رئيس الحكومة الإسرائيلية يعرض وثائق عن البرنامج النووي الإيراني
رئيس الحكومة الإسرائيلية يعرض وثائق عن البرنامج النووي الإيراني

بقلم حسين عبد الحسين/

أمضت إيران سنوات المفاوضات التي سبقت التوصل للاتفاقية النووية بينها وبين المجتمع الدولي وهي تكرر أن على العالم أن يثق أنها لن تنتج السلاح النووي، فقط لأن مرشدها الأعلى علي خامنئي أفتى بحرمة هذا النوع من السلاح. العالم، بدوره، كان متهافتا على تصديق الإيرانيين، صدقوا أم كذبوا، فلم يذكر طهران بأنها حاولت الكذب على العالم ببنائها منشأة فوردو النووية سرا.

لم تكن "وكالة الطاقة الذرية الدولية"، المطلوب الركون إلى رقابتها النووية على إيران اليوم، هي التي اكتشفت فوردو، بل "منظمة مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة. قدمت المنظمة معلوماتها عن المنشأة إلى الاستخبارات الغربية، التي طابقت المعلومات مع صور الأقمار الاصطناعية ومصادر أخرى، وفي أيلول/سبتمبر 2009، أعلن الرئيس السابق باراك أوباما اكتشاف الخديعة الإيرانية، فأصرت إيران أن الهدف من منشأتها السرية كان مدنيا لا عسكريا. لم تقل إيران عندما بنت منشأة نووية محصنة تحت الجبال أن أهدافها غير عسكرية.

رفضت إيران، علنا، تعليق الجزء الثاني من برنامج تسليحها النووي

​​في المفاوضات النووية مع إيران، أصرت إدارة أوباما على التوصل إلى اتفاقية بأي ثمن. تم التحايل على مطلب المفتشين الدوليين دخول منشأة بارشين العسكرية، التي تعتقد استخبارات دول عدة أن إيران أجرت فيها تجارب على السلاح نووي، ووافقت إيران على دخول المفتشين في زيارة شكلية محدودة لرفع العتب وإقفال القضية.

اقرأ للكاتب أيضا: دلائل استخدام الأسد السلاح الكيماوي

تسعى إيران للحصول على سلاح نووي، وكل ما تقوله غير ذلك هو غير صحيح. اعتقد أوباما أنه بالتوصل لاتفاق مع إيران، وإعادة العلاقات الأميركية معها، يتحول السلاح النووي الإيراني إلى سلاح في يد حليف، وتنتهي المشكلة. على أن المشكلة لم تنته. خامنئي كان يدير إيران يوم كان أوباما لا يزال تلميذا جامعيا، وبان الفارق جليا بين دهاء المرشد وتواضع مواهب الرئيس الأميركي السابق في السياسة الدولية.

يوم أمس، اتهم رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو طهران بالعمل على مشروع سري لإنتاج أسلحة نووية، وفقا لأكثر من 100 ألف وثيقة إيرانية نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في العثور عليها وإخراجها من إيران. من جهتهم، لم يتأخر المسؤولون الإيرانيون في الرد، فغرد وزير الخارجية جواد ظريف معتبرا أن "وكالة الطاقة الذرية الدولية" سبق أن كذبت هذه المزاعم، وأن الخطوة الإسرائيلية تم توقيتها لتسبق قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتدفعه لإخراج أميركا من الاتفاقية النووية مع إيران.

لكن ما تفادى قوله رئيس الديبلوماسية الإيرانية أدلى به نائبه عباس عراقجي، الذي وصف تصريحات نتنياهو بالألاعيب الصبيانية، مضيفا أنها اتهامات تشبه اتهامات "مجاهدي خلق" حول برنامج طهران للأسلحة النووية. عراقجي لا يتقن الكذب مثل رئيسه ظريف، إذ قام الأول بالربط بين معلومات نتانياهو ومعلومات "خلق" للدلالة على كذب المسؤول الإسرائيلي. لكن "خلق" لم تكذب، بل إيران هي التي كانت تكذب حول فوردو، وإذا ما ربطنا بين الكشف عن فوردو وكشف نتانياهو عن "مشروع عماد" الإيراني لصناعة السلاح النووي، لا بد لنا الاستنتاج أن نتانياهو صادق وإيران كاذبة.

تسعى إيران للحصول على سلاح نووي، وكل ما تقوله غير ذلك هو غير صحيح

​​تلاعبت إيران بأوباما والعالم. أوهمتهم أنها توصلت إلى تسوية معهم، فيما هي في الواقع تخلت عما هو مكشوف في برنامجها النووي، ورفضت الإفصاح عما هو سري. كما رفضت إيران، علنا، تعليق الجزء الثاني من برنامج تسليحها النووي، فالرؤوس النووية تحتاج إلى ما يحملها، واستمرار إيران بتجاربها على الصواريخ الباليستية، وهي تجارب تدينها عواصم العالم بأجمعها ثم تتمسك بالاتفاقية النووية التي تسمح بحصول هذه التجارب، هو الجزء المكمل لبرنامج إيران لصناعة سلاح نووي.

اقرأ للكاتب أيضا: المثقفون الشبيحة

لم تكد واشنطن تعلن تمردها على الاتفاقية النووية العرجاء مع إيران حتى أطل المهرجون من أنصار طهران، في إيران وفي العواصم الغربية ومنها واشنطن، ليهددوا بحتمية اندلاع الحرب في حال تمزيق الاتفاقية. لكن نهاية الاتفاقية، حسب مجلس الأمن الدولي، لا تعني الحرب، بل تعني العودة إلى العقوبات القاسية على طهران، والعودة إلى المفاوضات.

ثم حاول أنصار إيران الربط بين إمكانية انهيار الاتفاقية مع إيران وتأثير ذلك السلبي على الاتفاقية النووية المحتملة مع كوريا الشمالية. لم يلاحظ هؤلاء أن توقيع الاتفاقية مع طهران لم يثن بيونغ يانغ عن إجراء تجاربها الصاروخية والنووية، ولا أقنعت محاولة تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران كوريا الشمالية بعدم جدوى المفاوضات. المساران الإيراني والكوري الشمالي منفصلان، وإمكانية التوصل لتسوية في كل منهما ضعيفة، كما إمكانية الذهاب إلى حرب. أما المطلوب، فتضامن عالمي لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على هذين البلدين، وعلى كل حكومة تعتقد أن بإمكانها الكذب على العالم لصناعة صواريخ نووية تثبت طغاتها في الحكم إلى الأبد.

ــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.