امرأة تمر بالقرب من صورتي خامنئي وبوتين على واجهة في بروكسل

بقلم فيليب سميث/

في الخامس من نيسان/أبريل، ادعت ميليشيا تبدو ظاهريا موالية لنظام الأسد وتطلق على نفسها تسمية "المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية" أنها نفذت هجوما صاروخيا على القوات الأميركية. وفي اليوم التالي، أصدرت ميليشيا أخرى ـ "لواء الباقر" ـ التي يزعم أنها تعمل تحت قيادة النظام بيانا أعلنت فيه "الجهاد" ضد القوات الأميركية والقوات الحليفة لها في سورية.

وتردد أن للجماعتين علاقات مع إيران: فـ "لواء الباقر" يخضع لتوجيه طهران أكثر من بشار الأسد، في حين قد تكون "المقاومة الشعبية" الغامضة جبهة إيرانية أيضا. وتشير هاتان الحالتان وغيرهما إلى أن الميليشيات الشيعية "الموالية للأسد" كما يطلق عليها تسير بشكل متزايد على خطى الجمهورية الإسلامية، ما يطرح تهديدا أكبر حتى لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

الميليشيات الشيعية في سورية

يشكل الشيعة حوالي واحد إلى اثنين في المئة من الشعب السوري، من بينهم أبناء مذهب الإسماعيلية والاثني عشرية (الفرع المهيمن في إيران، و"حزب الله"، وبقية العالم الشيعي). أما العلويون، وهي الطائفة التي تنتمي إليها زمرة الأسد، فهم مجموعة متحفظة تتأثر جزئيا بمعتقدات الشيعة.

يتفوق النفوذ الإيراني على الأرض في سورية بسرعة على نفوذ نظام الأسد وروسيا

​​وعلى الرغم من صغر حجم المجتمع الشيعي في سورية، اضطلعت الميليشيات التي يديرها الشيعة أو يسيطرون عليها بدور غير متكافئ في الصراع. فقد كان عدد الجماعات الشيعية المحلية محدودا، حيث بلغ إجمالي عدد المقاتلين حوالي 3500 إلى 5 آلاف مقاتل خلال الأيام الأولى من الحرب، وحاليا ما بين 8 و12 ألفا.

لكن إيران قامت بتعزيز هؤلاء المقاتلين بشكل مطرد بمقاتلين شيعة أجانب، من بينهم أعضاء من "حزب الله" والميليشيات من أفغانستان وباكستان والعراق. ويتراوح عدد هؤلاء الأجانب في الوقت الراهن ما بين 20 و30 ألفا، وفقا لاحتياجات التجنيد والانتشار.

المنشقون الموالون لإيران

كان نشر الجماعات الشيعية المنشقة استراتيجية اعتمدتها إيران منذ الأيام الأولى لقيام النظام بتصدير ثورته الإسلامية، وقد أصبحت طهران بارعة في ذلك نوعا ما. فقد بدأ تطوير الميليشيات الشيعية الكبيرة في سورية في أواخر 2011، عندما دفعت وكالات الاستخبارات التابعة للأسد السكان المحليين إلى تشكيل جماعات ذات اصطفافات طائفية إلى حد كبير، والتي أصبحت في نهاية المطاف ما يعرف بـ "اللجان الشعبية".

وكان "لواء أبو الفضل العباس" أول شبكة ميليشيات شيعية كبيرة في البلاد وأصبح في وقت لاحق رائدا في تجنيد الشيعة الأجانب. وفي عام 2012، بدأت الفصائل العديدة التابعة لـ "لواء أبو الفضل العباس" بالانشقاق، وهي أول إشارة إلى هدف إيران في الهيمنة على جميع الجماعات المسلحة الشيعية في سورية. وقد شملت هذه الجماعات المنشقة:

"لواء ذو الفقار". وفقا لمقابلات مع مقاتليها، انفصلت هذه الجماعة في أوائل الحرب، ويعزى ذلك جزئيا إلى خلافات مع بعض قيادات "لواء أبو الفضل العباس". وكان مؤسسها الراحل فاضل صبحي (المعروف بأبو هاجر)، عراقيا منفيا يعيش في سورية، وكان قد قاتل سابقا إلى جانب "جيش المهدي" التابع لمقتدى الصدر. ولم تتوان طهران عن استمالته، حيث أحضرته إلى إيران في زيارة تم تصويرها جيدا في عام 2013. وبعد مصرعه في درعا في أيلول/سبتمبر 2013، استعاد الموالون للأسد بقيادة حيدر الجبوري (المعروف بأبو شهد) السيطرة على الجماعة، بعد أن أقصوا عائلة صبحي، وعلقوا المبالغ التي كانوا يدفعونها على خلفية "استشهاد" فاضل.

"قوات أبو الفضل العباس". بحلول منتصف عام 2014، انضمت رسميا شخصيات بارزة ضمن "لواء ذو الفقار" إلى هذه الجماعة المنشقة الجديدة بقيادة الشيخ العراقي المتطرف أوس الخفاجي. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت هذه القوات الأيديولوجية الإيرانية ودعمت الجماعات الخاضعة لسيطرة طهران.

"قوات التدخل السريع" و"كتائب الإمام علي". ساهم أحد مؤسسي "لواء أبو الفضل العباس" أحمد الحجي الساعدي في تشكيل الجماعة المنشقة المعروفة باسم "أفواج الكفيل"، والتي يشار إليها غالبا بـ "قوات التدخل السريع" ("قوات الرد السريع"). وبين عامي 2012 و2015، كان يقوم بعملياته في سورية ضمن وحدة شيعية عراقية استطلاعية صغيرة ولكن من ذوات الخبرة تحصل على دعمها من إيران. وفي أواخر 2016، كانت جماعته المنشقة قد اندمجت رسميا مع "كتائب الإمام علي" الخاضعة لسيطرة إيران والتي عينته لاحقا أحد ممثليها السوريين.

"منظمة بدر". قاد أبو علي الدراجي، وهو عراقي يعيش في سورية، مجموعة من المحاربين المتمرسين في "لواء أبو الفضل العباس" إلى بلاده خلال فترة معينة من الحرب. وبمجرد وصوله إلى هناك، أقام بسرعة علاقة وثيقة مع أحد أهم وكلاء إيران في العراق، وهي "منظمة بدر". ولم يعد فصيله إلى سورية منذ ذلك الحين.

الأنصار الشيعة للأسد

مع استقلال الجماعات الشيعية العراقية بشكل متزايد في سورية بين عامي 2015 و2016، تلاشى الفرع العراقي الرسمي لـ "لواء أبو الفضل العباس" ("صقور الإمام المهدي")، ووثقت المنظمة علاقاتها العلنية بالميليشيات الخاضعة للأسد وبأبرز ألوية النظام على غرار "صقور الصحراء". كما حملت رايات "لواء أبو الفضل العباس" والرقع على ملابس أعضائها بشكل متزايد شارات وحدتين رئيسيتين من الجيش السوري، هما "الفرقة الرابعة المدرعة" و"الحرس الجمهوري"؛ ويمكن ملاحظة شعارات مماثلة في صفوف "لواء الإمام الحسين"، وهي جماعة تخضع لسيطرة الأسد وانبثقت عن "لواء أبو الفضل العباس".

غالبا ما تكرر جماعات "حزب الله" السورية الحملات الدعائية الآتية مباشرة من طهران

​​وفي أواخر 2017، بدأت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لبعض أعضاء "لواء أبو الفضل العباس" تعتبر علنا الشبكة بمثابة قسم فرعي لـ "الحرس الجمهوري". وعلى نحو مماثل، يتعين على كافة مقاتلي "لواء الإمام الحسين"، بمن فيهم أولئك الذين جندوا في العراق، أن يؤدوا قسم الولاء لنظام الأسد ـ في تناقض صارخ لحال الميليشيات الخاضعة لسيطرة إيران.

نموذج "حزب الله" في سورية

في عام 2013، شرعت طهران في بناء نسخ سورية عن "حزب الله". وغالبا ما تتلقى هذه الجماعات الشيعية أوامرها مباشرة من "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني و"حزب الله". ومع ذلك، يتخطى هذا النموذج كونه مجرد تشكيل لجماعات مسلحة، تشمل مكونات سياسية إيديولوجية ومحلية أيضا.

وخلافا للميليشيات الشيعية التي يسيطر عليها الأسد، أظهرت نسخ "حزب الله" في سورية اهتمامات واسعة النطاق بالأيديولوجية الشيعية العابرة للحدود الوطنية، والأنشطة الاقتصادية، والدبلوماسية، والسياسة. وعلى وجه الخصوص، تقوم بتلقين المجندين أيديولوجية "ولاية الفقيه" التي ينتهجها النظام الإيراني، والتي تمنح السلطة المطلقة للمرشد الأعلى علي خامنئي. وغالبا ما تكرر جماعات "حزب الله" السورية الحملات الدعائية الآتية مباشرة من طهران، وتميل إلى التركيز بصورة أكثر على قضايا خارج سورية أكثر من الميليشيات الأخرى.

وخير مثال على هذه الطريقة من التفكير الأوسع نطاقا هو "لواء الباقر". فقد دعمت الجماعة، من بين أنشطة أخرى، بشكل صريح المتمردين الحوثيين المرتبطين بإيران في اليمن، وأدارت شبكة نقل عام في حلب، وأرسلت وفدا إلى محادثات السلام التي توسطت فيها روسيا في سوتشي، وأيدت عمر حسين الحسن كمرشح للانتخابات النيابية في سورية عام 2016. كما تجاوزت الجماعة خطوطا طائفية عن طريق تجنيد رجال قبائل سنيين من المقاطعات الشرقية. ولا يزال نفوذها ينمو شيئا فشيئا، ومن المحتمل أن تكون فائدتها لطهران أكثر من الأسد.

مجالات النفوذ

يبدو أن ميليشيات الأسد والقوات الشيعية الخاضعة للسيطرة الخارجية تركز على مجالات نفوذ مختلفة. فالميليشيات الإيرانية تميل إلى الانتشار بالقرب من القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية.

ففي آذار/مارس 2017، على سبيل المثال، أعلنت الجماعة الشيعية العراقية "حركة حزب الله النجباء" إنشاء "لواء تحرير الجولان"، الذي سرعان ما شكل تهديدا لإسرائيل من خلال انتشاره على طول حدودها الشمالية الشرقية.

وبعد بضعة أشهر، قادت الميليشيات الخاضعة لسيطرة إيران تقدما باتجاه قاعدة المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة في التنف، من بينهم جماعات على طراز "حزب الله" على غرار "لواء المختار الثقفي" و"لواء الباقر" و"لواء السيدة رقية" (وهي مجموعة فرعية لـ "القوة الجعفرية").

ومنذ ذلك الحين، أطلقت الوحدات المدعومة من طهران ذات الأصول المختلفة عمليات في الصحراء الشرقية لسورية وقرب دير الزور، وغالبا ما كانت قريبة من المناطق الحدودية الآمنة التي أقامتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وقد ادعت بعض تلك الجماعات وقوع خسائر بشرية في صفوفها جراء الضربات الأميركية؛ ففي شباط/فبراير، على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير عن تعرض القوات القبلية المحلية بقيادة "لواء الباقر" للقصف من قبل المدفعية الأميركية لدى تقدمها باتجاه القوات المدعومة من الولايات المتحدة قرب دير الزور.

وفي المقابل، لم يكن لميليشيات الأسد سوى ظهور رمزي خلال التحقيقات في المواقع الأميركية والجولان، مفضلة، بدلا من ذلك، التركيز على ساحات المعارك الرئيسية التي يخوضها النظام.

وأفادت بعض التقارير أن "لواء الإمام الحسين" و"لواء أبو الفضل العباس" قد انتشرا مرة بعد أخرى بالقرب من القرداحة، مسقط رأس أجداد عائلة الأسد في الشمال. كما ركزت الجماعتان على الهجوم في الغوطة الشرقية في دمشق.

وفي منتصف آذار/مارس، نشر "لواء الإمام الحسين" صورا تظهر عناصره إلى جانب الأسد وهم يحاربون في ضواحي حرستا شمال شرقي العاصمة. لكن القوات الواقعة تحت سيطرة إيران ظلت غائبة بصفة ملحوظة عن القتال الأخير في الغوطة الشرقية ـ حتى "حزب الله"، الذي كان ملتزما للغاية بهذه الجبهة في السنوات الماضية.

وفي المناطق التي تحارب فيها ميليشيات الأسد إلى جانب الجماعات الإيرانية، تصاعدت على ما يبدو وتيرة التوترات فيما بينها. ففي تقرير صدر في آذار/مارس عن "الإذاعة الوطنية العامة" في الولايات المتحدة، أفاد أحد المنشقين عن الجيش السوري أن "حزب الله" وقوات الأسد غالبا ما يتنافسان للسيطرة على ساحات المعارك الفردية؛ على سبيل المثال، "أراد كلاهما أن يكون من يعلن النجاح في ضمان استسلام المتمردين" في ضاحية داريا جنوب غرب دمشق.

الميليشيات الإيرانية تميل إلى الانتشار بالقرب من القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة وعلى مقربة من الحدود الإسرائيلية

​​وفي خطوة لها دلالتها، هرعت قوات "لواء الإمام الحسين" إلى مقام السيدة سكينة الشيعي في المدينة، ليس لإعلان النصر لصالح الأسد فحسب، بل لإضفاء طابع النصر الطائفي على مشاركتها أيضا.

وفي منتصف عام 2013، كانت المصادر العربية ووسائل التواصل الاجتماعي قد أفادت عن وقوع جدالات بين القوات الشيعية السورية والعراقية وتحولها إلى معارك. وكان "حزب الله" يشارك أيضا في بعض الأحيان في مثل تلك المواجهات. وبالمثل، تشير الاتصالات اللاسلكية والفيديوهات التي تم اعتراضها إلى ازدراء "حزب الله" للوحدات السورية.

التداعيات السياسية

يتفوق النفوذ الإيراني على الأرض في سورية بسرعة على نفوذ نظام الأسد وروسيا. فليس أمام دمشق سوى خيارات قليلة لعكس هذا الاتجاه نظرا للأقلية العلوية التي تمثل قاعدة دعمها. ونتيجة لذلك، فإن القوات التي تكتسب الهيمنة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ستميل بشكل أكبر نحو دعم أجندة السياسة الخارجية لطهران بدلا من أجندة الأسد. وقد تشمل هذه الأجندة قتال القوات الأميركية في جنوب وشرق سورية أو مهاجمة إسرائيل عبر هضبة الجولان.

وبشكل عام، على الولايات المتحدة أن تفترض أن التصريحات السياسية لنظام الأسد لا تطبق خارج دمشق ومناطق النظام الرئيسية. ومع ذلك، ربما لا يزال أمام واشنطن فرص لإبعاد الفصائل عن هيمنة إيران في بعض الجبهات القتالية.

على سبيل المثال، قد تمثل الميليشيات الموالية للأسد (وخاصة العناصر السنية) أهدافا جيدة لإلقاء المنشورات وغيرها من العمليات النفسية التي تحذرها من عواقب عدم خدمة المصالح الخارجية لإيران من خلال التقدم نحو المواقع الأميركية. وقد تركز مثل هذه التحذيرات على عدم اهتمام طهران بها وأنها على استعداد تام لـ "القتال إلى آخر نفس سوري" إذا دعت الحاجة.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المحللين الحكوميين في الولايات المتحدة أن يرصدوا عن كثب تحركات الفصائل المؤيدة للأسد التي عملت مع الوكلاء الإيرانيين في الماضي، حيث أنها الأكثر احتمالا لمتابعة أولويات طهران في المرحلة القادمة. ويبدو أن النقاط الساخنة شرقي سورية هي هدف أحدث التحركات المعادية للولايات المتحدة، لكن جبهة الجولان قد تشتعل على المدى القريب أيضا.

فيليب سميث هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن ومؤسس مدونة "موكب "حزب الله"، ومؤلف دراسة المعهد باللغة الإنكليزية لعام 2015 بعنوان "حركة الجهاد الشيعي في سورية وتداعياتها الإقليمية".

المصدر: منتدى فكرة

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.