بقلم نيرڤانا محمود/
"الاتفاق النووي مع إيران كان من أسوأ الصفقات التي دخلتها الولايات المتحدة على الإطلاق وأكثرها انحيازا".
بهذه الكلمات القوية، أنهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشاركة الولايات المتحدة في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعنية ببرنامج إيران النووي. وقد خلف قراره احتجاجا دوليا من مؤيدي الاتفاق، وبعض الإطراء من آخرين معارضين له. وقبل ثلاث سنوات كتبت أنا ضد الاتفاق النووي مع إيران، وما زلت اليوم أقف ضده.
الاتفاق النووي لم يكن أبدا بشأن طموحات إيران النووية، فبالنسبة لملالي إيران كانت الصفقة أداة لانتزاع اعتراف، ولو كان غير مباشر، من الغرب بأن نظامهم المعادي للحداثة نموذج ناجح وصالح للبقاء. في 2015، قلت إن أي آمال في أن تتخلى إيران عن "مسار العنف والأيديولوجية المتشددة" بعد عقد صفقة مع قوى الغرب، قد تكون محض أمنيات. وبعد ثلاثة أعوام، لا يزال دور إيران المسمم في الحرب الأهلية السورية ودعمها الحوثيين في اليمن وهيمنة ممثلها في لبنان حزب الله، كلها حقائق لا تنكر. لقد تأكدت صحة مخاوفي.
إلا أنه من المثير للقلق والإحباط أن نرى كثيرا من الليبراليين الغربيين يدعمون الاتفاق النووي بالرغم من الدمار الذي تسبب فيه الدور الإيراني في بلدان عديدة في الشرق الأوسط. والأسوأ من ذلك أن هذه البلدان لا تزال تدافع عن إيران.
قبل أسابيع قليلة، أبهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المستمعين في الكونغرس الأميركي بدفاعه عن النظام الليبرالي الغربي. "لقد واجهنا الموت مرات لا تحصى، لأن لدينا التزاما تجاه الحرية والديموقراطية"، هكذا قال الرئيس الفرنسي، وأضاف "نحن وحلفاؤنا الدوليون وشركاؤنا نواجه أزمات عدم المساواة التي خلقتها العولمة، وتهديدات لكوكبنا وللصالح العام، وهجمات على الديموقراطيات من خلال معاداة الليبرالية، وزعزعة استقرار مجتمعنا الدولي من قبل قوى جديدة ودول إجرامية".
اقرأ للكاتبة أيضا: أزمة قطر: لماذا تشكل الإمارات هاجسا للقطريين
ومع ذلك، في نفس الخطاب دافع الرئيس الفرنسي عن الاتفاق النووي مع إيران، وواصلت فرنسا مع ألمانيا وبريطانيا دعم الاتفاق حتى بعد قرار الرئيس ترامب بالانسحاب منه.
تناقض كهذا في الموقف الفرنسي يلخص الخلل في الأنظمة الغربية الحالية: هذه الأنظمة تزعم محاربة الأنظمة غير الليبرالية لكنها تهرع لعقد صفقات مع نظام إسلاموي معاد لليبرالية. هذه الأنظمة تواجه تهديدات إرهابية ولكنها مستعدة لإبرام اتفاقات تجارية مع من يقدسون ويمجدون الموت.
وفي الشرق الأوسط هناك أنواع مختلفة من الأنظمة المعادية لليبرالية، لكن أسوأها هو النوع الإسلاموي. الإسلام السياسي بفرعيه السني والشيعي هو أيديولوجية ظلامية مغرقة في الرجعية تزعم توفير بديل للحداثة الغربية. إلا أن الإسلامويين يفضلون أن يقدموا النسخة الأكثر تطرفا من أيدولوجيتهم لجمهورهم المحلي ويخاطبون جمهورهم الغربي بنغمة أخرى.
لسنوات، شاهدت بعض الإسلامويين وهم يحاولون إظهار أيديولوجيتهم على أنها غير ضارة وتتسق مع القيم الغربية. والإيرانيون على الخصوص برعوا في مثل هذا التوجه.
استغل الإيرانيون صعود داعش، وهي الجماعة السنية الأصولية، لإظهار الميليشيات المدعومة من إيران كجماعات مكافحة للإرهاب، وكانت هذه كذبة هائلة.
في الواقع، كلا فرعي الإسلاموية يتشاركان الكثير من المعتقدات ولم تعد هناك فروقات في الهمجية بين الجماعات الأصولية السنية والشيعية. ويبقى الاختلاف الوحيد هو أن الجماعات الشيعية هي بشكل مباشر تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني الذي يمول ويدرب الأصوليين ويوجه همجيتهم بعيدا عن أعين الغرب وفي الأراضي الأهم بالنسبة له، بالتحديد في العراق وسورية. وعلى الجانب الآخر، الأصوليون السنيون أكثر تنوعا وتمكنوا من الانتشار في عدة دول غربية.
في الأول من شباط/فبراير 1979، سافر آية الله الخميني من فرنسا إلى إيران على متن رحلة الخطوط الجوية الفرنسية رقم 4721.، ولخصت ملامح وجهه المتجهمة ورداؤه الأسود القدر الذي ينتظر المنطقة في السنوات التالية. حكم الخميني كان شرارة لمنافسة قذرة بين الأسود والموحش وما هو أسوأ، وخلفاؤه لم يجربوا حتى الوسطية، بل قمعوا بلا هوادة ثورتين في إيران ودعموا بربرية الأسد في سورية، في الوقت الذي كانوا يلعبون فيه أمام الجمهور الغربي دور الحمائم في مواجهة الصقور.
اقرأ للكاتبة أيضا: مصر وإثيوبيا واحتمال حرب المياه
الليبرالية لا تعني الانتقاء بين ماركات مختلفة من الإسلاموية، ولا تعني كذلك اتخاذ موقف وسط بين الإسلامويين وغيرهم من المسلمين. الليبرالية هي في الوقوف بصف القيم الغربية ضد من يحاولون تقويضها، لأن الإسلامويين ليسوا ولن يكونوا أصدقاء للغرب. والأهم من ذلك أن القوى الليبرالية يجب ألا تمكن أيا من فروع الإسلاموية على حساب الآخر. فهذا التمكين قد يكون شرارة لتنافس بينهم سيقود لمزيد من الهمجية وسفك الدماء في الشرق الأوسط.
أنا لا أدعو لتغيير النظام في إيران وبالتأكيد لا أدعم حربا نووية في المنطقة، لكن لنكن واضحين. النظام الإيراني لا ينوي التخلي في آن واحد عن برنامجه النووي وكذلك أيديولوجيته الإسلاموية العابرة للقوميات.
وعلى ذلك، يجب على داعمي الاتفاق النووي مع إيران أن يقروا بأن آمالهم في أن تتحول إيران للوسطية كانت مجرد أمنيات. إقرار كهذا سيكون خطوة أولى للخروج من الأزمة الجارية والتخطيط لمستقبل أفضل خال من محاولات تجميل الإسلاموية.
ــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)