أكدت نتائج الفحوصات ان جميع أعضاء الحكومة المغربية بـ"صحة جيدة"
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في المغرب، سعد الدين العثماني

بابكر فيصل/

في أعقاب ثورات الربيع العربي وجدت بعض جماعات الإسلام السياسي، ومنها جماعة الإخوان المسلمين المصرية، حرجا كبيرا في الاستمرار في رفع شعارات الحاكمية وتطبيق الشريعة فقررت الخروج من ذلك المأزق عبر طرح جديد يتمثل في إنشاء "حزب مدني" يستند إلى "مرجعية إسلامية" باعتباره حلا يدفع عنها شبهة السعي للخلط بين السياسة والدين وتوظيف الأخير لخدمة الأهداف السياسية.

وإذ تحيل المرجعية إلى السلطة أو الجهة التي يتم الاحتكام إليها بين أطراف متنازعة عجزت عن الوصول لحل في موضوع خلافها، فإنه ـ كما يقول علي مبروك ـ لا بد من تصورها على نحو من الثبات يسهل افتراضه في الديني (الإلهي) أكثر من المدني (البشري)، هذا الثبات يجعل من الديني مرجعا محددا للمدني المتغير بطبيعته.

تبني جماعات الإسلام السياسي لموضوع الحزب المدني ليس سوى محاولة لوضع النبيذ القديم في قنان جديدة

​​في هذا الإطار يطرأ السؤال التالي: هل الديني (الإسلام) هو حقا شأن ثابت بطريقة تجعل منه مرجعا مُحددا للمدني؟ الإجابة على هذا السؤال تقودنا للنظر في الجوانب المكونة للإسلام، حيث نجد أنه ينقسم إلى قسمين هما العبادات والمعاملات؛ الجانب الأول يحدد العلاقة الخاصة بين العبد وربِّه، والثاني يحدد العلاقة بين الإنسان (المؤمن) والبشر عموما، وإذا كان الجانب الأول يُحيل إلى الثبات بطبيعته، فإن الجانب الثاني مجال للتغير المستمر.

وبما أن الحزب الذي استحدثته جماعات الإسلام السياسي هو في الأساس حزب سياسي، وأنه سيقوم بتطوير خطابه وشعاراته و برامجه بناء على المرجعية الإسلامية، فإن من البديهي ألا تكون تلك المرجعية قائمة على الجانب التعبدي الذي يخص علاقة الفرد بربه، ذلك أن الخاص لا يمكن أن يشكل مرجعا للعام، وأنها يُفترض أن تنبني على جانب المعاملات الذي تتحدد بموجبه العلاقة مع الآخرين، وتسن بناء عليه التشريعات والقوانين التي تحكم تلك العلاقة.

هنا تنشأ المعضلة الرئيسية التي تبين استحالة قيام تلك المرجعية، خصوصا وأن جانب المعاملات في الدين في جوهره ليس ثابتا، وأنه لا يُحدِّد الشق البشري (المدني) بل يتحدد به بحيث يصبح الأخير في واقع الأمر مرجعية للديني وليس العكس، وهو ما أشار اليه الفقيه الحنبلي، نجم الدين الطوفي، بقوله إن "المعاملات لا سبيل إلى ضبطها إلا باعتبار المصالح، التي يصل الأمر بالرجل إلى حد القول بأن العقل يكون هو الأعلم من الشرع بها".

وإذ يعتمد ضبط المعاملات على المصالح باعتبارها شأنا دنيويا، وفقا للطوفي، وكذلك بحسب الحديث النبوي "أنتم أدرى بشؤون دنياكم"، فإنه يصبح من غير الممكن الادعاء بأن المرجعية الدينية ستكون هي المحدد للتوجهات المدنية ذلك لأن المصالح تتغير بتغير الزمان والمكان.

ليس هذا فحسب، بل إن قاعدة التغير هذه تشمل كذلك القوانين والتشريعات، حيث أن الأخيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالتغير في أحوال الاجتماع الإنساني بما يتضمنه من تطور يطرأ على المجتمع بفعل اختلاف الزمان، وفي هذا الإطار فإن هناك نوعا من العقوبات كانت تتماشى مع أحوال تاريخية في الماضي ولكن يتعذر تطبيقها في الأزمنة الحاضرة، بسبب التطور الحضاري الذي أصابته المجتمعات البشرية.

من ناحية أخرى، فإن هناك جانبا من الدين يتخلل بُعدي العبادة الفردية والمعاملات هو جانب القيم (الأخلاق) التي من شاكلة الصدق والأمانة والوفاء بالعهود، وكذلك الحرية والعدل والكرامة، ويشكل هذا الجانب المقاصد الكبرى الأكثر ثباتا في الدين، وهو معلوم بالضرورة ولا يحتاج حزب مدني للإشارة إليه كمرجعية لأن تلك القيم تتشارك فيها مختلف الأحزاب صاحبة الدعوات الرشيدة سواء كان منطلقها الدين أو الأخلاق.

وإذا كان الأمر كذلك، فان أية حزب يتحدث عن "الديني" كمرجع "للمدني" لن يكون غرضه ـ كما يقول مبروك ـ سوى وضع هالات القداسة على قواعد الضبط السياسي والاجتماعي التي يسعى من خلالها للسيطرة على المجال العام، وكذلك ممارسة نوع من الحصانة الدينية على شعاراته ورؤاه وبرامجه بصورة تجعلها فوق المساءلة التي تخضع لها بقية الأحزاب، مما يؤدي في خاتمة المطاف إلى فرض وصايته على الجمهور باسم الدين.

يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه خطاب ألقاه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في المغرب، سعد الدين العثماني، خلال انعقاد الدورة العادية للجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية في شباط/فبراير الماضي أكد فيه أن حزبه "يعمل وفق مشروعه السياسي المبني على أسس المرجعية الإسلامية المؤطرة لنضال وعمل الحزب".

وقال العثماني بحسب موقع "هبة بريس": "المرجعية الإسلامية ليس نحن من وضعها بل هي محددة من عند الله"، مضيفا: "نحن نحرص على أن نلتزم بأدبيات المرجعية الإسلامية، وبأخلاقها وبتوجيهاتها وبمبادئها وبقيمها وبأحكامها وليس أن نشوهها كي توافق أهواءنا".

أية حزب يتحدث عن "الديني" كمرجع "للمدني" لن يكون غرضه سوى وضع هالات القداسة على قواعد الضبط السياسي

​​وإذ يقول العثماني إن المرجعية الإسلامية "محددة من عند الله"، فإنه إنما يعمل على منح حزبه هالة من القداسة تتساوى مع الدين نفسه، ذلك لأن أحدا لا يستطيع المساس بشيء حدده الله سلفا، وبالتالي فإننا نكون بإزاء حزب يستخدم ذات السلاح القديم الذي ظلت ترفعه جماعات الإسلام السياسي في وجه كل من يعارضها باتهامه بمعارضة الدين (الإسلام).

ليس هذا فحسب، بل إن تأكيده على الالتزام "بأحكام" تلك المرجعية الإسلامية لا يعني شيئا سوى العودة مرة أخرى لشعار تطبيق الشريعة، ومن ضمنها قوانين العقوبات الشرعية، إذ أن الأخيرة تقع بالضرورة في إطار الجانب الثاني للدين (المعاملات)، وهو الشعار الذي حاولت جماعات الإسلام السياسي تمويهه عبر طرح موضوع الحزب المدني ذو المرجعية الإسلامية.

ختاما نقول إن تبني جماعات الإسلام السياسي لموضوع الحزب المدني ذو المرجعية الإسلامية ليس سوى محاولة لوضع ذات النبيذ القديم في قنان جديدة، وهو في حقيقته استمرار للأساليب السابقة التي تعمد إلى ممارسة السياسة بالمفاهيم التي يتخفى مضمونها السياسي والاجتماعي وراء قناع الدين.

اقرأ للكاتب أيضا: التوظيف السياسي للدين: الإخوان المسلمون نموذجا

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.