لم تفشل "ورشة المنامة حول السلام والازدهار في الشرق الأوسط". نجاحها يحتاج إلى نقاش.
هذه الورشة، لم تنعقد، في الأساس، من أجل تحقيق خرق تسووي سياسي في "السور العظيم" الذي يحيط بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. حتى الأطفال يدركون أن ذلك من سابع المستحيلات، أقلّه في الوقت الراهن.
إن لهذه الورشة أهدافا أخرى، من بينها إيصال رسالة إلى الفلسطينيين في الداخل والخارج، بأن "الموت ليس قدرا".
وليس أدل على ذلك سوى الطريقة التي استعرض بها جاريد كوشنير خطة النهوض، بحيث بدت، بأفلامها وصورها وأرقامها ولغتها، كأنها الطريق السحري للعثور على "الفردوس المفقود" في هذا العبور الطويل للصحراء التي جبلت بالموت والدمار والتهجير والفقر والذل والاستعباد والاستغلال.
وكان معروفا مسبقا بأن الفلسطينيين لن يصفقوا لا لكوشنير ولا لخطته. هذا لم يكن مرجوا. الهدف الأساسي كان في دفعهم دفعا إلى التفكير في المستقبل مقارنة مع الماضي والحاضر.
ولم يكن مطلوبا أن يأتي كبار السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب إلى هذه الورشة، بل المؤسسات الدولية التي يمكنها وحدها أن تشهد لمعقولية "الحلم" وإمكانية تحقيقه. وهذا ما حصل.
ولم يقع مهندسو الورشة يتقدمهم كوشنير بإحباط بسبب التسريبات التي سبقتها وواكبتها عن الخطة السياسية المقرر إعلانها في وقت لاحق، وهي تنال، بشكل كبير من المطالب الفلسطينية التاريخية. العكس بدا صحيحا، فالحلم لا يبني نفسه على الحقوق المرفوعة بل على حق الحياة.
وهذه الحقيقة المرة، لا تبدو أنها تشكل عقدة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تعلن انحيازها، بشكل واضح لا لبس فيه لإسرائيل، بل هي، وفق ما تريد الورشة، تشكل عقدة لكل من يشجع الفلسطينيين على الرفض والمواجهة والموت والحرمان.
بالنسبة لترامب وكوشنير وإدارته، فإن إسرائيل تقوى يوما بعد يوم، وتترسخ مطالبها سنة بعد سنة، والإسرائيليون يتمتعون بمستوى حياة طبيعية، وتاليا فهم، كما بيّنت التجربة، يستفيدون من قدرتهم على الانتظار، فيما يخسر الفلسطينيون كلّما كبرت تضحياتهم، فهم يغرقون في اليأس، ويعبّرون عن أنفسهم بالموت، ويفقدون أوراق قوتهم، وتاليا حقوقهم.
وفي نظرة إدارة ترامب لنفسها، فإنها، بتعاملها مع إسرائيل إنما تحترم ميزان القوة الواقعي، ولكنها بتعاملها مع الفلسطينيين، من خلال الخطة التي أعلنها كوشنير في "ورشة المنامة"، إنما تريد أن تنحاز إلى عذابات هذا الشعب وحاجاته العميقة، وذلك على قواعد سياسية واضحة وليس على أساس إنساني بلا أفق، وفق ما كان يحصل سابقا.
وبذلك، تكون واشنطن، وفي حمأة الصراع المفتوح مع إيران، قد قدمت للفلسطينيين القدرة على المقارنة، بين وعودها المستقبلية المبنية على الازدهار، من جهة والتحريض الإيراني الذي يزيد الهوة الجهنمية، من جهة أخرى.
وفي النظرة الأميركية، فإن إيران ومعها جميع القوى التي تحرّض الفلسطينيين على المواجهة الراديكالية، لم تحقق لهم شيئا، فهم يمنون بخسائر كبيرة، سنة بعد سنة، في وقت يعيشون في جحيم مفتوح، سواء في غزة أم في دول اللجوء.
وفي النظرة الأميركية أيضا، فإن الفلسطينيين في الواقع، بدأوا يخسرون أثمن الحلفاء العرب، بسبب إيران واستخدامها لهم، من أجل هداف خاصة بها.
قد تكون الخطة التي أعلنها جاريد كوشنير في المنامة مجرد بناء "قصر في إسبانيا"، ولكنها بالمحصلة فتحت الأعين، مجددا، على معاناة الفلسطينيين المأساوية وعجز المنحازين إليهم عن تحقيق أي شيء لهم، سواء على المستوى العسكري أم على المستوى السياسي أم على المستوى الحياتي.
وربما على الفلسطينيين، أن يبدأوا بتفكير عميق في الطريقة المثلى لاستغلال هذا "الوعد الأميركي"، وفق إحدى القواعد الذهبية للدهاء السياسي التي تسمح للضعفاء، عند الضرورة، بالاستفادة من خصومهم، بحيث يضعون داعميهم أمام الحقائق المرة، فهم إذا كانوا غير قادرين على مساعدتهم في "إزالة إسرائيل من الوجود"، فعليهم أقله أن يبادروا، بسرعة، إلى إطلاق برنامج واقعي يعين الشعب الفلسطيني على حد أدنى من الحياة الكريمة، سواء في غزة أم في دول اللجوء.
قد يكون جاريد كوشنير قد طرح، في المنامة، عرضا لشراء القضية الفلسطينية بوعد الازدهار، فهل يملك الفلسطينيون القدرة على استغلال هذا العرض ليواجهوا من يزعمون دعمهم بما هم يحتاجون إليه؟
اقرأ للكاتب أيضا: لصوص... لبنان!
ـــــــــــــــــــــ الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).