وفرحنا... وصفقنا... واعتبرناها سابقة... قبل أن نكتشف أننا صفقنا للوهم وطبلنا لكذبة كبرى!
منذ بضعة أشهر، تحدثت الصحافة في المغرب عن سابقة اعترف من خلالها قاض بمدينة طنجة، شمال المغرب، بحالة اغتصاب على فراش الزوجية، وأصدر فيها الحكم الابتدائي بالسجن النافذ لمدة سنتين.
لكن جريدة إلكترونية مغربية أطلعتنا منذ بضعة أيام أن الخبر كان من الأصل مغلوطا؛ بحيث أن القاضي، في الحكم الابتدائي، أصدر حكمه معللا إياه بتهمة "الضرب والجرح" وليس بتهمة الاغتصاب الزوجي... والأدهى أن محكمة الاستئناف أصدرت حكمها بالسجن مع وقف التنفيذ في حق الزوج، خصوصا بعد أن سحبت الزوجة دعواها.
يمكننا طبعا أن نتخيل حجم الضغط المحتمل الذي قد تكون الزوجة، في الغالب، تعرضت له من طرف محيطها للتنازل عن الدعوى. أذكر أن نقيبا سابقا لمحاميي الدار البيضاء كان قد صرح لإحدى وسائل الإعلام خلال نقاش قانون مكافحة العنف ضد النساء، بما مضمونه أن النساء سابقا كن يسامحن أزواجهن في حالات العنف فيحفظن شمل الأسرة؛ بينما مع هذا القانون، سيدخل الزوج للسجن فتتشتت الأسرة. هكذا بكل بساطة...
يمكننا أن نبكي خلف الإخوة من مصر قائلين بأن "حاميها حراميها" أو خلف آبائنا وأمهاتنا في المغرب ونحن نصرخ بأن "من الخيمة، خرج مايل". والنتيجة واحدة: حتى هيئة القضاء والشرطة والمحامين، تبلور أفكارا تتساهل مع العنف الذي يمارس ضد المرأة وتجعل المرأة مخطئة إن لم تسامح وتغفر ما تعرضت له من عنف!
هذا طبعا دون الحديث عن مئات التعليقات التي تروج على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المقاهي والشوارع والجامعات وهي تتساءل: كيف تتحدثون عن اغتصاب، ما دامت زوجته؟
بمعنى أن كثيرين، رجالا ونساء، يعتبرون بأن الرجل المتزوج يستطيع أن يمارس الجنس مع زوجته متى شاء، سواء برغبتها أم لا. أليست زوجته و"حلاله"؟ سؤال "القبول" و"الرغبة" لدى المرأة غير مطروح بالنسبة للكثيرين وبالنسبة للكثيرات. كل ما هناك، "حقه الشرعي" و"واجبها الشرعي"... وكأن الأمر يتعلق بكرسي أو ساعة يدوية نستعملهما حسب رغبتنا الخالصة!
متى سندرك أن الأمر يتعلق بجسد إنساني وعلاقة حميمية لا يمكن التعامل معهما بمفهوم "الواجب"؟ متى سندرك أنه، لا يمكن أن نقبل ممارسة جنسية لا يرغب فيها أحد الطرفين، حتى لو كانت "حلالا"؟
حين يفرض رجل على زوجته ممارسة الجنس وهي غير راغبة في ذلك، يكون قد اغتصبها حتى وهي زوجته! لا يعقل أن نرغم امرأة على العلاقة الحميمية لمجرد أن زوجها يعتبر ذلك "حقه" ولأنه يملك عقد زواج، يتحول في هذه الحالة إلى صك ملكية.
لنتخيل أيضا حجم تناقضنا حين نعاقب، قانونيا ومجتمعيا، علاقة رضائية بين شخصين متحابين يرغبان في بعضهما البعض بكامل الوعي؛ بينما نعتبر اغتصاب الزوج لزوجته مقبولا حلالا شرعيا، لمجرد أن الزوج يتوفر على عقد.
أن تمارسا الجنس وأنتما ترغبان فيه هو "سلوك غير أخلاقي، مرفوض، حرام وممنوع". لكن، أن يمارس رجل الجنس مع زوجته وهي كارهة لتلك العلاقة، فهذه ممارسة "حلال، مقبولة وشرعية"؛ بل أنها تصبح "واجبا"، بحيث "تلعن الملائكة الزوجة إن هي امتنعت عن زوجها".
ألا يبدو جليا أن علاقتنا غير سوية بالحب والجنس والجسد والزواج نفسه؟
متى سنعي أن العلاقة الطبيعية، والتي يفترض أن يقبل بها القانون والعقل والدين، هي علاقة تتم بالتراضي بين شخصين راشدين؟ متى سنعي بأن عقد الزواج لا يعطي للرجل حق اغتصاب زوجته، وأن غياب هذا العقد لا يجعل علاقة تتم بالتراضي أمرا مخلا بقوانين العقل والمنطق وحقوق الإنسان والكرامة؟
اقرأ المقال أيضا: الطيور تحلق... كي لا تعود!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).