متظاهرة ضد الأسد في واشنطن
متظاهرة ضد الأسد في واشنطن

بقلم عبد الحفيظ شرف/

استلم بشار الأسد الحكم في سورية بعد وفاة والده حافظ الأسد بترتيب من الحرس القديم الذي نفذ وصية والده فجرى تغيير الدستور السوري في دقائق معدودة في مجلس الدمى، عفوا قصدت مجلس الشعب، وتم اختيار الأسد بعدها رئيسا للجمهورية العربية السورية.

بعد عدة سنوات أزاح بشار الأسد الحرس القديم الذي أوصله إلى السلطة وحاول بث إشاعات أمل للمواطنين السوريين بأنه رجل متعلم وطبيب رحيم درس في الغرب ورأى جمال الديموقراطية وعاش الحرية وفهم معانيها، وأنه شاب طموح متواضع يريد أن يغير وجه سورية.

إلا أن المتابع للأحداث يعرف أن كل هذا لم يكن إلا فقاعات تمويه للشعب السوري. على العكس من ذلك، تحالف الأسد مع إيران وأعطاها المجال كله لتغيير ثقافة الشعب السوري وسمح لها بافتتاح المراكز الثقافية في كل مدينة سورية تقريبا، بل وفي بعض القرى، لتزرع مثقفيها وأيدولوجيتها في المجتمع.

رد الأسد على التحركات الشعبية بتحريك الجيش واقتحام المدن وقصفها بالطائرات واستهدف الأحياء المدنية بالقنابل والبراميل المتفجرة

​​سار الأسد على نهج أبيه الدكتاتوري فاعتقل المثقفين والمعارضين واستخدم كل أنواع التعذيب في معتقلاته، فكان يعتقل كل من له هوى ديموقراطي أو تعددي. اعتقل رياض سيف وكمال اللبواني وغيرهما الكثير. وسار على ذات النهج الطائفي الخفي المغلف بالعلمانية، فكان يمكن طائفته ويزرع الفتنة بين الطوائف الأخرى. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما كان يقوم به من تأليب أبناء الطائفة الدرزية الكريمة على جيرانهم في درعا والعكس عبر أذرعه وأجهزة استخباراته.

اقرأ للكاتب أيضا: رسالة إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان

وبعد إحدى عشرة سنة من حكمه الاستبدادي انطلقت التحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح وتغيير الوضع الحالي فقابلها بالرصاص والمعتقلات والحلول الأمنية وبدأ يقتل شعبه ليحافظ على حكمه وكرسيه ودفع كل ثمن ممكن ليبقى على سدة الحكم في سورية. حرك الجيش واقتحم المدن وقصفها بالطائرات واستهدف الأحياء المدنية بالقنابل والبراميل المتفجرة، وهو اختراع رخيص الثمن ولكن يسبب خسائر ضخمة للغاية وكان يرميها فوق رؤوس المدنيين العزل وفي قلب الأحياء السكنية.

قيصر، البطل الذي كان يعمل في سجون النظام واستخدمه بشار الأسد وأجهزته الأمنية لتصوير ضحايا التعذيب، خاطر بحياته ليهرب آلاف الصور لهؤلاء المظلومين ليعرف العالم ما يحصل في سجون الأسد من تعذيب وتجويع. هذا البطل تقطع قلبه ألما على أبناء شعبه الذين كان يراهم يوميا يتألمون ويفقدون الوعي من شدة الألم. 44 ألف صورة للمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والتجويع حتى الموت كانت حصيلة ما استطاع تهريبه من الصور، وما خفي كان أعظم. هذه الصور تذكرنا بصور الهولوكوست وبشاعته.

حاصر الأسد المدن والقرى التي طالبت بالإصلاح والتغيير والتي ثارت على حكمه ليموت أهلها جوعا

​​حاصر بشار الأسد المدن والقرى التي طالبت بالإصلاح والتغيير والتي ثارت على حكمه ليموت أهلها جوعا. تحولت أوراق الشجر، أو ما تبقى منها، إلى غذائهم الوحيد في مشهد لم تعتد البشرية والعالم على رؤيته. قطع كل أشكال المساعدات عن المحاصرين وسرق واستولى على أغلب المساعدات الدولية حتى لا يصلهم شيء.

هذا المدعو بشار الأسد قتل أكثر من نصف مليون إنسان على أقل تقدير وبعض الأرقام والإحصائيات تقول إن عدد القتلى وصل إلى مليون إنسان. هجر داخليا وخارجيا أكثر من 11 مليون إنسان. اعتقل مئات الآلاف، وهؤلاء كلهم أبناء شعبه ومواطنيه لكنه لا يكترث لهذا.

اقرأ للكاتب أيضا: سورية.. من مع من ومن ضد من؟

ولا ننسى أن الأسد صنع وخزن السلاح الكيميائي المحرم دوليا ثم استخدمه مرات ومرات؛ أولها كانت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما (2013) الذي لم ينفذ وعده بعد تجاوز الأسد لخطوطه الحمراء وقبل بمعاهدة لتسليم السلاح الكيميائي. استخدم الأسد هذا السلاح الكيميائي ضد شعبه في خان شيخون وعندها أمر الرئيس ترامب بضربة عسكرية على مطار الشعيرات العسكري ليعاقبه على فعلته الشنيعة.

وفي الذكرى الأولى لمجزرة خان شيخون عاد الأسد ليقصف مدينة دوما والمدنيين هناك بالسلاح الكيميائي والغازات السامة. سقط الأطفال والنساء ضحايا، ليخرج الزبد من أفواههم ولنرى آثار الألم على خلجاتهم ولنسمع صوت أنفاسهم وهم يختنقون ويتألمون ولم يستطع أحد أن يقدم لهم أي مساعدة.

بعد كل ما قرأت ألا تعتقد عزيزي القارئ أن بشار الأسد يستحق لقب الحيوان؟ وهو اللقب الذي أطلقه عليه الرئيس ترامب وأصبح أحد أشهر الهاشتاغات على موقع تويتر، أم أنه لا يستحق؟

ـــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.