رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية ورئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية ورئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس

كاثرين باور/

في الوقت الذي تجمع فيه إدارة ترامب وزراء مالية عرب ودوليين في البحرين لمناقشة "رؤيتها الاقتصادية للشعب الفلسطيني"، تواجه "السلطة الفلسطينية" أزمة تمويل كبيرة وعاجلة. فهي تدفع نصف رواتب معظم موظفي الضفة الغربية وتخفض خدمات أخرى منذ شباط/فبراير، حين رفضت التحويل الشهري للإيرادات الضريبية التي تجمعها إسرائيل بالنيابة عنها.

وقد تمّ تقليص التحويلات بشكل طفيف بعد أن طبقت إسرائيل قانونا جديدا ينص على اقتطاعات بسبب المدفوعات التي تقدمها "السلطة الفلسطينية" إلى أسر "الشهداء" والمعتقلين في السجون الإسرائيلية. وجاء القانون في أعقاب تشريع أميركي مماثل يُعرف باسم "قانون تايلور فورس" الذي يهدف إلى الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل وقف المدفوعات التي تشجع أعمال العنف.

تمرير المواضيع السياسية الشائكة إلى تكنوقراطيين قد يكون السبيل الوحيد لتخفيف حدة الأزمة الحالية

​​وفي حديث لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية لصحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من هذا الشهر، حذّر من أن "السلطة الفلسطينية" قد تضطر قريبا إلى منح إجازات للموظفين، بمن فيهم أفراد الأمن.

وسابقا، أعلن "مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة" في نيسان/أبريل أن التحديات المالية والاقتصادية والسياسية تهدّد استمرارية "السلطة الفلسطينية".

المساعدات العربية الحالية ليست كافية

منذ شباط/فبراير، اتخذت "السلطة الفلسطينية" تدابير تقشفية صارمة، وجمعت متأخرات إضافية، وزادت وتيرة الاقتراض من المصارف الفلسطينية. وتبلغ الاقتطاعات الإسرائيلية 11.5 مليون دولار شهريا فقط، أو 6 في المئة من إيرادات التخليص، لكن مع ذلك أمر الرئيس محمود عباس "السلطة الفلسطينية" برفض التحويلات بالكامل ـ أي 188 مليون دولار شهريا، أو ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي إيرادات الحكومة.

وتعتبر "السلطة الفلسطينية" أن الاقتطاعات الإسرائيلية تنتهك "بروتوكول باريس" (اتفاقية باريس الاقتصادية) الموقع عام 1994 والذي ينص على تعاون اقتصادي ثنائي ويضع شروط على اتحاد الجمارك القائم منذ فترة طويلة ونظام تحويل الإيرادات الخاص بـ "السلطة الفلسطينية".

ولم يسفر قراره بعد عن التنازلات التي كان يتوقعها على الأرجح من حكومة إسرائيلية جديدة لن يتم تشكيلها قبل تشرين الأول/أكتوبر على أقرب تقدير بعد الإعلان عن انتخابات جديدة للكنيست.

كما أن الدعم الخارجي للميزانية لم يكن كافيا لتجنّب الإفلاس الوشيك، ومن غير المرجح أن يقدّم المانحون المجتمعون في البحرين في إطار ورشة عمل "السلام من أجل الازدهار" تمويلا إضافيا. ورغم أن أهداف ورشة العمل غير واضحة، إلا أن مسؤولي إدارة ترامب أعلنوا أنها ليست مؤتمرا للتعهدات.

وفي 22 حزيران/يونيو، اجتمع وزراء المالية العرب في القاهرة ـ قبل سفرهم إلى المنامة ـ لحضور اجتماع طارئ لـ"جامعة الدول العربية" حيث أعادوا التأكيد على التزامهم بتوفير "شبكة أمان مالي" من المنح أو القروض لمساعدة "السلطة الفلسطينية" على مواجهة ثغرة التمويل التي تواجهها. غير أنهم لم يعلنوا عن أي تعهدات محددة.

اتخذت "السلطة الفلسطينية" تدابير تقشفية صارمة

​​وكانت "الجامعة العربية" قد أطلقت دعوة مماثلة للحصول على تمويل في نيسان/أبريل، ولكن حتى الآن لم تقدم أي دولة تعهدات فعلية باستثناء قطر، التي قدمت مبلغ إجمالي قدره 480 مليون دولار، شمل منحة بقيمة 180 مليون دولار لغزة وقرض بقيمة 250 مليون دولار لـ "السلطة الفلسطينية"، تمّ تحويلهما في اثني عشر قسطا شهريا. وسيتمّ منح المبلغ المتبقي وقدره 50 مليون دولار كمنحة إلى "السلطة الفلسطينية"، مما سيخوّلها دفع رواتب جزئية لغاية آب/أغسطس.

وتأتي المنحة القطرية في وقت حرج توشك فيه "السلطة الفلسطينية" على الاصطدام بسقف مفروض ذاتيا على الاقتراض المصرفي في تموز/يوليو. غير أنه عند مستويات الإنفاق الحالية، لن يكون القرض المرافق البالغة قيمته 21 مليون دولار شهريا كافيا لإبقاء "السلطة الفلسطينية" صامدة حتى فصل الخريف ما لم تهبّ دول مانحة أخرى لمساعدتها. وإذا لم يتم التوصل إلى حلّ قريبا، فقد تتفاقم الأزمة بالتزامن مع توجه الناخبين الإسرائيليين ثانية إلى صناديق الاقتراع في أيلول/سبتمبر.

هل تسعى السلطة الفلسطينية إلى "اقتصاد المقاومة"

عندما تولى رئيس الوزراء الفلسطيني اشتية منصبه في نيسان/أبريل وسط إحدى أشد الأزمات المالية والحوكمة التي مرّت بها "السلطة الفلسطينية" منذ أكثر من عقد من الزمن، أعلن عن خطة طموحة أمدها 100 يوم تشمل "فك الارتباط التدريجي" عن إسرائيل.

على سبيل المثال، ادعت "السلطة الفلسطينية" أنه تمت المبالغة في محاسبتها بتكاليف الخدمات الطبية التي بلغ مجموعها على حد قولها 100 مليون دولار في عام 2018، مما دفعها إلى التوقف عن إحالة المرضى الفلسطينيين إلى مستشفيات إسرائيلية.

إسرائيل تبقى سوق التصدير الرئيسي للسلع والعمالة في الضفة الغربية

​​كما أعلنت "السلطة الفلسطينية" أنها ستقدّم تمويلا طارئا إلى قطاع الكهرباء وتدرس إمكانية استبدال واردات الكهرباء الإسرائيلية بالطاقة من مصادر أردنية. وتشير تقارير أخرى إلى أن "السلطة الفلسطينية" نظرت في الوقف التدريجي لاستخدامها الشيكل الإسرائيلي واستبداله بالدينار الأردني أو الدولار الأميركي أو اليورو.

وفي أيار/مايو، خلال إفطار رمضاني لأسر الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد إسرائيل أو سجنوا من قبلها، دعا اشتية "منظمة التحرير الفلسطينية" إلى إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، قائلا: "لا يمكننا الاستمرار في الاعتراف بإسرائيل بينما هي لا تعترف بنا".

ورغم أن البحث عن مجالات عملية لتجنّب الاعتماد على إسرائيل هو خطوة تحظى بشعبية سياسية، إلا أنه من غير المحتمل أن تسعى "السلطة الفلسطينية" إلى فك الارتباط الواسع عن الاقتصاد الإسرائيلي.

فإسرائيل تبقى سوق التصدير الرئيسي للسلع والعمالة في الضفة الغربية؛ وتوفّر هذه العمالة بدورها واردات للضفة الغربية وقطاع غزة تناهز قيمتها 4 مليارات دولار سنويا. كما ينصّ "بروتوكول باريس" على أن يبقى الشيكل عملة تبادل مقبولة في الضفة الغربية وغزة. وعلى أي حال، تُعتبر الدعوات لإلغاء التعاون بموجب هذا البروتوكول غير عملية، لأنه في ظل غياب أي اتفاق جديد، ستبقى ترتيبات الوضع الراهن قائمة على الأرجح ـ أي اتحاد جمركي يكون بموجبه لإسرائيل سيطرة كاملة على الحدود الخارجية.

لا ترفض "بروتوكول باريس"، قم بإصلاحه

توفر الأزمة الراهنة فرصة لاعتماد نظام أكثر كفاءة وشفافية من شأنه أن يجلب المزيد من العائدات لـ"السلطة الفلسطينية" ـ من المحتمل أن تتخطى مستويات دخلها قبل أن تبدأ إسرائيل باقتطاعات التحويلات. وتُعتبر مثل هذه الزيادة مهمة في الوقت الذي يستمر فيه الدعم الخارجي في الانخفاض من ذروته في عام 2008.

إن الإصلاحات المطلوبة معروفة جيدا، وقد تمّ تلخيصها مؤخرا في تقرير "السلطة الفلسطينية" الصادر في أيلول/سبتمبر 2018 إلى "لجنة الاتصال المخصصة" التي تتولى تنسيق دعم المانحين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتشمل هذه الإصلاحات:

  • خفض الرسوم التي تدفعها "السلطة الفلسطينية" إلى إدارة جباية الجمارك الإسرائيلية.
  • عدم فرض ضرائب ورسوم على واردات الوقود الفلسطينية التي تسترجعها "السلطة الفلسطينية" في نهاية المطاف بطريقة تعيق الإدارة الفعالة للتدفقات النقدية.
  • اعتماد نظام إلكتروني للمبالغ المستلمة عن الواردات من شأنه أن يسهل إنفاذ القانون في وجه التهرب الضريبي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
  • تحسين إنفاذ القانون الإسرائيلي على التهرب من الرسوم الجمركية من خلال شحن البضائع عبر إسرائيل إلى الضفة الغربية وغزة.

وخلال اجتماع عقدته "لجنة الاتصال المخصصة" في بروكسل في نيسان/أبريل، شجعت الجهات الفاعلة الدولية إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" على تحسين تطبيق البروتوكول.

وفي المرحلة القادمة، على مجتمع المانحين مواصلة السعي للتوصل إلى حل للمشاكل الاقتصادية الثنائية القائمة منذ فترة طويلة والتي سلّطت عليها الضوء خطة رئيس الوزراء اشتيه وأمدها 100 يوم ـ ليس فقط من خلال "لجنة الاتصال المخصصة" بل أيضا عبر إعادة تفعيل دور "اللجنة الاقتصادية الإسرائيلية ـ الفلسطينية المشتركة" التي حددها "بروتوكول باريس".

من غير المحتمل أن تسعى "السلطة الفلسطينية" إلى فك الارتباط الواسع عن الاقتصاد الإسرائيلي

​​وتشمل هذه القضايا تطبيق "اتفاقية شراء الطاقة" لعام 2017 الهادفة إلى تحسين موثوقية الكهرباء في الضفة الغربية وتحقيق الاستقرار في إيرادات المرافق الفلسطينية. ومن شأن إيجاد حل أكثر ديمومة لهذه المشاكل التي تقوّض التعاون المالي أن يكون مفيدا أيضا.

وتُعتبر مثل هذه الإصلاحات وغيرها مهمة وقد طال انتظارها. ومع ذلك، فإنها لن تمنح "السلطة الفلسطينية" الغطاء السياسي الكافي لقبول التحويلات الجزئية للإيرادات من إسرائيل أو معالجة المشكلة الأساسية المتمثلة بالمدفوعات المتعلقة بـ "الشهداء".

وبالتالي، على المانحين مواصلة ممارسة الضغوط على "السلطة الفلسطينية" لاستبدال هذه المدفوعات بشبكة أمان اجتماعي قائمة على احتياجات عائلات "الشهداء". وفي الأساس، هذه مشاكل سياسية، ولكن تمرير المواضيع السياسية الشائكة إلى تكنوقراطيين في القنوات القائمة ـ الثنائية والمتعددة الأطراف ـ قد يكون السبيل الوحيد لتخفيف حدة الأزمة الحالية.

كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأميركية.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.