بقلم جويس كرم/
شاء مايك بومبيو أن يكون خطابه الأول، منذ توليه منصبه وزيرا للخارجية الأميركية، حول إيران. رسم من خلال خطابه مفترقا حادا عن سياسة باراك أوباما، وحضر لمرحلة ساخنة إقليميا في محاولات وقف المد الإيراني بعد 15 عاما على حرب العراق وليجعل من مستقبل هذه السياسة مقياسا لنجاح إدارة ترامب خارجيا.
كان الخطاب لافتا بما تضمنه، من 12 مطلبا من إيران يعني تنفيذها فعليا انتهاء دور النظام الإيراني كما نعرفه منذ 1979، وبما لم يتضمنه مثل تلويح بالخيار العسكري واستثناءه الرئيس السوري بشار الأسد في الحديث عن سورية. ما بعد خطاب بومبيو يمكن الحديث عن ثلاثة مسارات أميركية في التعاطي مع إيران:
1 ـ العقوبات الاقتصادية: منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية خمس جولات من العقوبات التي استهدفت إيران وأذرعها في لبنان والعراق واليمن وشملت حزب الله بأجنحته السياسة والعسكرية والخيرية كما الاقتصادية. هنا، تجدر الإشارة إلى أن العقوبات ضد حزب الله شاركت فيها جميع دول مجلس التعاون الخليجي من بينها قطر وعمان والكويت (علما أن الكويت لم تدرج اسم زعيم الحزب حسن نصرالله)، ما قد يمهد لخطوات أميركية خليجية أخرى.
حتما، قيادات حزب الله لا تستثمر في وول ستريت أو أسواق دولية تطالها العقوبات، إنما حجم وإطار الإجراءات التي شملت أسماء كبيرة داخل الحزب متشعبة في شبكتها التمويلية من أقصى آسيا إلى قلب إفريقيا، يعني أن جميع أدوات التمويل هي تحت المجهر اليوم. هذا قد يؤذي الحلقة التجارية المحيطة بحزب الله أكثر من القيادات نفسها ويزيد الضغوط على حلفاء الحزب في الداخل اللبناني والعراقي عشية تشكيل حكوماتهما الجديدة.
اقرأ للكاتبة أيضا: فعلها مقتدى الصدر
في العقوبات أيضا، يأتي استعداد الإدارة والكونغرس لفرض العقوبات النووية والتي تم وقف العمل بها بعد 2015 ليزيد عزلة إيران الاقتصادية. فاليوم، ورغم الخلاف السياسي الأميركي ـ الأوروبي الواضح والعلني حول إيران، لن تجازف الشركات الأوروبية بأن تكون عرضة للعقوبات. كما أن المناخ الإيراني حتى بعد الاتفاق النووي لم يكن إيجابيا للاستثمار. ولذلك، رأينا في الأيام الأخيرة انسحاب شركات توتال، سيمنز، أليانز، بريتش بتروليوم، ميرسك وغيرها من عقود موقعة مع إيران قبل انتهاء مهلة فرض العقوبات آخر الصيف.
2 ـ زيادة الضغوط الإقليمية: منذ 2003، تراجع نفوذ الولايات المتحدة إقليميا مقابل تنامي النفوذ الإيراني وفي حين حاولت إدارة أوباما التعايش مع هذه الفكرة والوصول إلى صورة جيو ـ استراتيجية تتأقلم مع هذا النفوذ طالما أنه لا يهدد مصالح واشنطن الحيوية، فإن إدارة ترامب تنقلب على ذلك. وحديث بومبيو عن "سحق أدوات إيران" مع حديث وزارة الدفاع عن وجود عدة خيارات لذلك، يحضر لغليان إقليمي ومواجهات غير مباشرة في أكثر من ساحة.
ففي العراق، هناك فرصة أميركية في تحالف محتمل بين مقتدى الصدر وحيدر العبادي، يعزل أدوات إيران أي نوري المالكي والحشد الشعبي، أما في سورية فهناك تعويل أكبر على روسيا وإسرائيل في الحد من النفوذ الإيراني. في لبنان، تبدو المهمة أكثر استعصاء على الأميركيين نظرا لعمق وقوة طهران وحلفائها، مقابل ضعف وتناثر الطرف الآخر. وفي الخليج، التعويل على خطوات مشتركة لتقليص التبادل التجاري مع إيران، وتنسيق أفضل في حرب اليمن.
اقرأ للكاتبة أيضا: هل يتجه ترامب لتغيير النظام في إيران؟
3 ـ الصورة الداخلية في إيران: لا يغيب عن المراقب أن مايك بومبيو ذكر الشعب الإيراني ما لا يقل عن 23 مرة في خطابه، وتحدث عن التظاهرات المستمرة في كارازون وغيرها جراء الواقع المعيشي. وزير الخارجية الأميركي قال أيضا إن المرشد الأعلى علي خامنئي "لن يعيش للأبد" وفي ذلك أول مؤشر أميركي لدخولها في معركة ما بعد خامنئي (79 عاما) وشرعيته. الرهان ليس بالضرورة على تغيير النظام الإيراني، والذي هو اليوم أقوى بكثير من النظام العراقي والليبي والأفغاني ونماذج أخرى تمت إطاحتها بالقوة. إنما يتحدث عن ورقة أخرى للتغيير من داخل النظام وفي معركة بين العديد من أقطابه بعد خامنئي.
خطاب بومبيو كان موجها للإيرانيين موالاة ومعارضة في الداخل والمنفى ولحلفاء إيران في المنطقة أكثر ما كان موجها للنخبة السياسية في واشنطن والعواصم الأوروبية. وهو كما الكثير من سياسات ترامب يضع سقفا عاليا للتغيير في إيران، بهدف الضغط لإعادة طهران للمفاوضات، أو الضغط لاحتواء نفوذها وفتح عدة نوافذ على خيارات إقليمية وداخلية أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)