محمد صلاح محتفلا هدفه الأول في مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا
محمد صلاح محتفلا هدفه الأول في مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا

بقلم جويس كرم/

بين عناوين القصف والغارات والتهجير والعودة القسرية في عالمنا العربي، بصيص أمل يحمله صعود لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح "الفرعون" لشباب المنطقة، ليس فقط بطاقات رياضية واعدة بل أيضا بخرق جدار الصور النمطية للعرب والمسلمين في الخارج.

"مو صلاح لا لا لا، إذا سجل هدفا آخر سأكون مسلما أيضا"، هي واحدة من عدة أغاني جمهور ليفربول البريطاني لنجمهم الصاعد الذي سجل حتى الآن 43 هدفا مع المنتخب وقد يفوز بالكرة الذهبية. حتى أطفال ليفربول يغنون "صلاح صلاح صلاح الملك المصري"، فيما جمهوره المصري رفعه إلى مصاف الرؤساء والفراعنة منذ أن أوصل المنتخب الوطني لكأس العالم هذا العام بعد غياب 28 عاما.

صلاح هو أقرب إلى زين الدين زيدان أو ديدييه دروغبا، بربط حضارة إفريقيا والعرب بحضارة الغرب في ملاعب كرة القدم

​​قصة محمد صلاح ونجاحه يتخطيان حدود ملاعب كرة القدم، وكونه بزمان ومكان وهوية استثنائية أضحى صورة تتقاطع فيها إنسانية الشرق والغرب، وتكسر بتواضعها وانفتاحها مناخ السلبية والتطرف والجهل في كلا المجتمعين.

فلاعب الجناح الأيمن لم يتدرب في أندية أو جامعات نخبوية خلال نشأته. طفولته المتواضعة كانت في قرية نجريج المصرية وفرضت عليه أحواله المعيشية التنقل لأربع ساعات للتدرب مع فريق المقاولين العرب في بداية مسيرته الكروية.

اقرأ للكاتبة أيضا: قوات عربية في سورية؟ التعقيدات والخيارات

وسيرته هذه تسلط الضوء على لاعب صنع نفسه بنفسه، وانتقل من منافسة فريق "ليفربول" إلكترونيا في لعبة "بلاي ستايشن" كما أخبر "سي. أن. أن"، إلى أن يصبح نجمه الأكبر اليوم.

في ذلك أمل للشباب المصري وللكرة المصرية بأن ما حققه محمد صلاح في فترة قصيرة متاح لغيره أيضا في لعبة تترابط فيها الأندية وتتلاقى فيها الشعوب بدل الصراعات السياسية والفئوية.

إنما أبعد من ذلك، فعربيا وحتى في كرة القدم فإن نموذج محمد صلاح هو نموذج الانفتاح والتحرر وليس القوقعة الأيديولوجية والتطرف. فما زالت وجبة ابن الـ 26 عاما المفضلة هي الكشري، ولو أن معاشه السنوي (58 مليون دولار) يسمح له بشراء أفخم مطاعم ليفربول وأكبر أطباقها. وهو قبل وصوله إلى مطار القاهرة، يطلب من صديقه إحضار طبق الكشري إلى المطار لتناوله في السيارة متجها إلى المنزل. صلاح في نفس الوقت انفتح واحتضن جمهوره الغربي؛ حين سافر إلى سويسرا لم يكن يجيد الإنكليزية عام 2012 بينما اليوم، فيتكلمها بطلاقة.

كسر الجمهور البريطاني بأسلوب تعاطيه وإعجابه بمو صلاح الكثير من شعارات الكراهية والصور النمطية حول المسلمين

​​في المقابل، كسر الجمهور البريطاني بأسلوب تعاطيه وإعجابه بمو صلاح الكثير من شعارات الكراهية والصور النمطية حول المسلمين، والتمييز السائد سابقا في بعض الملاعب الأوروبية ضد الأقليات.

فها هو صلاح الذي يحتفل ببعض أهدافه بالسجود على أرض الملعب، يتحول بعدها جسرا بين الشرق والغرب ويقوض بإنسانيته ونجوميته الشرور التي ألحقها تنظيم "داعش" وأخواته بصورة الإسلام والمسلمين في الغرب.

اقرأ للكاتبة أيضا: أي ضربات عسكرية لترامب في سورية؟

حتما هذه الصورة لن تتغير بين ليلة وضحاها، ورأينا تداعياتها مستمرة بعد هجوم تورونتو والاتهامات الزائفة ضد المسلمين الاثنين، إنما شخص صلاح والهتافات مع المسلمين في أرض الملعب تجعله سفيرا أفضل لهؤلاء من ملايين الدولارات التي تم صرفها من أنظمة وتنظيمات على شركات العلاقات العامة.

داخل مصر، وفي خضم المشاكل الاقتصادية والجمود السياسي، فإن صلاح حتى لو تقاعد بعد كأس العالم، فهو أسطورة بين أهله. وهو يدرك ذلك ويدرك حجم الضغوط وما معنى أن يشاهده ويتابعه 100 مليون مصري سواء الآن أو في حزيران/يونيو في روسيا.

الخبراء الرياضيون يقارنون بين مو صلاح وليونيل ميسي، وهنا قد تصح المقاربة في أساليب اللعب. أما رمزيا، فصلاح هو أقرب إلى زين الدين زيدان أو ديدييه دروغبا، بربط حضارة إفريقيا والعرب بحضارة الغرب في ملاعب كرة القدم. وهو يعد بشخصه ومهاراته بمسيرة طويلة تليق بـ "أرض الكنانة".

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.