آلاء صالح أمام غرافيتي لها بالقرب من مقر القيادة العسكرية السودانية
آلاء صالح أمام غرافيتي لها بالقرب من مقر القيادة العسكرية السودانية

منصور الحاج/

قال ثوار السودان الشجعان، رضي الشعب عنهم، إن صوت المرأة "ثورة" وما هو بـ"عورة" بعد أن صدحت كنداكات البلاد بالقصائد في الميادين العامة وتصدين لعبوات الغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص الحي وشاركن بفعالية في المسيرات والمواكب في متخلف ربوع البلاد.

وبعد أن أسقط الثوار رأس النظام عمر البشير ومن جاء من بعده الفريق عوض بن عوف، خرج ثائر مغوار منبها جموع المعتصمين من مغبة مغادرة ساحة الاعتصام حاملا لوحة كتب عليها: "يا أيها الشعب لا ترجعوا بيوتكم فيغدركم الكيزان وميليشياتهم وأنتم لا تشعرون".

هاتان الجملتان كافيتان لتكفير قائلها في الأنظمة الإسلامية وعند كل الجماعات المتطرفة من السلفيين الجهاديين إلى الدواعش ويمكن أن تصل العقوبة عليهما إلى الإعدام في الأنظمة التي تدعي الحكم بالشريعة أو الذبح في الميادين العامة كما يفعل الدواعش بكل من يتهمون بالاستهزاء بالقرآن والسنة النبوية.

اهتمام الجماعات الجهادية والقوى الإقليمية بالأوضاع في السودان أمر في غاية الخطورة

​​ولأننا أمام ثورة ضد نظام الإسلاميين تطالب بالديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، فقد تكاتف ضدها حلفاء الإسلاميين وداعميهم كتركيا وقطر كما عادتها أنظمة إقصائية طائفية تقمع وتعذب دعاة الحقوق والحريات السياسية والمدنية والشخصية كالسعودية والإمارات ومصر المعروفة بمعاداتها لثورات الربيع العربي وتأييدها لحكم المؤسسات العسكرية، كما تربص لها مشائخ الجهاد والتنظيمات الإرهابية والجماعات الجهادية في محاولة بائسة للتآمر عليها واختطافها من أنصار الحقوق والحريات.

تركيا، التي التزمت الصمت المطبق حيال استخدام جهاز الأمن والاستخبارات التابع للمخلوع البشير العنف المفرط ضد المتظاهرين طيلة أشهر الحراك، أعربت بعد إطاحة الجيش بحليفها، عبر رئيسها عن قلقه على مصيره. ومصدر القلق، بحسب مراقبون، هو أن سقوط البشير ونظامه يمثل صفعة قوية لرجب طيب أردوغان الطامح لتنصيب نفسه خليفة للمسلمين وزعيما للعالم الإسلامي لأن ذلك يعطل طموحاته التوسعية في منطقة القرن الأفريقي ويوقف المشاريع التي وقعها مع نظام المخلوع المتعلقة بمدينة سواكن وغيرها.

بعد أيام من رفض المجلس العسكري الانتقالي استقبال وفد قطري بدأت حملة شعواء ضد تجمع المهنيين السودانيين والقوى الليبرالية الموقعة على إعلان الحرية والتغيير وتعالت أصوات دعاة الجهاد وشيوخ التكفير من فوق المنابر وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تحريضا ضد العلمانيين والشيوعيين معلنين استعدادهم للموت في سبيل الدفاع عن دين الله وشريعته.

المرحلة القادمة التي تتطلب حكمة ومرونة لتجاوز التحدي الأمني وقطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية

​​ومن مدينة إدلب السورية، التي تسيطر عليها الجماعات الجهادية التي تضم في صفوفها مجاهدين من شتى بلدان العالم، حرض الجهادي المصري محمد ناجي المعروف بأبي اليقظان المصري وهو مسؤول سابق في تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في خطبة صلاة الجمعة بعنوان "نصر الله قريب" ضد تجمع المهنيين السودانيين ووصفهم بالعلمانيين وقال إن السودانيين يرفضون حكمهم ويطالبون بالإسلام وحاكمية الشريعة.

وفي السودان، صعّد رجال الدين لهجتهم ضد المتظاهرين وحرضوا المجلس العسكري الانتقالي ضد الثوار وهددوا بحشد أنصارهم وإعلان الجهاد ضد مخاليفهم بل وغازل بعضهم تنظيم داعش بإعلان رغبتهم في إقامة "خلافة إسلامية على منهاج النبوة" في السودان واتهموا المتظاهرين بـ"موالاة الكفار".

ففي اللقاء الذي نظمه المجلس مع رجال الدين في قاعة الصداقة بالخرطوم قال ناصر رضا رئيس لجنة الاتصالات المركزية لـ"حزب التحرير" بالسودان مخاطبا المجلس العسكري بعد أن تلى آيات الحاكمية: "نحن وأنتم يجب أن نحتكم إلى أمر الله وإلى شرع الله. هذه مسؤولية وواجب على كل مسلم ومسلمة الإذعان لها. الأمر أيها الأحبة الأكارم ليس حكما في مجلس عسكري ولا في حكومة مدنية. القضية هي إما أن نعبد الله عز وجل وأن نعبّد الناس لله بإقامة شرع الله احتكاما لأمر الله وتحاكما إلى أمر الله. القضية هي باختصار شديد أنتم أهل الحلقة، أنتم أهل الحرب، أنتم أهل القوة والمنعة ودوركم الذي أناطه بكم الشرع كما كان الصحابة الذين نزعوا سلطان الشر والباطل وبايعوا إماما أقام في الناس الشرع والدين في دولة خلافة على منهاج النبوة. الأمر هو أن نقيمها خلافة على منهاج النبوة. لا تسلموها إلى حكومة مدنية، إنما اجعلوا الأمر للأمة تبايع إماما ليقيم فيها الشرع. هذا هو الفرض الواجب".

ثم أردف محذرا من موالاة "الكافرين" قائلا: "ما جاء الشر إلى بلاد المسلمين إلا لما تسلم أمر الحكم فيها من والى الكافرين ونحن رأينا الآن القائم بالأعمال الأميركي في الاعتصام".

كبّرت الجماهير في قاعة الصداقة لكلمات ناصر رضا. وهلل الجهاديون في مواقع التواصل الاجتماعي لها وأثنوا على قائلها الذي وصفه المسؤول الشرعي لهيئة تحرير الشام الإرهابية المصري أبو الفتح الفرغلي بأنه "صاحب علم رباني يجهر بالحق أمام الجيش السوداني وأمام العالم أجمع"، كما أشار إلى أن كلمة رضا تضمنت "وضوحا في مسألة الحاكمية، والموالاة وفيها دعوة صادقة لإعادة الخلافة الراشدة".

خطبة رجل الدين السلفي السوداني عبد الحي يوسف لم تكن أقل تشددا وتحريضا ضد المتظاهرين من تصريحات رضا، فقد وجه رسالة إلى رئيس المجلس العسكري ونائبه من فوق منبر خطبة الجمعة هدد فيها بأن "دين الله خط أحمر" ووصف الشريعة بأنها "غاية الغايات" وأنه لا يقبل "المساس بها ولا التعدي عليها".

وقال يوسف في معرض خطبته "الدين دين الله ومن أجله تراق الدماء ومن أجله تزهق الأرواح ومن أجله تذهب النفوس. الدين دين الله واعلموا أننا على الأمن حريصون ولا نريد أن نعطل مصالح الناس ولا نريد أن تسود الفوضى لكن اسمعوها جيدا إن كانوا يحشدون، فنحن على الحشد أقدر. سنحشد كما يحشدون ونهتف كما يهتفون لكننا نهتف باسم الله ولكننا نخرج في سبيل الله مدافعين عن دين الله".

خطبة يوسف التحريضية حظيت بإعجاب كثير من الجهاديين أمثال السعودي المطلوب عبد الله المحيسني الذي اعتبرها "إعلانا للجهاد في السودان".

إن الغزل الصريح للدواعش للتدخل في الشأن السوداني ستكون له تداعيات وخيمة على السودان وأهله

​​كما خرج علينا قبل أيام رجل دين يدعى محمد عبد القادر معترضا على مطالبة الثوار بحكومة مدنية واصفا إياهم بـ"الشيوعيين والمرتدين والملحدين" وبأنهم "سفلة من البشر و"على ضلال" و"يدخنون الحشيش" في تسجيل مصور أثنى فيه على الجيش ونسب إليه الفضل في نجاح الثورة في إسقاط البشير.

وضمن جهود دولة قطر الداعم الأكبر لتيارات وحركات الإسلام السياسي لوأد الثورة المطالبة بالحرية والسلام والديمقراطية في السودان، ركزت قناتها التلفزيونية "الجزيرة" في تغطيتها للثورة السودانية على الإسلاميين، فنقلت كلمات رجال الدين التحريضية ما فيها من تكفير وتشويه للعلمانية وتهديد للثوار المعتصمين وأبرزت رجل الدين محمد علي الجزولي المعروف بخطابه المتماهي مع خطاب تنظيم "القاعدة" وتكفيره للأنظمة العلمانية وأفردت له الساعات في قنواتها لينتقد السعودية والإمارات ومصر ويحشد الإسلاميين والبسطاء المؤدلجين للانقضاض على الثورة ومواجهة أنصار الحقوق والحريات.

ولمن لا يعرف هذا الجزولي الذي تلمعه قطر بعد أن خلع عباءة رجل الدين وارتدى قميصا وبنطالا فليبحث عن فيدوهاته في موقع يوتيوب وليشاهد خطبه التي يثني فيها على الإرهابيين ويكفر فيها الأنظمة والحكومات.

وبالطبع، لم تتأخر الجماعات الجهادية في التآمر والسعي لاختطاف ثورة الشعب السوداني، فقد أصدر تنظيم القاعدة بيانا حذر فيه السودانيين ممن وصفهم بـ"المتسلقين ممن يرومون تنحية الشريعة وفصل الدين عن الدولة من المنتمين إلى الأحزاب العلمانية والشيوعية". وحث البيان أنصاره على "تشكيل قوات دفاع لحماية الثورة والثوار". ولم يختلف موقف زعيم تنظيم "داعش" من السودان كثيرا عن بيان "القاعدة".

وبالنظر إلى كل ما سبق يتضح بلا أدنى شك بأن الإسلاميين من سلفيين وجهاديين متفقون على خطف الثورة وأنهم يعتبرون الثوار أعداءهم الأساسيين في هذه المرحلة. ومن الواضح أيضا استعدادهم للتحالف مع المجلس العسكري لقتل المعتصمين بعد أن أفتى مشايخهم بردة الثوار وإلحادهم وموالاتهم للكفار.

أظهر ثوار السودان قدرا كبيرا من الوعي

​​إن هذا الغزل الصريح للدواعش للتدخل في الشأن السوداني عبر ترديد شعاراته وأدبياته التي يبرر بها إرهابه وتفجيراته في كل الدول التي وصلها ستكون له تداعيات وخيمة على السودان وأهله إن لم تبادر السلطات إلى وضع حد لمثل هذه التصريحات الخطيرة والفتاوى التكفيرية والتحريض الواضح بقتل المتظاهرين بتهمة "موالاة الكفار".

إن اهتمام الجماعات الجهادية والقوى الإقليمية بالأوضاع في السودان أمر في غاية الخطورة ومن الضروري أن تدرك جميع الأطراف أهميته والعمل بحكمة في المرحلة القادمة لقطع الطريق أمام تلك الجماعات وحماية البلاد من الانجرار إلى براثن العنف. وبحكم متابعتي المتواصلة للجماعات الجهادية فإنني أتوقع أن يحاول الدواعش والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة المتواجدون في كل من تشاد وليبيا والصومال وكينيا والكونغو ومصر ونيجيريا والنيجر ومالي الوصول إلى السودان من أجل إرهاب الثوار ودفعهم إلى التخلي عن أحلامهم في دولة تكفل الحقوق والحريات والأمن والاستقرار على حد سواء.

لقد أظهر ثوار السودان قدرا كبيرا من الوعي في التعامل مع الأوضاع بحكمة ورشد والتغلب على العقبات المختلفة طوال أشهر الحراك إلا أن التحدي الحقيقي في اعتقادي يكمن في مدى إدراكهم لمتطلبات المرحلة القادمة التي تتطلب حكمة ومرونة لتجاوز التحدي الأمني وقطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية وإكمال فصول ثورتهم المباركة.

اقرأ للكاتب أيضا: لم تسقط بعد

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.