في شباط 2018 أطلق الجيش المصري عملية ضد الجماعات الإرهابية في سيناء
في شباط 2018 أطلق الجيش المصري عملية ضد الجماعات الإرهابية في سيناء

بقلم محمد سليمان/

في مواجهة العدو الإرهابي المشترك العنيد، ينبغي على الولايات المتحدة مواصلة توسيع دعمها العسكري لتحسين قدرات الجيش المصري على مواجهة تنظيم "داعش" في سيناء. فمن دون تعزيز القدرات والدعم العسكري الأميركي، لا تتمتع بمصر بالتجهيزات الكافية لمجابهة هذا الخطر المتنامي، وسيحصل تنظيم "داعش" على موطئ قدم أساسي يمكنه من التوسع باتجاه أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. أما الجانب المصري، فعليه دمج تقنيات حديثة لمكافحة الإرهاب مع عقيدته العسكرية.

خلال السنوات القليلة الماضية، خسر تنظيم "داعش" معظم أراضيه في العراق وسورية، ولكن بعد نجاحه في تأسيس قاعدة قوية له في مصر منذ عام 2013، حول التنظيم أنشطته من العراق وسورية إلى مصر، حيث استمر التمرد الإسلامي في شمال سيناء بقيادة أكثر من ألف مقاتل من التنظيم.

وكان للتمرد في سيناء عواقب جسيمة شملت إسقاط طائرة الركاب الروسية في 2015 ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224 شخصا، والهجوم على "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين" و"فرقة العمل الأميركية لسيناء"، ومقتل أكثر من 250 شخصا في تفجير مسجد الروضة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، واستهداف وزيري الدفاع والداخلية المصريين خلال زيارتهما إلى مطار العريش في كانون الأول/ديسمبر 2017.

وفى مطلع شهر شباط/فبراير 2018، أطلق الجيش المصري "عملية سيناء" بمشاركة قوات برية وبحرية وجوية ورجال شرطة وحرس الحدود، لاستهداف التنظيمات الإرهابية شمال وجنوب سيناء.

يجب أن تتضمن الأولويات المصرية إزاء شمالي سيناء خطة تطوير تشمل توفير بنية تحتية أساسية واستحداث فرص عمل

​​وبعد أسبوعين من العمليات العسكرية المستمرة، طلب رئيس أركان القوات المسلحة محمد فريد من الرئيس عبد الفتاح السيسي تمديد عملية "سيناء 2018" لأكثر من ثلاثة أشهر. وبرر فريد طلبه باستحواذ التنظيمات الإرهابية على كميات كبيرة من المتفجرات وبالمشقات التي تواجهها القوات في المناطق السكنية. وكان الجيش المصري عاجزا عن مواجهة تمدد التنظيم بسبب افتقار طواقم طائراته إلى التدريب المتقدم والحاجة إلى تعزيز تدريبات القوات البرية على قتال الشوارع.

وقد عززت المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة حاليا إلى مصر قدرة هذه الأخيرة على شن حرب تقليدية لكنها لم توفر القدرات الضرورية لدحر تنظيم "داعش" في شمالي سيناء. ويسلط فشل الجيش المصري في مواجهة التهديدات الإرهابية في شمالي سيناء الضوء على الحاجة إلى إعادة تقييم فاعلية الدعم العسكري الأميركي السنوي بقيمة 1.3 مليار دولار.

وقد بدأت هذه المساعدة كمكافأة لقاء اتفاق السلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل، من خلال توفير مزود أسلحة بديل إلى القاهرة وإقامة رادع شبه عسكري بين مصر وإسرائيل. فالولايات المتحدة لا تستطيع، ولا يجدر بها، تحمل هذه المسؤولية بمفردها. ويجب أن تولي الدول الأوروبية وحلف "ناتو" وإسرائيل اهتماما لمواجهة التهديد الذي يطرحه تنظيم "داعش" في هذه المنطقة وأن تضطلع بدور فعال في تعزيز قدرة مصر على مكافحة الإرهاب.

ويكمن التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في كيفية إقناع الحكومة المصرية بالموافقة على تلقي التدريب على مكافحة الإرهاب ودمجه في عقيدتها العسكرية. وعلى الولايات المتحدة إعادة توجيه علاقاتها العسكرية مع مصر وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التمرد الإسلامي المتنامي في سيناء. وعلى الولايات المتحدة أيضا إقناع نظرائها الأوروبيين بإجراء تدريبات على مكافحة التمرد للقوات البرية والجوية المصرية.

فالمناورات العسكرية المصرية ـ الأوروبية لا تزال محصورة بالمناورات البحرية التي لعبت تاريخيا دورا محوريا في تسيير مصر دوريات جنوبي البحر المتوسط ومنع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وعلى ضوء توسع تنظيم "داعش" نفوذه في سيناء، يعتبر التعاون البحري غير كاف ولا بد من تعزيزه فورا.

كان الجيش المصري عاجزا عن مواجهة تمدد داعش بسبب افتقار طواقم طائراته إلى التدريب المتقدم

​​وكانت الشكوك تساور الجيش المصري حيال أي ضغوط قد تمارسها الولايات المتحدة على عمليات مصر العسكرية. ولطالما اعتبرت مصر المساعدات العسكرية الأميركية بشكلها الحالي بمثابة مكافأة عن معاهدة السلام مع إسرائيل وستعتبر أي مراجعة لها تصرفا غير ودي.

لكن المشهد الحالي يشكل الوقت الأكثر ملاءمة لإعادة هيكلة الجيش المصري ليتمكن من محاربة تمرد تنظيم "داعش" في سيناء نظرا إلى حاجة نظام السيسي العميقة إلى تحقيق مكاسب سريعة من أجل إنعاش شرعيته بين أوساط المصريين.

ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة ممارسة ضغوطا على القيادة المصرية لتغيير أولويات اتفاقات الأسلحة التي تبرمها كي تشمل الأدوات اللازمة لمكافحة الإرهاب. وبدلا من ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اشترت مصر مؤخرا غواصات ألمانية وحاملتي مروحيات برمائيتين فرنسيتين العام الفائت من الأموال الوطنية.

وختاما، وعلى الصعيد غير العسكري، يجب أن تتضمن الأولويات المصرية إزاء شمالي سيناء خطة تطوير تشمل توفير بنية تحتية أساسية واستحداث فرص عمل للسكان المحليين من البدو في سيناء، الذين جرى تهميشهم لعقود من الزمن.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.