مغاربة يشجعون منتخب بلادهم في كأس أفريقيا
مغاربة يشجعون منتخب بلادهم في كأس أفريقيا

سناء العاجي/

انتشر على المواقع الاجتماعية فيديو لفتيات مغربيات مشجعات للمنتخب الوطني خلال مباريات كأس إفريقيا للأمم. بعد خروجهن من ملعب لكرة القدم في مصر، تعرضن لتحرش فظيع تم تسجيله بالفيديو وانتشر على مواقع التواصل بشكل يدعو للغضب.

المشكل الأكبر أن الفيديو مسجل... بمعنى أن المتحرشين اليوم أصبحوا يتعاملون مع إحساسهم بالإفلات من العقاب بأريحية كبيرة؛ حتى حين يعلمون أن هناك تسجيلا سيفضحهم. وكأن فعل التحرش بالنسبة لهم مكسب أو شهادة فخر ترسخ فحولتهم. بل إن بعض حالات التحرش والاغتصاب، تم تسجيلها بالفيديو بناء على طلب المتحرش/المغتصب نفسه، كما في حادثة المراهقة الشابة نواحي مراكش منذ بضعة أشهر، والتي كان المغتصب يخلع سروالها أمام أنظار المارة (الذين لم يتحرك أحدهم لإنقاذها) بينما صديقه يسجل الفيديو!

نحن مجتمعات يخاف الناس فيها على أحذيتهم في المساجد

​​الكارثة الأخرى، أن هؤلاء المتحرشين المصريين بالفتيات المغربيات بعد المباراة، هم أنفسهم (وأشباههم) من ستجدهم على المواقع الاجتماعية يدافعون عن "الهوية العربية الإسلامية"... وهم من سيصوتون ضد حرية المعتقد في كل دساتير بلداننا... وهم من يرفضون الحريات الفردية... وهم من يسبون كل فاعل حقوقي أو صحفي دافع عن حقوق الأقليات الجنسية والدينية وعن الحريات الجنسية. هم من يسبون ويشتمون على تويتر وفيسبوك كل من يرونه "خارجا عن الدين وعن أخلاق المجتمع".

تلك المجموعة الصغيرة تمثل نموذجا حيا وموجعا لانفصامنا العظيم.

مجتمعات غارقة في وحل الفساد والسرقة والتحرش والعنف، لكنها أكثر المجتمعات حديثا عن الأخلاق والقيم والدين.

نحن مجتمعات يخاف الناس فيها على أحذيتهم في المساجد... فيضعونها أمام رؤوسهم عند كل ركوع أو سجود حتى لا تسرق منهم. فمن ينكر هذا؟

نحن مجتمعات يخاف فيه الأب والأم على بناتهم عند كل خروج، لأنهن معرضات للتحرش والعنف في كل لحظة.

يتعامل المتحرشون اليوم مع إحساسهم بالإفلات من العقاب بأريحية كبيرة

​​نحن مجتمعات أصبح معظم أفرادها يعتبرون أنه من الطبيعي إعطاء رشوة لموظف القطاع الحكومي للحصول على وثيقة بسيطة... هي حقهم.

نحن مجتمعات، إذا كان فيها قريبك مريضا، فقبل أن تنتبه له، عليك أن تنتبه لمحفظة نقودك التي قد تسرق في سيارة الإسعاف وفي المستشفى وفي الصيدلية.

نحن مجتمعات، حين تفقد فيها شخصا عزيزا، أبا أو أما أو ابنا، وتذهب فيها للمقبرة؛ فأنت، بالنسبة لحفار القبور ولمقرئ القرآن، لست إلا "همزة"، كما نقول في المغرب: فرصة سانحة للاستغلال والابتزاز المادي. سيستغلون حزنك ووجعك وظروف المأتم لابتزاز أي مبلغ ممكن لحفر القبر وتلاوة آيات قرآنية تحتاجها لفقيدك ولك، علها تعزيك في الفقد والألم والوجع.

نحن مجتمعات يتعامل معظم أفرادها وهم يسوقون سيارتهم، كأنهم في حظيرة شخصية لا وجود فيها إلا لهم ولسيارتهم.

نحن مجتمعات يتبول فيها الرجال في الفضاء العام بشكل عادي ويرمي فيه الرجال والنساء نفاياتهم في الشارع العام بدون أي حرج.

نحن مجتمعات يخاف فيها الفرد على هاتفه وتخاف فيها المرأة على حقيبتها في كل لحظة وثانية.

مجتمعات تعنف كل متحدث عن الحريات الفردية وحرية المعتقد والمثلية وحقوق المرأة

​​نحن مجتمعات قد تسرق فيها ملابسك المنشورة على سطح بيتك في وضح النهار. تخاف فيها على هاتفك وأنت في المقهى أو في الحافلة وحتى في المسجد.

نحن مجتمعات يبتزك فيها الطبيب في القطاع الخاص بمبالغ خيالية ويهملك فيها الطبيب في القطاع العام.

نحن مجتمعات تذهب فيها لتشاهد مباراة في كرة القدم، فيخرج عدد من رجالها لتعنيف نساء شاهدن نفس المباراة. وبدل الاحتفاء بالرياضة... نُخرج أسوأ ما فينا من كبت ومن مرض.

♦♦♦

ومع كل هذا، فنحن مجتمعات تتبجح بخطابات الأخلاق والدين. مجتمعات تعنف كل متحدث عن الحريات الفردية وحرية المعتقد والمثلية وحقوق المرأة، بذريعة الأخلاق. مجتمعات ترفض أن تعي بأن الحريات الفردية هي اختيار ناضج... وأن التحرش هو المرض وهو اللاأخلاق بعينهما!

الواقع المؤسف أننا مجتمعات تخلط المفاهيم وتسيء إدراك مفهوم الأخلاق نفسه. مجتمعات تدافع عن الأخلاق والقيم من منظور قاصر، وهي غارقة في وحل الفساد حتى الضحالة. مجتمعات ترى نفسها في مرآة مزيفة وترفض أن تستفيق!

اقرأ للكاتب أيضا: اغتصاب على فراش الزوجية

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.