صورة جوية للدمار الناتج عن هجوم النظام السوري على مدينة درعا عام 2017
صورة جوية للدمار الناتج عن هجوم النظام السوري على مدينة درعا عام 2017

استمع إلى المقال:​

​​بقلم بسام بربندي ومات برودسكي/

في الأشهر الأولى من الثورة السورية زار مسؤول إماراتي رفيع المستوى سورية وعرض على قادتها تقديم دعم مالي كبير من قبل دول الخليج ومن المجتمع الدولي للبدء في إصلاحات داخلية حقيقية مع ضمان استقرار سورية ومع تعهد أن تستخدم دول الخليج إمكانياتها لإنجاح التفاوض السوري ـ الإسرائيلي للتوصل لسلام بين البلدين مقابل أن يقوم النظام السوري بإعادة علاقته مع إيران إلى الحجم والشكل الطبيعي بين الدول وفق الأعراف الدولية.

رفض النظام السوري هذا العرض واعتبره محاولة غربية لكسر محور المقاومة وأصر على سياسته تجاه شعبه التي أدت إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص وأعداد كبيرة من المفقودين وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري وتدمير كبير للبنى التحتية واحتلال إيران وميليشياتها لكل من أجزاء كبيرة من الأراضي السورية والقرار السياسي والعسكري السوري.

على الدول المهتمة بإنهاء الأزمة السورية أو التخلص من الهيمنة الإيرانية في المنطقة أن تدرك أن أي مشاركة بإعادة الإعمار بالظروف الحالية، هي دعم لإيران

​​مع كل هذه النتائج الكارثية للسياسة العبثية للنظام السوري، بدأ مؤخرا المسؤولون السوريون يصرحون لوسائل الإعلام الروسية والإيرانية أن النظام السوري انتصر بمعركته ضد شعبه وأن الأوان آن لعودة المهجرين الذين هربوا من بطش النظام وخصوصا المتواجدين في لبنان والأردن وأن إعادة الإعمار يجب أن تبدأ مع الأولوية للشركات الإيرانية والروسية خاصة بمجال الطاقة.

وبنفس الوقت تقوم روسيا حاليا بمحاولة الضغط على الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إعادة الاعمار، الأمر الذي رفضته هذه الدول. ولمحاولة تجنب العقوبات الدولية بدأ النظام بالتعاون مع شريحة جديدة من رجال الأعمال الموالين له وغير المشمولين بالعقوبات الاقتصادية من الدول الغربية ليكونوا صلة الوصل مع العالم الخارجي وليشجعوا رجال الأعمال والشركات الأجنبية، وخاصة الخليجية ودول أوروبا الشرقية السابقة، بالاستثمار في إعادة البناء والوعود بأرباح كبيرة.

تمهيدا لذلك، قام النظام بإصدار قانون رقم 10 عام 2018 الذي يعطي الحق للنظام بمصادرة أملاك أي شخص لا يثبت ملكيته لدى دوائر الحكومية خلال فترة شهر، وبالتالي فقد أكثر من نصف الشعب السوري ملكيته والتي سيعطيها النظام للشركات الخاصة للاستثمار، مما سيعرض المستثمر لمشاكل قانونية محلية ودولية قد تصل إلى فرض عقوبات اقتصادية لأن ذلك سيعيق عودة المهجرين من أوروبا وغيرها من البلدان لوطنهم. بالإضافة، إن هذه الاستثمارات تدعم الاحتلال الإيراني وميلشياته في سورية وتعطيه الشرعية بأموال الدول التي تقف ضد إيران.

لخطورة هذا القانون تقدمت 40 دولة بشكوى لدى الأمم المتحدة طلبت فيها من الأمم المتحدة ومن روسيا الاتحادية الضغط على النظام لإلغاء هذا القانون واعتباره يساهم باستمرار الحرب ويمنع عودة اللاجئين.

وترافق إصدار القانون 10 مع تصريحات منسوبة لقادة أمنيين من النظام بوجود لوائح بأسماء 3 ملايين شخص مطلوب من قبل النظام؛ هذا يعني أن النظام صادر الأراضي ومنع عودة المهجرين إلى بلادهم وممتلكاتهم بشكل فعلي، وبنفس الوقت يقوم بالتسويق لإعادة الإعمار كوسيلة للحصول على أموال تساعده على دفع فواتير الحرب العبثية التي قام بها، وخصوصا لإيران التي أعطت النظام قروضا اقتصادية بقيمة 4 مليارات دولار، عدا عن القروض والمساعدات العسكرية وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا.

ترافق إصدار القانون 10 مع تصريحات منسوبة لقادة آمنين من النظام بوجود لوائح بأسماء 3 ملايين شخص مطلوب من قبل النظام

​​وبنفس الوقت تقوم روسيا حاليا بمحاولة الضغط على الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إعادة الاعمار في سورية، الأمر الذي رفضته دول الاتحاد بشكل مطلق وربطته بتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة في سورية.

ما رفضه النظام من عروض مالية وسياسية في بداية الأزمة السورية عام 2011 لدعم الاستقرار وليوفر على سورية كل الدمار والمآسي التي عاشت بها والحد من نشاط إيران التخريبي في المنطقة العربية، يريد الحصول عليها الآن من نفس البلدان التي تقف بوجه إيران عن طريق طرح استثمارات غير قانونية وغير أخلاقية في مجال إعادة الإعمار.

نرى، أن على الدول المهتمة بإنهاء الأزمة السورية أو التخلص من الهيمنة الإيرانية في المنطقة أن تدرك أن أي مشاركة بإعادة الإعمار بالظروف الحالية، هي دعم لإيران. وإذا كان النظام مهتما بإعادة الإعمار والاستقرار وبعودة المهجرين فعليه أن يبدأ بطرد إيران من سورية وليس توقيع اتفاقيات عسكرية معها.

ويمكن لهذه الدول إنشاء مجلس لرجال أعمال سوريين أثرياء لم يكونوا طرفا في الأزمة السورية، وقادرون على البدء في إعادة الإعمار بأموال سورية عندما تتحقق التسوية السياسية بموجب القرارات الدولية، ويكون هذا المجلس أكبر من النظام والمعارضة بأجندته ومدعوما من المجتمع الدولي سياسيا وماليا وهو يشكل صلة الوصل اللاحقة بين إعادة بناء سورية ومن يريد المساهمة بهذه العملية المعقدة.

بسام بربندي مؤسس "الشعب يريد التغيير"، يمكن متابعته عبر موقع تويتر @bbarabandi

مات برودسكي خبير شؤون شرق أوسط، يمكن متابعته عبر موقع تويتر@RJBrodsky

ـــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.