فندق فوى سيزنس، حيث ينعقد مؤتمر البحرين
فندق فوى سيزنس، حيث ينعقد مؤتمر البحرين

سايمون هندرسون/

تشكل ورشة "السلام من أجل الازدهار" المنعقدة في المنامة بين 25 و26 حزيران/يونيو نجاحا ملحوظا لهذه الجزيرة الخليجية. فالبحرين لا تملك الثروة النفطية التي تملكها بعض الدول المجاورة لها، ولا ترقى في عالم الأعمال إلى مستوى أبوظبي ودبي وقطر. ولكن استضافتها نقاش حول الجوانب الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط يفتح لها بابا على كبرى الرابطات.

وباعتبارها الدولة الوحيدة في الخليج العربي التي تعيش فيها جالية يهودية أصلية (مهما كانت صغيرة) ومندمجة في المجتمع، يمكن القول إن البحرين أقرب إلى الشراكة مع إسرائيل من السعودية أو الإمارات، علما بأنه وفقا لبعض التقارير أقامت هاتين الدولتين علاقات أمنية وتجارية خفية مع إسرائيل.

ولكن قرار السلطة الفلسطينية بمقاطعة الورشة وامتناع البحرين عن توجيه دعوة رسمية إلى وفد رسمي من إسرائيل يُظهران مدى حساسية التواصل مع الجمهور، لا سيما في وقت تزداد فيه التوترات في الخليج (ومع ذلك، سيشارك عدد من رجال الأعمال والصحفيين الإسرائيليين في الورشة).

من المرجح أن تأمل البحرين أيضا بأن يستفيد اقتصادها الخاص من هذه الورشة

​​وعلى الصعيد المحلي، يكمن خط الصدع الرئيسي في البحرين بين الأغلبية الشيعية ـ التي يشعر بعض أفرادها بالتهميش اجتماعيا وسياسيا ـ والحكومة التي يهيمن عليها السنة برئاسة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. فهناك عدة آلاف من الشيعة محتجزين حاليا، حيث صدرت أحكام على بعضهم وما زال آخرون ينتظرون المحاكمة.

وتجادل الحكومة بأن هؤلاء موالون لإيران أو العراق، وقد أدانت بعضهم بتهم مرتبطة بالإرهاب. أما بالنسبة للجالية السنية، فيبدو أن العديد من المواطنين يشككون في الدعوة التي ينادي بها الملك للحوار بين الأديان والتعايش السلمي، وهما اثنتين من ركائز الدبلوماسية الإقليمية للبحرين.

وتوضح الحوادث المؤسفة المختلفة التي وقعت في السنوات الأخيرة مدى التحدي الناشئ عن التعامل مع إسرائيل بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، بعد زيارة قامت بها مجموعة من الحاخامات الأجانب إلى الكنيس اليهودي الوحيد في الجزيرة البحرينية خلال كانون الأول/ديسمبر 2016، استخدم ناشطون سنّة المماسح "لتطهير" الشارع المجاور الذي يستخدمه الزوار.

وفي نيسان/أبريل من هذا العام، حمل النواب السنة الأوشحة الفلسطينية داخل قاعة البرلمان للاحتجاج على المشاركة المزمعة لوفد إسرائيلي في منتدى محلي للأعمال. وقد ألغى الوفد زيارته في اللحظة الأخيرة حين تم نشر شريط فيديو على الإنترنت يصوّر سيناريو يحاكي طائرة بدون طيار تقوم بمراقبة الزوار الإسرائيليين، وينتهي في هجوم صاروخي وهمي. ويبدو أن الجهة المسؤولة عن إنتاج هذا الفيديو هي تنظيم له علاقة بإيران، وقد استُخدمت فيه ترجمة بالعبرية لإيصال الرسالة المنشودة.

ومن حسن الحظ، تملك البحرين البنية التحتية والتنظيم اللازمين لتولي الشق الأمني بسهولة في ورشة هذا الأسبوع. فالمؤتمر سيعقد في فندق "فور سيزونز" الشاهق والمبني على جزيرة اصطناعية منفصلة في بحيرة مع اقتصار إمكانية الوصول إليها على عدد محدود من الأشخاص.

كما ستقوم دوريات قوات البحرية وخفر السواحل البحرينية برصد كل التحركات الوافدة من البحر بدعم من عناصر تابعة للأسطول الخامس الأميركي المتمركز على الجزيرة ـ وهذا أمر يبعث على الارتياح نظرا لأن إيران تقع على بعد 100 ميل فقط عند الجهة المقابلة من الخليج.

ومن المرجح أن تأمل البحرين أيضا بأن يستفيد اقتصادها الخاص من هذه الورشة. فعلى الرغم من بريقها الظاهري، إلا أن ميزانية البلاد اتسمت بالتشدد في الأشهر الأخيرة. فالحكومة تعتمد على عائدات حقل النفط البحري الذي تملكه السعودية، ولذلك أجبرتها أسعار النفط المنخفضة على خفض الدعم الذي تقدمه.

يفترض أن تشكل استضافة الورشة ميزة إضافية للبحرين وعلاقاتها مع واشنطن

​​وقد يؤدي الاستغلال الناجح لاحتياطيات الزيت الحجري والغاز المكتشف مؤخرا إلى تغيير كبير في الأحوال المالية للجزيرة، إلا أن المكاسب قد تكون محدودة لأن الرواسب موجودة بعيدا عن الشاطئ ويصعب استخراجها من الناحية التقنية.

وكان أحد المؤشرات على حماسة البحرين (أو يأسها) في هذا الشأن هو إعلانها في وقت سابق من هذا الشهر بأنها أجازت للشركات المملوكة بالكامل لجهات خارجية الحصول على حقوق في أنشطة التنقيب عن النفط والغاز ـ وهذا تنازل يتسم بقدر استثنائي من الكرم مقارنة بالدول المجاورة التي تستوجب أن تكون الحصة الكبرى مملوكة لجهات محلية. وتقوم شركة "شيفرون" الأميركية الكبرى بتقييم الاكتشافات الجديدة في الجزيرة.

وعلى العموم، يفترض أن تشكل استضافة الورشة ميزة إضافية للبحرين وعلاقاتها مع واشنطن حتى لو كان نجاح الاجتماع الفعلي موضوع شك. ومع ذلك، فباللغة المجازية للسياسة في الشرق الأوسط، على المنامة وحلفائها أن يتذكروا أن البحرين ليست جزيرة. فالمخاطر تحدق بها من الداخل ومن المنطقة، وقد تتفاقم من خلال عقد مؤتمر من هذا النوع.

سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.