خلال الانتخابات التجريبية في نهاية نيسان/أبريل، تحضيرا للانتخابات العامة
خلال الانتخابات التجريبية في نهاية نيسان/أبريل، تحضيرا للانتخابات العامة

بقلم نضال منصور/

في عام 2005 وبعد إسقاط نظام الرئيس صدام حسين في العراق أقدم أردني على تنفيذ عملية انتحارية في مدينة الحلة تسببت في سقوط الكثير من الضحايا.

أحدث هذا التفجير أزمة سياسية في العلاقات الأردنية العراقية، ونفذ متظاهرون عراقيون وقفة أمام السفارة الأردنية في بغداد، وما زاد الأزمة احتفال أقامته عائلة الانتحاري بمدينة السلط وزعوا خلاله الحلوى واصفين ابنهم بالشهيد، ونشرت وسائل إعلام أردنية أخبارا عن الاحتفال.

الأزمة لم تطوق والغضب العراقي لم يتوقف، وإنما تصاعدت الانتقادات للأردن في وسائل الاعلام العراقية.

تنبه مركز حماية وحرية الصحفيين، وهو مؤسسة مجتمع مدني تعمل في العالم العربي ومقرها عمان، لمخاطر الأزمة والشرخ الكبير الذي قد تحدثه سياسيا ورسميا وإعلاميا وشعبيا، لهذا أقترح على الديوان الملكي الأردني المبادرة لتنظيم ملتقى إعلامي "أردني عراقي" يكون فرصة لحوار مباشر بين الصحافيين وتجسيرا للتواصل وإسماع الإعلاميين العراقيين الموقف الأردني على حقيقته.

وبصفتي رئيسا تنفيذيا لمركز حماية وحرية الصحفيين لم أتأخر؛ باشرت على الفور بالتواصل مع كل مدراء ورؤساء تحرير وسائل الإعلام العراقية، وبعد أيام كان 22 إعلاميا عراقيا بارزا في عمان، وعقدنا ملتقى للحوار بين الصحافيين في البحر الميت. والتقى الوفد الإعلامي العراقي الضيف مع الملك عبدالله الثاني وتناولوا معه الغداء، وقابلوا أيضا رئيس الحكومة ورئيسا مجلس النواب والأعيان.

باختصار حققت المبادرة أهدافها وطوقت الخلاف وتوضح بجلاء الموقف الأردني الداعم للعراق، والرافض للإرهاب الذي يستهدفه.

ينظر الحكيم ويروج لـ"النصر العراقي" على داعش وعلى الطائفية والحفاظ على وحدة العراق

​​كان الملتقى الإعلامي فرصة للقاء قيادي إعلامي ينضوي تحت مظلة "المجلس الأعلى الإسلامي" بقيادة عمار الحكيم حينها، وخلال عشاء بحضور الزميل أمجد العضايلة مدير الإعلام الأسبق في الديوان الملكي سألنا ضيفنا لماذا لا يزور عمار الحكيم الأردن؟

كانت هذه نقطة البداية لأول زيارة للزعيم الديني والسياسي عمار الحكيم للأردن في عام 2005 ولقائه مع الملك عبدالله الثاني، وكانت هذه الزيارة أول فرصة لي للقاء مع "سماحة السيد" كما يطلق عليه في العراق.

اقرأ للكاتب أيضا: بغداد تهزم الموت والإرهاب وتبشر بعراق جديد بعد الانتخابات

كنا على العشاء مع عمار الحكيم بدعوة من الديوان الملكي، ولم يزد عدد الحضور على أصابع اليدين. كان الحضور قبل اللقاء متحفظا فهو رجل دين بعمامة سوداء، وبالتأكيد سيضفي ذلك صرامة وطقوسا وبروتكولات على اللقاء، لكنني قررت أن أدخن "النرجيلة" في حضرة السيد وكسرت البروتكول، وتفاجأت أن الحكيم شخصية مرحة منفتحة، وما يترك أثرا عند شخصيته الحاضرة والنسق الفكري المتماسك الذي يميز حديثه.

في بغداد كنت على موعد للقاء به في منزله المطل على نهر دجله بالجادرية، وفي هذا اللقاء الذي لم يكن مخصصا كحديث صحافي ذكرت الحكيم بلقائنا الأول في عمان، واسترجعت بحضوره حرصه على العلاقة مع "الهاشميين،" وأقصد العائلة الملكية في الأردن فأجابني فورا "نحن أولاد عم".

خرج الزعيم عمار الحكيم من المجلس الأعلى ليؤسس تيار وتحالف "الحكمة"، ويصر على أن قائمته عابرة للطائفية والمحافظات، وأنها بعد ثمانية أشهر على تشكيل "الحكمة" ككيان واحد موحد تضم 90 في المئة وجوها جديدة، و45 في المئة شبابا دون عمر الأربعين.

بصراحة يعلن الحكيم أن ما أسماه "البعبع" الطائفي يتراجع في العراق، مؤكدا أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون لبناء الديمقراطية، مشيرا إلى أن الأعوام من 2003 وحتى 2018 كانت مرحلة انتقالية، معتبرا أن الانتخابات القادمة حد فاصل.

يقول الحكيم في نقاشي معه إنهم في "الحكمة" لن يقبلوا بالإقصاء أو حكومة شيعية، بل نريد حكومة عراقية.

ويتابع قوله: "نحن نركز ونروج للأغلبية الوطنية وليس الأغلبية السياسية".

عانى العراق في السنوات التي تلت سقوط نظام صدام من المحاصصة الطائفية، من دون تحقيق التنوع والاندماج وتمثيل المكونات المجتمعية، بل سعت الأطراف في صراعها لإقصاء الآخر، من دون أن تستلهم مخاطر هذه التوجهات، ولذلك يؤكد الحكيم بأن الكلام الطائفي يتراجع، ويذكر بأن صدام حسين كان حين يشكل حكومة يحرص على تمثيل القبائل والمكونات الطائفية على أن يكونوا بعثيين وهو ما كان يعطي حكومته شرعية.

ينظر ويروج الحكيم لما يسميه "النصر العراقي" ويشرح بنسق متسلسل معطيات هذا النصر ويبدأ من الانتصار العسكري على "احتلال داعش" منبها بأن مواجهة الخلايا النائمة لم ينته، والآثار المدمرة التي تركها التنظيم تحتاج إلى معالجة، ويعطي مثالا بأن آلاف الأطفال الذين أنجبهم "الدواعش" يخلقون تحديات ومشاكل كثيرة.

يذكر الحكيم بأن فتوى المرجعية الدينية في العراق، أي المرجع الديني علي السيستاني، كان لها الدور الأكبر في دحر "داعش"، حيث انطلق الناس بعدها لمواجهته وإنهاء ثلاث سنوات عجاف (2014 ـ 2017) عاث فيها في العراق تدميرا وإفسادا.

ويعتبر الحكيم أن النصر الثاني في العراق كان انتصارا مجتمعيا، وأبرز مظاهره تطويق الطائفية، واصفا إياها بأنها "أكذوبة كبرى".

لا يتوقف سماحة السيد عن هذا الحد في تفنيد الطائفية مبينا أن العشائر العراقية مختلطة ويقول: "الطائفية في العراق سياسية وليست مجتمعية".

أما النصر الثالث الذي يتوج الانتصارين السابقين في العراق فهو برأي الحكيم الحفاظ على وحدة العراق بعد الاستفتاء في كردستان في أيلول/سبتمبر 2017 لتأسيس دولة كردية.

هذا النصر تحقق من دون قتال، هذا ما يقوله الحكيم، مشيدا بالمساعدة الإقليمية والدولية.

يعتبر الحكيم أن الحالة الكردية تعيش انتكاسة حاليا وأن قيادتها ارتكبت تجاوزات بوضع اليد على آبار النفط بكركوك

​​فشل مسعود بارزاني في تحقيق حلمه بدولة كردية بعد إجراء الاستفتاء، ولا يعرف الكثير من الساسة العراقيين إجابة قاطعة لماذا أصر بارزاني على خيار الاستفتاء رغم كل المطالبات له بأن لا يفعل، هل كانت لديه وعود دولية وإقليمية بمساندته، هل تعرض للخديعة، أم كانت خطوة ما قبل الانتحار السياسي؟

المفهوم لدى القادة العراقيين، والحكيم منهم، أن بارزاني كان يعتقد بأن علاقاته مع دول الجوار (الأتراك والإيرانيين) قد تدفعهم للصمت وغض النظر، ومن الواضح أنه لم يفرق بين علاقات تكتيكية والمواقف الاستراتيجية للدولتين، وهما تعتبران قيام دولة كردية خطا أحمرا يهدد دولتهم القومية. وتزامن هذا مع رأي أميركي بأن الأولوية الآن لمكافحة خطر داعش وليس إجراء استفتاء لاستقلال الأكراد، واعتبر مثل هذه الخطوة تشتيتا للجهود وتبعثرها.

اقرأ للكاتب أيضا: القمم العربية... من لاءات الخرطوم إلى توسل إسرائيل لقبول السلام

يكشف الحكيم بأن الحالة الكردية تعيش انتكاسة حاليا، ويشير إلى أنهم ارتكبوا تجاوزات في السنوات الماضية خاصة بعد احتلال داعش، حيث وضعوا اليد على آبار النفط في كركوك وبدأوا يصدرون النفط من دون علم وموافقة الحكومة المركزية.

يبدي عمار الحكيم تفاؤلا خارجا عن المألوف حيال مستقبل العراق ومساره السياسي والديموقراطي، ويعتقد أن حقبة مظلمة قد طويت من تاريخه، ويرى أن الجدران الإسمنتية ستنهار مع استعادة الدولة لهيبتها.

فهل تثبت الأيام أن سماحة السيد صاحب العمامة السوداء يملك بوصلة واضحة، ويقرأ المستقبل جيدا؟ فلننتظر ونرى!

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.