طالبات مسلمات يمارسن رياضة اليوغا في أحمدأباد في الهند في اليوم الدولي لليوغا
طالبات مسلمات يمارسن رياضة اليوغا في أحمدأباد في الهند في اليوم الدولي لليوغا

محمد المحمود/

لا يخفى على القارئ المعني بتاريخ مسار التقدم الإنساني، والذي هو في جوهره مسار تحرري، أن الحريات الدينية التي تبدأ من تحرير الضمير، لتصل إلى تحرير التعبير، مرورا بتحرير التفكير؛ هي جَذرْ الحريات الإنسانية كافة، وأنه لا حرية؛ من أي نوع، يمكن لها أن تسبق هذه الحريات الدينية التي تفتح نوافذ الضمير على آفاق التسامح مع المختلف، حتى في أشد مكونات الضمير خصوصية وحرجا. ما يعني أن إقرارها وتأكيدها كحريات مقدسة؛ في المستوى الثقافي؛ كما في المستوى القانوني، من شأنه أن يشرعن ـ ثقافيا وقانونيا ـ للتسامح مع صور الاختلاف/ المُغايَرة الأخرى التي هي ـ بالضرورة ـ دونها خصوصية وقداسة، وبالتالي، أولى منها بالتسامح والقبول.

اتساقا مع هذا الدور الفاعل لمسألة "الحريات الدينية"، من حيث هو دور مُقرّر/ متوقع/ منتظر، وجدنا أنها أصبحت إحدى أهم الإشكاليات التي تأخذ مساحة واسعة من الجدل الفكري/ الفقهي داخل خطاب هذه التيارات المتأسلمة، إلى درجة أنها تسببت في حالات خصام وانفصال واتهامات واسعة بالضلال، كما هي ـ في الوقت نفسه ـ إحدى أهم الإشكاليات التي تؤزّم علاقة الآخرين بهذا الخطاب؛ من حيث كونهم لا يحصلون منه على جواب مقنع، ثابت، مدعوم بتطبيق عملي، جواب مُمَنهج يشمل بمنطقه تفاصيل (والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال) هذه المسألة الشائكة التي يتحدى بها الواقعُ أصولَ هذا الخطاب.

نسير حثيثا؛ ولكننا نرجع للوراء، فبدل التوجه نحو مزيد من الانفتاح، تسير قوافلنا الفكرية مزيد من الانغلاق

​​نحن هنا لن نُسائل النصوص المقدسة الأولى/ المتعالية في هذا الشأن، سنتجاوزها مع وافر التقدير لها؛ لا لأنها نصوص مشروطة بتاريخها/ ظرفها الخاص، ولا لأنها نصوص مفتوحة على التأويل، وكل تأويل هو اجتهاد يوهن التأويلات الأخرى...إلخ، وإنما لأنها في الحقيقة ليست هي التي تتحدث أصالة؛ فتحكم المقولات الصلبة في الخطاب الإسلاموي، بدليل أن هذا الخطاب المتأسلم المتنوع حتى وإن قرّر في النهاية أحكاما متشابهة في هذا المضمار (مضمار تحجيم الحريات الدينية)، إلا أنه وصل إليها بطرائق استدلالية مختلفة/ متنوعة، تقضي بكون "النص الأوليّ" ليس هو المتحدث الحَكَم، بل المتحدث المحكوم في هذا السياق.

إضافة إلى ذلك، فإن لدينا قناعة بأن حركة التاريخ بكل ضروراتها الظاهرة والمضمرة هي التي صنعت على مدى زمني متطاول نوعا من التعصب الضروري الذي استلزمه بناء امبراطورية توسعية تتأسس متعاليات المعنى فيها على إخضاع الآخرين لمنطقها الكلي كشرط لتشكيل الوعي العام بالهوية؛ من خلال تثبيت الذات كشاهد على التاريخ.

في مقابل هذا التعصب المتشكل بفعل التاريخ، نجد أن النصوص الأولى المتعالية كانت تفتح الآفاق على مشروع حريات دينية واسعة النطاق، بل يضيق عنها أفق الوعي في ذلك الزمان. لكنها للأسف لم تتحقق واقعا؛ فلم تُكْتبْ فِقْها، بل ما تحقق فعلا كان في الاتجاه المعاكس لهذا الرشد الديني المأمول، إذ أُجْهِضَت بدايتها الأولى على يد محترفي صناعة الإمبراطوريات في تاريخنا القديم.

هكذا يبدو الأمر، وكأن مسار التاريخ/ تاريخنا كان معاكسا لمسار النص الأول/ النص المُؤسِّس في هذه المسألة بالذات. ربما معادلات الواقع الجغرافي وسياق حركة التاريخ، جعلا من هذا المسار اللاطبيعي/ اللانصي مسارا طبيعيا، بل وضروريا، أو ربما هو قَدَرُ الأفكار المثالية دائما على اختلاف مصادر استلهامها؛ كما يشير إلى ذلك عبد المجيب الشرفي بقوله: "إن الفارق بين الأهداف التي رمت إليها الرسالة من ناحية، ومآلها في التاريخ من ناحية ثانية، لا يستغرب، بل يكاد يكون هو القاعدة في الحركات الدينية والفلسفية" (الإسلام بين الرسالة والتاريخ، عبدالمجيد الشرفي، ص98).

المهم هنا، أن إلغاء الحريات الدينية أو حتى محاولة منعها من التشكل على مستوى الواقع العيني كان هو السائد فقهيا؛ حتى وإن كانت بعض فترات التاريخ/ تاريخنا تشي بدرجة معقولة من التسامح، فهذا التسامح الاستثناء، وإن بدا كحقيقة واقعية، إلا أن منطق الخطاب الفقهي المهيمن كان له بالمرصاد؛ مُدِيْناً؛ ومُحرّضا على تغييره ليتحوّل إلى واقع تُقمع فيه الحريات الدينية بأبشع الصور الممكنة التي وجدت طريقها إلى التنظير الفقهي على نحو مُفصّل مؤصّل.

هذا التنظير الفقهي الذي لم يكن حبيس الأدراج، ولا رهين المخطوطات البالية، بل واقعا تنظيميا/ قانونيا يَتنَزّل في الواقع، أو يُرَاد له أن يتنزل في الواقع، وهو ليس محددا أو محصورا في أطروحات الإسلامويين المتعصبين فحسب، بل وصل مداه لما هو أوسع، فكثير من قوانين التعامل مع الآخر (المنتمي لغير الدين، أو لغير المذهب) حتى في الجمهوريات العربية التي تتمظهر بصفة علمانية، تقوم ـ في مضمونها ـ على منطق الفقه القديم، وتستلهم كثيرا من تحيزاته ضد الآخر المختلف في المذهب أو في الدين.

منذ الأيام الأولى للإمبراطورية العربية الإسلامية كان مذهب/ تيار الأكثرية يضطهد مذهب/ تيار الأقلية؛ مثلما يُلغي ممثلو الدين السائد المهيمن أبسط الحريات الدينية لأتباع الديانات الأخرى. في العصر العباسي، وفي العراق تحديدا، كان الحنابلة هم المسيطرون على الشارع، وبالتالي، هم المؤثرون على توجيه القرارات الصادرة من دار الخلافة، وكانت قرارات قمعية في حق المختلفين معهم مذهبيا ودينيا؛ إلى درجة إلزامهم الصمت التام، وقد يمتد ذلك إلى الحصار والقتل إذا ما كان الطرف الآخر من المؤثرين الذين يخشى على عقول الأتباع منهم، فيكون قمعهم تحت شعار قمع البدعة والضلال.

خطاب الإسلامويين يتبنى صراحة معظم التحيزات الدينية المتضمنة لكثير من صور القمع والإلغاء

​​طبعا، كان هذا المنطق التَّغلّبي الأحادي هو منطق العصر القديم. فدين/ مذهب المتغلبين آنذاك يقضي بفرض ما يرونه صوابا، وهو دينهم/ مذهبهم بطبيعة الحال، في مقابل محاصرة الأديان/ المذاهب الأخرى التي لا بد أن توضع عليها الشروط والقيود. ويرى أنطوني جيل في بحثه المُطوّل عن الحرية الدينية وعلاقتها بالمسارات السياسية، أن الأديان المهيمنة تفضل وجود مستويات أعلى من القانون الحكومي المقيد للحريات الدينية، بينما تميل الأقليات إلى تفضيل وجود قوانين تمنح حرية أكبر للممارسات الدينية؛ لأنه هي المستفيد الأول من هذه الحرية (الأصول السياسية للحرية الدينية، أنطوني جيل، يؤكد هذا الرأي في مواضع كثيرة، منها ص29و79و106).

وبما أن الفقهيات السائدة هي فقهيات الأكثرية في الإمبراطوريات العربية/ الإسلامية البائدة، فإن خطاب الإسلامويين الذين يسعون جاهدين لاستعادة المجد الإمبراطوري البائد يتبنى صراحة ـ ودونما مراجعة نقدية جذرية ـ معظم التحيزات الدينية المتضمنة لكثير من صور القمع والإلغاء. وشواهد الحال من أقوالهم وأفعالهم تؤكد أنهم لا يتطورون ـ تجاوزا ـ لهذا التراث؛ بقدر ما هم يزدادون التصاقا به بحرفية اتباعية عمياء، ازدادت وتيرتها مع الأيام بفعل رواج الإرث السلفي التقليدي أواخر القرن العشرين.

وأيا كان الأمر، فالمشكلة ليست في هذا التراث الذي يُصرّ على قمع المختلف ويطمح لمصادرة حق الاعتقاد؛ إذ كثير من الأمم لديها ما هو أبشع وأشنع منه في تراثها، ولكنها تجاوزته بنقده وتحييد السلبي فيه، واعتباره ـ في أحسن أحواله ـ مجرد محاولات عابرة في ظرف تاريخي عابر، بينما بقينا نجتر تراثنا، ونمتحن أنفسنا باستفراغ طاقاتنا لاستعادته تنظيرا كما هو، ثم القيام بمحاولة قسر الواقع ليتلاءم معه؛ زاعمين أن غاية التجديد هو تطبيقه حرفيا، وأن صلاح الزمن المتأخر لا يكون إلا بالتطابق مع الزمن المتقدم.

إنه لمن المحبط جدا أن نجد خطابات الأسلمة التي هي أقدر على الحشد والتوجيه الجماهيري تتراجع ولا تتقدم؛ فتتراجع المجتمعات بتراجعها تصورا وتفكيرا. نسير حثيثا؛ ولكننا نرجع للوراء، فبدل التوجه نحو مزيد من الانفتاح، تسير قوافلنا الفكرية المُحَمّلة ببضائع السلوك نحو مزيد من الانغلاق. هذا ما لاحظه الباحث المصري الراحل/ حسام تمام عندما تحدث عن الموجة الثانية من تسلّف الإخوان (تبنيهم الإرث السلفي بشكل مبالغ فيه) بداية السبعينيات من القرن العشرين، ورأى أن هذا التسلّف أثر بصورة واضحة على الجماعة/ جماعة الإخوان سلبا من حيث موقفها من الآخر، أي آخر، حتى الآخر داخل الإطار الإسلامي، فأصبحت تتمحور حول ذاتها تصويبا، وتنفي/ تقصي الآخرين تخطئة وتخوينا (الإخوان، سنوات ما قبل الثورة، حسام تمام، ص110).

إلغاء الحريات الدينية أو حتى محاولة منعها من التشكل على مستوى الواقع العيني كان هو السائد فقهيا

​​وبما أن جماعة الإخوان تسلّفت وهي الجماعة الأم للأغلبية الساحقة من تيارات التأسلم الاجتماعي والسياسي، فإن خيار الإقصاء الديني لا زال هو الخيار الحقيقي؛ مهما حاولت كثير من هذه التيارات (ولاعتبارات حشدية أو سياسية/ انتخابية) المراوغة في تقرير الأحكام المعتمدة في هذا الشأن. بل يكفي أن جماعة الإخوان، وعلى امتداد أكثر من تسعين عاما من عمرها المديد، لم تحسم ـ على نحو واضح، ومُؤصّل؛ في الاتجاه المضاد للموقف التراثي ـ موقفها من تولي غير المسلم منصب الرئاسة، ولا موقع الأقباط من المناصب الحساسة في الجيش؛ مع أن هذا سؤال كان ولا يزال سؤالا مطروحا بقوة، ويتسبب الارتباك المتكرر بشأنه في إضفاء مزيد من الغموض على موقفهم من المبدأ الديمقراطي، في الوقت الذي يُلِحّون فيه على السّلْمِيّة، وعلى الانحياز الكامل للخيار الديمقراطي كخيار وحيد؛ مع أن "المواطنة" المتعالية على كل فروع الانتماء، بما فيه الانتماء الديني/ المذهبي، تُعَدُّ شرطا أساسيا للعمل الديمقراطي.

أخيرا، هناك من يتصوّر أن قمع الحريات الدينية لا يكون إلا بمنع أصحاب الديانات/ المذاهب صراحة من التعبير عن معتقداتهم أو ممارستها بقوة القانون. والحقيقة أن القمع قد يأخذ صورا متعددة، ليس أقلها أن يجد المرء نفسه يخسر بعض حقوقه كمواطن لمجرد انتمائه الديني، مما يشكل ضغطا غير مباشر يدفعه للتنازل عن قناعاته الدينية أو إخفائها؛ بغية الحفاظ عليها أو لاستردادها بعد خسارتها. فمثلا، عندما ينص الدستور الإيراني على أن الإسلام كدين، والجعفرية الإمامية كمذهب، هما شرطان أساسيان لتولي منصب رئيس الجمهورية، فهذا انتهاك صريح للحريات الدينية بالتفريق بين المواطنين على أساس الدين/ المذهب. وعلى هذا المثال يمكن أن نقيس بقية الأمثال.

اقرأ للكاتب أيضا: التخلف والتطرف في العالم العربي

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.