أحد أسواق القاهرة
أحد أسواق القاهرة

حسن منيمنة/

تعليق على مقال عمران سلمان "الإسلام الصحراوي وترييف المدن العربية"

عمران سلمان صاحب موقف متجانس، منفتح متسامح تقدمي علماني، وهو حريص على عدم الوقوع في أفخاخ التسطيح والقطعية. مشكلة عمران سلمان، ومعه أوساط واسعة وإن متناثرة من دعاة الإصلاح، هو أنه قد لا يجد إلا بشقّ الأنفس من الإسلاميين من يواجه مقولاته بالحجة مع التزام آداب المناظرة، بما يغني الحوار الفكري في الإطار العربي عامة. فإما التشنج والشتائم والتهكم والتسقيط، أو تحميل كلامه ما لا يحتمل للطعن به وتشتيت الموضوع.

ما طرحه الزميل عمران في مقاله الأخير هو جملة اعتبارات على درجة عالية من الأهمية. وكي لا تضيع فرصة الحوار في وسط التخندق الفكري الذي يمنع التواصل، أتقدم بالملاحظات التالية في دعوة صادقة للزميل عمران للنظر والتعليق المقابل.

في مسألة ظهور الحجاب: يحذر الزميل عمران من هفوة إضفاء سمة الثابت على المتحوّل. فالحجاب الشائع اليوم لم يكن شائعا قبل عقود قليلة، كما هو في ذاكرة من هم على قدر من التقدم في العمر أو كما تظهره صور معظم مدن المنطقة العربية والإسلامية حتى السبعينيات، إذ كان غطاء الرأس يقتصر على أوساط ريفية وتقليدية في ذاك "الزمن الجميل" (في استعارة لعبارة أصبحت متداولة بشأن المرحلة لما شهدته من الفن والطرب). فلا يجوز اعتبار التوجه الحالي إلى تغليب الحجاب قاعدة تلقى على كامل تاريخ هذه المجتمعات.

لنا أن نشتكي من مساوئ التبدل السكاني في مدننا شرط التسليم بأن الأمر كان فعل المدينة قبل الريف

​​ولكن، ألا يرتكب الزميل عمران بنفسه الخطأ الذي دعا إلى تجنبّه، حين يجعل مما كانت عليه الحواضر المدينية في العالمين العربي والإسلامي قبل الثورة الإيرانية أصلا ومقياسا للتاريخ؟ أليس الأقرب للواقع أن نزع الحجاب، والذي ابتدأ كظاهرة اجتماعية بعد الحرب العالمية الأولى، اقتباسا من الغرب ومجاراة له، هو الخارج عن القاعدة، فيما التاريخ الموثّق يشهد أن التستر بالحجاب وما يفوقه، ولا سيما في الأطر المدينية ذاتها، كان القاعدة العامة، بما يلامس الإطلاق لدى المسلمين.

التحفظ هنا على وجهين: الوجه الأول هو أنه في التصوير الذي يعتمده الزميل إنكار ضمني لأصالة التكبيل الاجتماعي الذي قيّد هذه المجتمعات القائمة على رفض الاختلاط، من خلال اختصاره بظاهرة مستجدة، في حين أن "حرمة" النساء، "الحرائر" تحديدا، وإلزامهن البيوت، مسألة عميقة لم تتلاشَ بالسفور، بل أتاحت المجال حتى خلال نصف القرن من نزع الحجاب، لانفصام في البنية الذهنية لدى مجتمع حافظ على أبوياته في مضامينه، ولا سيما إزاء النساء، في حين استعار مظاهر "الرقي" من الغرب في أشكاله.

والمواقف الإيجابية التي تحتاجها المجتمعات العربية هنا هي في التأكيد على ضرورة مراجعة ما كان، وتجاوز ما يتعارض ضمنه مع القيم التقدمية، لا الزعم الواهن بأن الماضي كان تقدميا، ما يناسب من حيث المبدأ التوجهات السلفية، لجهة الإقرار بمرجعية الماضي، مع اختصار المهمة المتبقية أمام هذه التوجهات بتصحيح الزعم المتهالك حول تقدمية الماضي.

أما الوجه الثاني، وهو ما جاء على لسان الزميل عمران صراحة، فهو استسهاله إلصاق الصفة السياسية بالحجاب بدلا من الدينية دون اعتبار لرأي صاحباته. بل الأَولى للإنصاف الإقرار بما تراه اللواتي يرتدين الحجاب أنفسهن، والراجح أنه لديهن بالغالبية العظمى واجب ديني، سواء كان بمطلق الطوعية أو مع ضغط اجتماعي، وإن تخلفت عنه في العديد من الحالات أمهاتهن. المحجبات لسن قاصرات، وقد يكون المطلوب استطلاع بياني بهذا الشأن للجلاء الكامل، ولكن وبانتظار ذلك لا يجوز تجيير سفور الأجيال القليلة الماضية لإنكار التوجه الديني وفق ما يصرّح به جيل جديد من النساء المحجبات.

في مسألة ظهور الجماعات الإسلامية: لا شك أن غلبة السرديات الوطنية فالقومية ثم الأممية، في صيغها الاشتراكية والثورية، على مدى القرن الماضي وصولا إلى آخر سبعينياته، قد حدّ من بريق الطروحات القائمة على حال الإسلام كدين أو أحوال المسلمين كأمة وشعوب. غير أن هذه القراءات لم تكن غائبة فكريا، وإن بقيت مغيّبة سياسيا، إلى حين استكمال فشل البدائل. يمكن ملاحظة الشحة المنهكة على مستوى الفكر السياسي العربي عامة، بما في ذلك التوجهات الإسلامية، في إنتاج الرؤى العملية، واقتصار هذه القراءات على العموميات والمبادئ. غير أن التأسيس للموجة السياسية الإسلامية، التوفيقية والجهادية على حد سواء، كان جاريا بإصرار خلال "الزمن الجميل" بريادة من الإخوان المسلمين المنتشرين في المحيط العربي كما الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية.

السردية الإسلامية بدورها لم تحقق وعودها. ولكن ذلك لا ينفي اليوم وجود ناشطين إسلاميين وانتشار حواضن اجتماعية لهم على مدى المحيط العربي. كما لا يبدد حقيقة أن السجال المستمر منذ قرنين حول الأنوار والحداثة وموقع الإسلام والمسلمين منها أصبح اليوم مواجهة مباشرة بين فريقين، تصح تسميتهم اختزالا بالإسلاميين والعلمانيين. ومهما استمات الإقصائيون من الجانبين في محاولة إنكار أصالة الفريق الآخر، فهؤلاء وأولئك حقيقة قائمة لا بد من التسليم بوجودها والشروع بحوار يقبل الخلاف طمعا بالصالح العام. وبانتظار أن يتفضل علينا الإسلاميون بإقرار من هذا النوع، ربما المطلوب من العلمانيين الشروع بعدم التبخيس بمكانة الإسلاميين في حاضر المجتمعات العربية وتاريخها، وإن ارتأت "الثورة المضادة" خلاف ذلك.

في مسألة الإسلام الصحراوي: إلصاق صفة "الصحراوية" بالسلفية المتشددة التي رعاها أئمة الدعوة النجدية في الجزيرة العربية على مدى قرنين قبل أن تسندها المؤسسة الدينية السعودية في العقود الماضية، تتضافر فيه الإشكالات.

الإشكال الأول هو أن هذا التوجه الديني بالتأكيد ليس "صحراويا" بمعنى البادية أو قبائلها وعشائرها، بل إن الشكوى، من "أعراب" بدء الدعوة في زمن رسول الإسلام إلى "صحوات" العراق في الأعوام الماضية، هي بشأن أهل الصحراء هؤلاء في عدم ثباتهم على الصيغة الدينية المفروضة عليهم وتقلبهم وفق الظروف. "إسلام" المؤسسة الدينية السعودية شمولي سلطوي، و"إسلام" التنظيمات الجهادية، إذ يبني على هاتين الشمولية والسلطوية، حداثي عالمي، دون أن ينتمي لا هذا ولا ذاك للصحراء.

فالإشكال الثاني المصاحب لسابقه هو في الإيماء الاستعلائي إزاء "الصحراء"، أحسبه غير مقصود من الزميل، ولكنه يحاكي خطاب المفاخرة والمزايدات العصبية والتي غالبا ما تضع "الصحراء" بمواجهة "الحضارة" في معارضة تسطيحية تتجاهل الحقائق التاريخية، ولا بد من تجنب إذكائها.

أما الإشكال الثالث فهو في الصيغة التي اختارها الزميل عمران عند الإشارة إلى أموال العائدات النفطية ضمن دوافع انتشار الإسلام الذي وصفه بالصحرواي، بما يوحي بعلاقة سببية خطية بين هذه الأموال واستتباب التوجهات السلفية في أرجاء العالم. ودون نفي الدور الداعم للتمويل طبعا، لو أن المسألة كانت مالية في جوهرها، لكان من شأن المبالغ الطائلة المضادة المرصودة لمكافحة هذه الظاهرة أن تقضي عليها. والأهم، بل الأخطر، أن هذه المجتمعات الإسلامية ليست مسيّرة ومفتقدة للقرار الذاتي، ما أن ترمى نحوها الأموال حتى تسير وفق مشيئة الرامي. بل نجاح السلفية والجهادية في إيجاد مواطئ قدم في معظم الأصقاع يحتاج إلى مساءلة فكرية على مستوى العالم حول غياب البدائل المقنعة وحول الحاجات المعنوية والدينية والنفسية والاجتماعية والتي يبدو أن السلفية والجهادية قد وجدتا السبيل إلى إيفائها.

في مسألة ترييف المدن: ليس في هذا التعليق حكم على قناعات الزميل، بل هو حسب ملاحظة حول الشكل والصياغة. نعم الأرياف أو "المحافظات" قد نزحت بأعدادها إلى مدن المحيط العربي. وقد نجحت بعض هذه المدن في المحافظة على صلبها المديني، مثلا القاهرة العصية عن الإغراق بحكم امتدادها الزماني والمكاني، وبيروت التي دفعت النزوح باتجاه استعارة أشكال مدينيتها، فيما كل من بغداد ودمشق مثلا كانت أقل توفيقا في استيعاب القادمين مع تحبيذ الحكام المتوالين للمحسوبين عليهم والذين تعاملوا مع الفضاء المديني أحيانا على أنه أرض محتلة، فشهدت هذه وتلك بروز نحب جديدة سواء بضم سابقاتها أو بتجاوزها.

لنا أن نشير إلى فشل التوجهات الإسلامية في تحقيق وعودها، ولكن علينا الإقرار بأن البديل ليس حاضرا

​​ولكن افتراض المقال، المتراوح بين التضمين والتصريح، أن "الترييف" هو تراجع، بدلا من اعتبار التبدل السكاني حالة متواصلة، الخير والشر في طبيعة إدارتها، يأتي كتحبيذ متكرر لـ "الزمن الجميل" كمقياس ومعيار، بما كان عليه من نخبوية مدينية إزاء الأرياف، ودون إقرار بواقع أن بوادر ضغط الريف (أو الصحراء) على المدينة تعود إليه بل إن هذا الضغط جاء نتيجة تلقائية لتفاوت أسست له المدينة إذ انشغلت بذاتها. أليس النزوح دون التأطير الدافع لعدالة اجتماعية وتعليمية واقتصادية دليل على تقصير لدى النخب المدينية؟ أوليست النخبوية التي لم تولِ الأرياف حقها هي التي أشعلت شرارة الانقلابات لتثبت عدم جدوى الاستعلائية؟

لنا أن نختلف مع الشمولية التي تريد من تكبيل المرأة رمزا لهيمنتها، دون أن نستدعي قراءة مختزلة لتاريخ في أعماقه لم يرَ رؤيتنا. ولنا أن نشير إلى فشل التوجهات الإسلامية في تحقيق وعودها، ولكن علينا الإقرار بأن البديل ليس حاضرا. ولنا أن نلحظ انتشار إسلام قطعي اختزالي يتعارض مع الإسلام المعاش في معظم الأمس واليوم، دون افتراض السذاجة أو التفاهة لدى من يعتنقه، ولنا أن نشتكي من مساوئ التبدل السكاني في مدننا شرط التسليم بأن الأمر كان فعل المدينة قبل الريف. على الأقل هذا ما أراه وأتمناه، مع كل الاحترام والتقدير للزميل عمران سلمان.

اقرأ للكاتب أيضا: 'علم الأعراق' اللبناني: النزعة الاستعلائية في مواجهة الوقائع

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.