسة القيامة ويوزع إلى كافة أنحاء العالم.

رئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنا عميرة اهتم بالموضوع وبعث برسالة إلى رئيس الوزراء يوم الأربعاء الماضي فور علمه بتجاهل الحكومة إعلان عطلة رسمية ولكن من دون جدوى وبقي القرار كما هو.

الرئيس محمود عباس أرسل رسالة تهنئة لتقرأ في كنيسة مار يعقوب للروم الأرثوذكس المحاذية لكنيسة القيامة. كما أقر الرئيس من خلال مساعديه أن رئيس وزرائه قد أخطأ. ووافق الرئيس أن يلتقي بوفد من رؤساء كنائس رام الله الذي كان قد أصدر بيانا غاضبا يحتج على إهمال رئيس الوزراء عيدا مهما للمسيحيين وعدم تهنئتهم.

واجتمع الرئيس في وقت متأخر من يوم سبت النور الذي يسبق العيد مع وفد من مجلس كنائس رام الله وهنأهم معلنا أن "الشعب الفلسطيني، يحتفل بأعياده الدينية الإسلامية والمسيحية بشكل مشترك، ويعبر عن مدى الانسجام والمودة بين جميع الطوائف". كما زار رئيس الوزراء كنيسة الروم الكاثوليك في نابلس لتقديم التهاني ولكن الضرر كان قد تحقق حيث تم انتقاد رئيس الوزراء في العديد من وعظات يوم عيد القيامة في فلسطين.

معظم الدول العربية والتي تعتبر الإسلام دين الدولة فيها، تتجاهل إعلان عيد القيامة كعيد رسمي

​​حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس، صرح للإعلام أنه كان من الأجدى بالحكومة أن تعلن عيد الفصح المجيد عطلة وطنية، مشيرا إلى أن الرئيس أعطى قراره العام الفائت للحكومة بأن يتم اعتبار هذا اليوم عيدا وطنيا لكل الفلسطينيين. وقال حنا عيسى: "إن العهدة العمرية هي التي تحكم التعامل المسيحي الإسلامي في فلسطين، والتي كان شعارها (لكم ما لنا وعليكم ما علينا) وهذا يعني أن أعيادنا الدينية هي أعياد وطنية".

اقرأ للكاتب أيضا: السيادة هي الأهم في القدس

يبدو أن المشكلة تضاعفت بسبب رفض البعض ضرورة تعطيل كافة مؤسسات الوطن بسبب تقلص عدد سكان الفلسطينيين المسيحيين إلى اثنين في المئة من سكان فلسطين حاليا، علما أن المسيحيين في فلسطين والعالم يمثلون 20 في المئة من الشعب الفلسطيني ولكن عددا كبيرا منهم هاجر فلسطين بسبب الأوضاع وبسبب توفر فرص للعيش في الخارج.

الأمر الأكثر خطورة والذي لم يتم الإشارة إليه علنا هو اختلاف وجهة نظر العديد من المسلمين حول موضوع الأعياد المسيحية وخاصة عيد القيامة. فرغم تقبل احتفالات عيد الميلاد والذي يذكر بولادة السيد المسيح في بيت لحم من العذراء مريم والذي تم ذكره في سورة مريم، إلا أن موضوع صلب وقيامة المسيح يشكل نقطة خلاف ديني ولذلك نرى أن معظم الدول العربية والتي تعتبر الإسلام دين الدولة فيها، تتجاهل إعلان عيد القيامة كعيد رسمي بل إن هناك من يتجنبون أو يرفضون معايدة المسيحيين وخاصة بمناسبة عيد القيامة. وينطبق الأمر على مسيحيي العراق ومصر وغيرها من الدول التي ارتفعت فيها هجرة المسحيين، بسبب عدم الاستقرار، الأمر الذي استغله البعض.

إن اعتبار يوم أحد القيامة ـ عيدا رسميا أم لا ـ ليس بالأمر الهام بحد ذاته لكن المشكلة الأكبر تكمن في نظرة المسؤول الحكومي لمن هم أبناء شعبه. فموضوع الدولة المدنية يبرز مرة أخرى في نقاش مثل نقاش ما جرى في فلسطين لتسلط الضوء على ضرورة احترام مبدأ المواطنة والتي تشكل أساس التعامل مع الجميع بدون تمييز على أساس عرق أو جنس أو دين.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.