توجه الرئيس أنور السادات في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 إلى سوريا ليلتقي بالرئيس السوري حافظ الأسد، وحاول أن يقنع الأسد بالموافقة على زيارة للقدس، والتفاوض مع إسرائيل لاستعاده الجولان السورية وكل الأراضي المحتلة.
رفض الأسد. ذهب السادات وحيدا إلى القدس، وسط سخط ولعنات العرب ثم وقع اتفاقية كامب ديفيد في 26 آذار/مارس 1979، واستطاع أن يستعيد سيناء كاملة من إسرائيل.
أربعة عقود مضت على توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. وما زالت اتفاقية كامب ديفيد صامدة رغم كل التحديات. أما الجولان السوري فما زال تحت الاحتلال الإسرائيلي، بل اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا بسيادة إسرائيل رسميا عليه.
كتب الكاتب الإسرائيلي برادلي بورستون، قد بضعة أعوام، عمن يخشون السلام، وعمن يكرهونه. هذا التوصيف الدقيق ينطبق، ليس فقط على كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضا على الكثير في عالمنا العربي.
الرئيس السادات كان استثناء نادرا. فالزعيم المصري لم يخش السلام ولم يكرهه، على عكس الرئيس السوري حافظ الأسد.
لم يكن الأسد مستعدا أن يدفع فاتورة الحرب مع إسرائيل (بعد حرب 1973)، ولكنه أيضا لم يكن مستعدا أن يدفع فاتورة السلام.
قد لا يعلم البعض أن النظام السوري قد تراجع عن رفضه التام لفكره المفاوضات، بعد وفاه السادات.
فقد حضرت سوريا مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، ثم دخلت في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في عام 2000. تتابعت محاولات الوساطة بين سوريا وإسرائيل أيضا في أعوام 2007، 2008، 2010، ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل.
في كل مرة كان هناك أسباب تقنية لفشل المفاوضات، كالاختلاف على خط الحدود وغيرها من التفاصيل.
ولكن فشل المفاوضات كان له أيضا أسباب أعمق. فقد أيقن الأسد أن توقيع أي اتفاقية سلام مع إسرائيل قد يهدد نظامه الهش الذي أسكت شعبه واستمد شرعيته من شعارات المقاومة والممانعة ورفض التطبيع.
اختزل الأسد سوريا الوطن في نظامه وخشي على حكمه من تبعات خطوة جريئة كتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
كان الأسد أيضا يعاني من "عقده السادات". فنجاح السادات في إعادة سيناء بالرغم من الرفض العربي، وصمود اتفاقية السلام بعد وفاته ألقت بظلالها على تفكير النظام السوري. في كل محاولة للوساطة بين الطرف السوري والإسرائيلي كان الأسد يرفع من سقف طلباته، بهدف الحصول على مكاسب أكثر مما تمكن السادات الحصول عليه في كامب ديفيد، وذلك لكي يصور نظامه بأنه أكثر وطنية وعروبة.
ثم جاءت الحرب الأهلية في سوريا، فسمح الأسد بدخول لاعبين جدد للساحة السورية وعلى رأسهم النظام الإيراني. مما أعطي إسرائيل ذريعة جديدة لتثبيت سيادتها على الجولان.
وللأسف، التغلغل الإيراني في المجتمع السوري يزداد يوما بعد يوم. مما سيؤدي حتما إلى المزيد من المواجهات وحتى الحروب مع إسرائيل. رحلة الجولان من السيادة السورية إلى "السيادة" الإسرائيلية تعكس العقلية الإسرائيلية في اغتنام الفرص، وعقلية البعض في العالم العربي في إضاعة الفرص.
من السهل أن نلوم أعداءنا على استغلالهم لفشلنا، ولكن من الصعب الاعتراف أننا أعطينا لهم الفرصة للإمعان في الاستغلال.
على مدى أربعة عقود، كان تعامل نظام الأسد مع قضية بلاده جريمة ضد المنطق. فقد رفض التفاوض حين سنحت الفرصة، ثم دخل المفاوضات بدون أي نية لإنجاحها، ثم تحالف مع من يتاجرون بقضيته لخدمة أجندتهم وأيديولوجيتهم الخاصة.
الدرس المستفاد من تجربه السادات ليس "الاستسلام لإسرائيل" كما يدعي محور الممانعة، ولكن الدرس الحقيقي هو القرار المناسب في الوقت المناسب.
الآن وبعد "ضياع الجولان"، ألم يحن الأوان للنظام السوري أن يراجع خيارته الاستراتيجية في ضوء المستجدات الحالية؟
لو كان السادات ما زال على قيد الحياة، وزار دمشق، فلن يطلب من الأسد أن يزور القدس، ولكن سيطلب منه أن يخلع عباءة الملالي التي لم تجلب لسوريا إلا الخوف والكره والدمار وضياع الأرض والعرض.
"ضياع الجولان" جرس إنذار للنظام السوري بأن يعيد حساباته ويقطع علاقاته بمن ساهموا في مأساة الجولان.
اقرأ للكاتبة أيضا: عن 'هيومن رايتس ووتش' والنفاق والأوسكار
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).