التصعيد بين أميركا وإيران وصل ذروته وأعلى مستوى منذ أربعة عقود بالرقص حول الخيارات العسكرية، وإدراج المرشد الأعلى علي خامنئي على لائحة العقوبات الأميركية، من دون أي تظهر طهران أي إشارات للتراجع أو العودة إلى طاولة المفاوضات بهدف فتح أفق الديبلوماسية.
التأزم مرجح بالاستمرار كون ترامب وخامنئي لا يريدان الحرب وفي نفس الوقت كلاهما ليس بموقع تقديم تنازلات يطلبها الآخر لتحريك المفاوضات. إيران خامنئي تريد تثبيت أوراقها الأمنية والسياسية من مضيق هرمز إلى جبال صعده وأروقة بغداد والبصرة والموصل ومحيط الجولان في إطار ردها على العقوبات الاقتصادية. أما أميركا ترامب فترى لحظة مؤاتية لاستعراض قوتها في الإقليم من دون الدخول بمواجهة عسكرية، مستفيدة من ضعف الأوروبيين، وتصر واشنطن على عدم تقديم تنازلات في ملف العقوبات سبق أن طلبتها طهران مقابل العودة إلى المفاوضات.
عامل الوقت يفيد الرجلان. دونالد ترامب ليس على عجلة من أمره في الحرب أو السلم مع إيران، وخامنئي الذي عاصر ستة رؤساء أميركيين ينتظر السابع منهم من دون تغيير استراتيجيته الإقليمية أو في التعامل مع الغرب. هناك من يقول إن ضغط العقوبات هائل على إيران وهي غير قادرة على الانتظار حتى 2021 (موعد بدء ولاية الرئيس) ما بعد الانتخابات الأميركية. من دون شك أن العقوبات تؤذي طهران، إنما مأزقها ليس بمستوى مأزق كوريا الشمالية في التسعينيات (المجاعة) أو كوبا في أسوأ مرحلة الحصار.
أدوات وشبكات التهريب من وإلى إيران تعمل عبر العراق وسوريا ولبنان، والنظام يتحايل على العقوبات ببيع النفط لروسيا والهند والصين وغيرها من الدول مقابل البضائع والأغذية بدل التمويلات النقدية.
أمنيا، ورغم ارتفاع الكلفة الاقتصادية على إيران لتمويل ميليشياتها الإقليمية، فهي ليست بموقع التهدئة أو الانسحاب من سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان. ورغم الاندفاعة الجديدة من واشنطن وتل أبيب لإقناع روسيا بالمساعدة في كبح إيران في سوريا، فإن موسكو غير قادرة ميدانيا ولا هي راغبة سياسيا بخوض هذه المواجهة رغم وجود تباعد سياسي بينها وبين الإيرانيين في سوريا.
وفي العراق، يحتاج تقويض المد الميليشياوي الإيراني، المتزايد منذ 2003، إلى عقود من العمل واستراتيجية سياسية قبل أن تكون أمنية، فيما يشكل اليمن مسرحا قليل الكلفة أمام إيران لتهديد خصمها الاستراتيجي أي السعودية.
وفي لبنان، ورغم الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها حزب الله، فهناك أيضا شبكات وقنوات خلفية للتحايل على العقوبات، رغم الجهود الأميركية لكشفها واحتمال إدراج شخصيات كبيرة من حلفاء حزب الله على لائحة العقوبات لدورهم في عملية التحايل هذه.
أما ترامب، فهو ليس على عجلة من أمره للتفاوض أو المواجهة مع إيران وخصوصا مع الدخول في موسم الانتخابات الأميركية. فخامنئي لعب لصالح ترامب بإسقاط الطائرة الأميركية وتهديد القواعد العسكرية لواشنطن في العراق، وإمكانية رفع إيران منسوب اليورانيوم خلال تسعة أيام وبالتالي انتهاك الاتفاق النووي.
هذه الخطوات تحشد الرأي العام الأميركي ضد إيران، وتضعف فرص الأوروبيين في الإبقاء على الاتفاق النووي. التصرف العدائي ضد الغرب هو في صلب عقيدة خامنئي الداخلية كما هو في نفس الوقت سلاح لدى خصومه لإبقاء حالة العداوة مع طهران.
وفي حال استمر هذا المناخ وانهار الاتفاق النووي قبل الانتخابات الأميركية، فسيكون من الصعب جدا على أي رئيس أو رئيسة أميركية بعد ترامب العودة إلى مرحلة باراك أوباما. فلا نزع الحرس الثوري الإيراني لائحة الإرهاب الأميركية سيكون أمرا سهلا، ولا العودة إلى الاتفاق النووي الذي ستفقد بعض بنوده الصلاحية في 2025 هو حل مثالي أمام أي رئيس مقبل.
هذه العوامل تفرض واقعا متأزما في الأشهر المقبلة بين خامنئي وترامب ومعركة شد حبال حذرة تستعرض مواقع قوة الطرفين، لكن تتفادى المواجهة العسكرية المباشرة.
في هذا المحيط المتأزم هناك محاولات واتصالات خلفية بين دول خليجية وإيران لاحتواء التصعيد وضبط قواعد الاشتباك حول مضيق هرمز. لكن من دون غطاء دولي ودور أميركي فإن أي تفاهمات ستكون قصيرة المدى، حتى عودة طهران إلى الطاولة والتفاوض مباشرة مع الضامن الأمني الأكبر في الخليج أي الولايات المتحدة.
اقرأ للكاتبة أيضا: العراق: الحلقة الأضعف بين أميركا وإيران
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).