اجتماع وزراء الخارجية العرب تحضيرا للقمة العربية
اجتماع وزراء الخارجية العرب تحضيرا للقمة العربية

بقلم عريب الرنتاوي/

مع نشر هذا المقال على موقع "الحرة"، من المفترض أن تكون القمة العربية التاسعة والعشرين قد التأمت في الظهران (السعودية)، متأخرة عن موعدها الدوري المعتاد أكثر من أسبوعين، وبمشاركة عدد كبير نسبيا من القادة والحكام العرب، فلا أحد من هؤلاء يريد أو يرغب في إثارة غضب الدولة المضيفة، صاحبة النفوذ القوي في الإقليم برمته.

الأنظار تتجه إلى المقعد القطري في القمة، لمعرفة ما إن كان سيشغل أم أنه سيبقى شاغرا أسوة بمقعد سورية، ومن الذي سيجلس عليه، الأمير شخصيا، أم ممثل عنه، بعد أن بلغ الخلاف بين الدوحة و"الرباعي العربي" حد القطع والقطيعة... ولعلها من سخرية القدر أن قطر، التي دفعت بسورية خارج الجامعة العربية، تجد نفسها اليوم أمام مصاعب جمة تعترض طريق مشاركتها في قمة تحتضنها غريمتها السعودية.

رسميا، فإن كافة قضايا الإقليم وتحدياته، ستكون مدرجة على مائدة البحث بين القادة والزعماء، بعضها مرحل منذ سنوات وعقود، وبعضها الآخر طارئ ومستجد... لكن الأمر الذي لا يتجادل فيه اثنان أن القمم العربية، ومن بينها قمة الظهران، باتت تلتئم في غياب أي اهتمام شعبي عربي، فلا أحد ينتظر شيئا من هذه القمم، والقناعة السائدة لدى الغالبية العظمى من شعوب الدول الأعضاء، باتت تعتقد أن قرارات القمة لا تساوي الحبر الذي تكتب به.

لم تجد الدعوات لـ "إصلاح النظام العربي" التي انطلقت بقوة في مفتتح القرن الحادي والعشرين طريقها إلى حيز التنفيذ

​​لقد كانت القضية الفلسطينية، قبل قيام إسرائيل وبعده، المبرر الرئيس لنشوء النظام الإقليمي العربي، لكن هذا النظام أخفق في معالجة هذه المسألة، بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن على تأسيسه.

كما عجز هذا النظام عن معالجة معظم، إن لم نقل جميع، الأزمات التي ضربت العالم العربي بما فيها "الأزمات البينية" التي كانت تنشأ (ولا تزال) بين الدول الأعضاء. ويمكن القول، إن ما من نزاع جوهري واحد، نجحت الجامعة العربية في معالجته، حتى لكأن الحاجة إليها، قد انتفت تماما.

اقرأ للكاتب أيضا: من "الأممية البروليتارية" إلى "الأممية الإسلامية"

ولم تجد الدعوات لـ "إصلاح النظام العربي" التي انطلقت بقوة في مفتتح القرن الحادي والعشرين طريقها إلى حيز التنفيذ. فالخلافات العربية كانت أقوى من الجهود المخلصة التي بذلها خبراء ومختصون عملوا تحت مظلة الأمانة العامة للجامعة من أجل تحديث الجامعة واستنهاض مؤسساتها وأنظمتها الداخلية وأذرعها المختلفة.

بل يمكن القول إن هذه الخلافات سرعان ما نجحت بدورها في إجهاض تجارب إقليمية (فرعية) للعمل العربي المشترك مثل مجلس التعاون لدول المغرب العربي، ومجلس التعاون العربي الذي ضم كلا من مصر والعراق واليمن والأردن، وها هي تعصف اليوم، أو تكاد، بتجربة مجلس التعاون الخليجي، التي صمدت لأكثر من ثلاثة عقود قبل أن تواجه أكبر أزمة داخلية في تاريخ المجلس مع اندلاع الخلاف بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين.

إن أقدم نظام إقليمي يقف اليوم عاجزا عن مجابهة التحديات التي تواجه عددا كبيرا من دوله، من اليمن إلى سورية مرورا بليبيا والعراق، وتتوزع دوله على ثلاثة محاور دولية ـ إقليمية متصارعة.

محور إيراني ـ سوري، يستقطب قوى "لا دولاتية" في كل من العراق ولبنان والخليج. ومحور تركي ـ قطري يحظى بدور الرعاية لجماعات ومليشيات إسلامية (سنية) لعل أهمها جماعة الإخوان المسلمين. ومحور الاعتدال العربي الحليف لواشنطن والمقرب منها، على ما تعتمل في داخله من انقسامات وصراعات ناجمة عن تباين الأولويات وتضارب المصالح والحسابات الخاصة بأنظمة الحكم المختلفة المتحكمة بالدول الأعضاء.

وعلى الصعيد الاقتصادي ـ الاجتماعي، أخفقت الدول الأعضاء في إنجاز مهمة "اللحاق بركب العصر"، فالتبادلات البينية للدول الأعضاء لا تصل إلى عشرة في المئة من إجمالي تجارتها الخارجية. ومديونية هذه الدول، تزيد بقليل عن التريليون دولار (2200 دولار للفرد العربي)، وتعادل ما يقرب من خمسين في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية، وتبلغ البطالة في صفوف الشباب العربي ما يقرب من 30 في المئة، فيما معدلات النمو السكاني العالية تكاد تأكل كامل النمو الاقتصادي المتباطئ في معظم هذه الدول.

وحتى الدول العربية الغنية، باتت تواجه مشكلات العجز في موازناتها العامة السنوية، وترتفع مديونياتها الداخلية والخارجية على نحو مطرد، إن لأسباب تتعلق بتورطها بالعديد من الحروب والنزاعات الإقليمية، وما تستدعيه من صفقات تسلح فلكية، أو لأسباب تتصل بتراجع عائدات النفط وانخفاض أسعاره.

عجز هذا النظام عن معالجة معظم، إن لم نقل جميع، الأزمات التي ضربت العالم العربي

​​سيحرص القادة العرب المجتمعون في الظهران على الخروج ببيان مشترك يلخص الحد الأدنى لتوافقاتهم حول العناوين الرئيسة، إن لم يكن لرغبة منهم في الإبقاء على الإطار الشكلي لتضامنهم وعملهم المشترك، فمن أجل استرضاء الدولة المضيفة على أقل تقدير. فلا أحد من هؤلاء القادة يرغب أو يرضى بأن تسطر شهادة وفاة النظام العربي الرسمي على أرضه وفي ظل رئاسته للقمة.

اقرأ للكاتب أيضا: في ظلال أربعة ملوك... الجماعة والنظام في الأردن

سيعبرون عن دعمهم لشعب فلسطين وحقوقه الوطنية، وسيؤكدون التزامهم مبادرة قمة بيروت العربية للسلام، وسيجدد موقفهم من القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. وسيتبنون الموقف السعودي ـ الإماراتي من الأزمة اليمنية بالكامل. وسيعبرون عن دعمهم لـ "عراق ما بعد داعش" وسيؤيدون جهود حكومته لإعادة إعماره. وسيعيدون التأكيد على مواقفهم القديمة من الأزمة السورية.

وسيتخذون مواقف انتقادية صارمة ضد إيران، وسيتحفظ عليها الوفد العراقي وسيختار لبنان "النأي بالنفس. وستحاول بعض الأطراف (السعودية، الإمارات ومصر) توجيه انتقادات لتركيا، ومطالبتها بالكف عن التدخل في الشؤون العربية، وسحب قواتها من العراق وسورية، وستتحفظ على ذلك دول مثل قطر، وستنأى دول أخرى بنفسها عن هذا السجال، أو ربما تكتفي بتسجيل تحفظاتها على البيان الختامي.

لا أحد سيعتني كثيرا بتفاصيل هذه المواقف أو آليات ترجمتها وتنفيذها، فجميع المشاركين في القمة، يعرفون تمام المعرفة، أن قيمة هذا البيان، تكمن في صدوره، وأن مفاعيله ستتآكل بعد توزيعه على المراسلين الصحفيين ووسائل الإعلام.

ـــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.