الاحتجاجات في الأردن لا علاقة لها بأي مؤامرة أو صفقة أجنبية
الاحتجاجات في الأردن العام الماضي

نضال منصور/

مع اقتراب شهر رمضان يشهد الأردن حالة طوارئ، وتنشغل إدارة الأزمات في مناقشة التحديات الداخلية التي تطرق الأبواب، والخارجية التي تشعل نار الترقب في الإقليم.

الأردن على مفترق طرق، فقبل عام وخلال شهر رمضان بدأت شرارة احتجاجات الشارع التي أسقطت حكومة الرئيس هاني الملقي، واليوم تتخوف حكومة الدكتور عمر الرزاز من مشهد مماثل قد يتكرر في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، وتراجع في أجندة الإصلاح السياسي.

وخارج حدود الأردن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فائزاً بالانتخابات لينهي الآمال بفرص السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ويتزايد الحديث عن "صفقة القرن" التي يعلن زعماء عرب عن جهلهم بمضمونها، وإن كان ما تسرب منها في وسائل الإعلام وخاصة الأميركية يشي بأنها "صفقة اقتصادية" تُنهي وتستبدل عملية السلام المتعلقة بقضية فلسطين التي استحوذت على الصراع والنقاش طوال العقود الماضية.

ما يحدث حول الأردن ينعكس عليه مباشرة، ولهذا تبدو الدولة قلقة من مخطط يُطبخ بعيداً عنها، وإن كان الأرجح أن تكون من ضحاياه، ولهذا نشط العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في خطوات استباقية للتحذير من أي حل على حساب بلاده، أو التفكير بالأردن كوطن بديل، أو تجاهل حقوقه في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

تتحسب عمان من الضربات التي يمكن أن توجه لها، رغم احتفاظها بعلاقات سياسية متوازنة مع الجميع، وتحركها الدبلوماسي النشط، إلا أنها تدرك أن هناك -عربياً ودولياً- من بدأ يقفز عنها، ولا يلتفت لمصالحها، ولا يمد يد العون والمساعدة لها.

ضبابية وقسوة المشهد إقليمياً ودولياً والاستحقاقات المنتظرة في القريب العاجل، ربما ساهمت في توحيد الشارع الأردني في قضية فلسطين والقدس، والاصطفاف بقوة خلف الملك في موقفه السياسي، وآخر التصريحات كانت للنائب في البرلمان عبد الله العكايلة رئيس "كتلة الإصلاح" التي تُمثل "الإخوان المسلمين" حين قال للملك "كلنا في صف واحد خلفكم".

الصورة تُظهر أن الأردن يتقلب على صفيح ساخن داخلياً وخارجياً، والفرق أن التوحد والتماهي في الموقف من الأزمات الخارجية لا يحدث، ولا يحضر في أزمات الداخل، فالحكومة وفريقها الوزاري يتعرض كل يوم لعملية "نهش" من "صالونات" عمان، ولا يبدو أن الموقف داخلياً موحد حتى في دوائر صناعة القرار السياسي والأمني، فالبرنامج السياسي الذي تناقشه الحكومة بدائرة ضيقة لم يحظ بتوافق بين الفريق الوزاري، ولم ينل دعم المرجعيات، النصائح التي قُدمت لرئيس الحكومة الرزاز أن يمضي باندفاع في ملف الإصلاح السياسي لم تجد حماساً، بل أن أبواباً أوصدت بوجه الحكومة لإنجاز تعديلات جذرية على قانون الانتخاب المفصل الرئيس لأي عملية إصلاح سياسي على الأقل حتى تنجلي غيوم الترتيبات السياسية في المنطقة.

تبدو ملامح الإرباك على الحكومة واضحة، فهي من جانب لا تستطيع أن تحقق إصلاحات اقتصادية عاجلة تحقق رفاهاً للمواطنين، وتحد من حالة الإحباط والشكوى من الغلاء، وتآكل الأجور وتزايد البطالة، وارتفاع معدلات الفقر، وفي اتجاه آخر "مكبلة" بقيود وحدود تمنعها من الجرأة في تجاوز "التابوهات" في الإصلاح السياسي، وتفتقد إدارة الحكومة "لعقل سياسي" ينجح في "فكفكة" ومواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية، وهو ما يزيد من التهديدات لها، ويدفع بعض صانعي القرار في الحكومة وخارجها للتحايل على إرادة الشارع بالسعي لإلهائها -خاصة في شهر رمضان- بمبادرات لا تُغير جذرياً من النهج السياسي، وإنما قد تنجح في امتصاص غضب الناس.

خلال الأشهر الماضية فشلت الحكومة في اختبار إصلاح العديد من التشريعات التي تمس الناس، واستسلمت الحكومة ورضخت لإرادة وتحالف تيار الإسلام السياسي مع القوى المحافظة أحياناً، وتارة أخرى استجابت للهواجس الأمنية ومصالح رجال الأعمال، وفي نهاية المطاف مُنيت القوى المدنية والحركة الحقوقية والنسائية بهزائم بعد مرور قوانين الجرائم الإلكترونية، والعمل، والأحوال الشخصية بصورة لا تعكس المتغيرات في العالم، وحركة التقدم، ومصالح المجتمع وخاصة الفئات المهمشة.

المعركة والصراع اللذان شهدهما الشارع والبرلمان بخصوص هذه القوانين تعبّر عن أزمة صناعة القرار، وهو ما يؤكد أن الحكومة لا تتحكم "بالدفة"، وأن "بازار" المزايدات يفوز، والضحية قد تكون طفلة قاصر تم تزويجها رغم إرادتها، أو شاب كتب "بوست على الفيسبوك" محتجاً على الفساد فوجد نفسه موقوفاً خلف قضبان السجن.

ثلاث محطات كانت كافية لكشف موازين القوى، ففي الأولى أجبر رئيس الحكومة على إعادة مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي سحبه لإنجاز تعديلات "جذرية" بعد ثلاثة أيام، ونجح في تعديل المادة (11) التي تسمح بتوقيف الإعلاميين ومستخدمي "السوشيل ميديا"، لكنه أخفق في تجاوز عقبة تعريف خطاب الكراهية ومنع التوقيف في المادة (10) من مقترح مشروع القانون.

المثير والمضحك أن مشروع القانون وفي قراءته الأولى رفضه مجلس النواب حتى قبل أن يحيله الى لجانه المتخصصة للدراسة في "صفعة" واضحة للحكومة، وهو الان معلق في مجلس الأعيان ولا يُعرف مصيره؟

الصورة الأكثر تحدياً و"مكاسرة" كانت قانون العمل الذي أقره مجلسا النواب والأعيان، وأثار غضباً محلياً ودولياً وحتى الان لم يصادق عليه الملك.

لم تفلح "عواطف" رئيس الحكومة المتضامنة مع مطالب مؤسسات المجتمع المدني في التجاوب مع دعواتها ومطالبها، وأبرزها الحق في التنظيم النقابي ومواجه الاختلالات في علاقات العمل.

مذكرة مؤسسات المجتمع المدني لرئيس الوزراء والحملة الإلكترونية على "السوشيل ميديا" للكشف عن فداحة مواد قانون العمل وتأثيراتها السلبية لم تغير ولم تعدل في مواد القانون الذي يمس قطاعات المجتمع، ولم تلتفت الحكومة كثيراً لرسائل المؤسسات الدولية من التأثير على صورة الأردن والمنح المقدمة له، واحتمالات أن يوضع على القائمة السوداء.

الاتحاد الدولي للنقابات صعّد من إجراءاته في محاولة لوقف هذا القانون قبل أن يصادق عليه العاهل الأردني.

شاران بارو الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات وجهت رسالة للملك عبد الله الثاني أبلغته بمخاوف 207 مليون عضو في الاتحاد من قانون العمل الأردني الذي أقره مجلسا النواب والأعيان، وأبلغته أن تعديلات القانون تتعارض مع معايير العمل الدولية المُعترف بها من منظمة العمل الدولية، والمصادق عليها من الأردن، مشيرة في رسالتها إلى أن هذه التعديلات ستعرّض المزيد من العمال لانتهاكات في الحقوق الأساسية للعمل.

بارو طالبت الملك بالتدخل لوقف شرعنة هذا القانون والسماح بمراجعته بما ينسجم مع اتفاقيتي منظمة العمل الدولية (78 و98).

الأزمة التي تسبب بها قانون العمل دولياً لا تقل عنها فداحة الأزمة التي صنعها قانون الأحوال الشخصية، فمطالب الحركة النسوية والحقوقية لم تتطرف ولم تذهب نحو تغييرات جذرية، وقبلت بالسياق المتعارف عليه "شرعياً"، وشعرت بالحرج من بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" يطرح إشكالات القانون بجرأة، واعتقدت أنه سيغذي ويعطي ذريعة لحملة ضد المجتمع المدني، ووسمُه بالارتباط بأجندات خارجية، وهو ما حدث تحت قبة البرلمان بخطابات شعبوية، وتحشيد لرجالات الدين للتأثير على الرأي العام.

لم تطالب الحركة النسوية بالأردن بالمساواة بالإرث مثلما حدث في تونس، ورغم ذلك فإن أكثر مطالبها سقطت ولم تنجح، وأصر مجلسا النواب والأعيان على تجاهل أصوات النساء الداعية للتعبير.

لو دققنا المشهد تحت قبة البرلمان و"قفزنا" عن المشاجرات والاتهامات فإن ما تحقق من مطالب قدمتها الحركة النسوية تلخص برفع حضانة الأم المسيحية لأطفالها لسن 15 عاماً مثل الأم المسلمة بدلاً من 7 سنوات، والإبقاء على نفقة المرأة المسجونة إذا كان لزوجها سبب في حبسها.

وفي المقابل أدار مجلس الأمة ظهره لكل المحاولات لإلغاء زواج القاصرات ورفض الاستثناء بالزواج بسن 15 عاماً، ورفض منح أولاد البنت الحق في ميراث جدهم أو ما يُعرف بـ "الوصاية الواجبة"، وأيضاً رفض الاعتراف بالفحوص الطبية DNA لإثبات النسب إن لم تقترن بفراش الزوجية، الأمر الذي يحرم الأطفال المتولدين خارج إطار الزواج من النسب.

وأبعد من ذلك تجاهل النواب والأعيان الدعوات برفع التعويض عن الطلاق التعسفي للنساء، ولم يوافقوا على اقتصار الطلاق أمام المحاكم، ورفضوا القبول بإخبار الزوجة الأولى قبل أن يتزوج الرجل بأخرى، وإعطاء الزوجة حق الانفصال إذا أصر الزوج على التعدد، وعدم حرمان المرأة من حضانة أولادها في حال زواجها ما لم يكن الزوج غير أمين على الأطفال، وإلغاء الولاية على المرأة في الزواج، وحُكم ضم الأنثى التي لم تبلغ الثلاثين، والاعتراف بحق المرأة في الولاية على أبنائها في الترتيب الثاني بعد الأب.

مر قانون الأحوال الشخصية عام 2019 ضارباً بعرض الحائط كل هذه المطالب الإنسانية للمرأة، والتي تُعد حقوقاً بديهية بعيداً عن السجالات الدينية.

كان الرهان أن تتحرك حكومة الرزاز التي تطرح "مشروع النهضة" لإقرار حزمة قوانين إصلاحية تعيد الاعتبار للحريات وحقوق العمال والنساء ولكنها لم تفعل وأسقط بيدها، ولا يزال رئيس الحكومة الرزاز منشغلاً بالمعالجات الاقتصادية ومحاولات العثور على حلول لمشكلة التعطل، ولا يخوض معارك "كسر العظم" دفاعاً في القضايا الحقوقية، والسياسية، والاجتماعية التي يؤمن بها، ولا تترجم الى فعل على أرض الواقع.

المراهنة على "شراء الوقت" وإلهاء الناس لن تنقذ الحكومة من "اللعنات" التي تلاحقها، وإن كان الرئيس يكرر أنه لا يملك عصا سحرية لتحسين واقع الاقتصاد بين ليلة وضحاها وهو محق بذلك، فإن "أضعف الإيمان" أن يكون للحكومة قدمان راسختان ولا ترتجفان لإنجاز إصلاحات سياسية وإنصاف المظلومين.

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.